استمع إلى الملخص
- القطاع يعاني من نقص الاستثمار منذ الأزمة الاقتصادية في 2019، ووزارة الاتصالات تسعى للإصلاح بدعم دولي محدود، لكن التحديات المالية والإدارية تعيق الجهود.
- شركة "أوجيرو" تواجه صعوبات في إصلاح الشبكات بسبب الأوضاع الأمنية، مع تقديم حلول مؤقتة والحاجة إلى دعم مالي وأمني أكبر.
تشير التقديرات الأولية إلى أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان ألحقت خسائر في شبكة الاتصالات تقدر قيمتها بـ117 مليون دولار. فقد أدى القصف إلى انقطاع خدمة الإنترنت عن أكثر من 30 ألف مشترك من أصل 700 ألف في شركة "تاتش"، بحسب وزارة الاتصالات، فيما يعتبر التدمير الذي لحق بشبكة الاتصالات الأرضية أكثر فداحة.
لكن الحرب لم تكن المسبب الوحيد لأزمة القطاع، إذ إنه بحسب تصريحات وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، جوني القرم، فإنه منذ عام 2017 لم يتم أي استثمار في الشبكة الأرضية في لبنان، باستثناء بعض الإصلاحات الطفيفة، نظراً للأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد منذ انكشاف عملية النهب التي طاولت الاقتصاد في عام 2019.
وتسابق وزارة الاتصالات الزمن لمعالجة تداعيات الكارثة، بالتوازي مع دعم دولي محدود وهبات استثنائية مثل تلك المقدمة من الصين، في محاولة لإنقاذ قطاع حيوي يترنح منذ سنوات نتيجة الإهمال وضعف الاستثمار.
أحمد، أب لثلاثة أطفال، قال لـ "العربي الجديد": "لم أستطع الاطمئنان إلى عائلتي"، إذ روى معاناته خلال الأيام الأولى للعدوان، عندما انقطع الإرسال بشكل كامل في بلدته بنت جبيل. وأفاد بأن "الوضع كان مخيفاً، لم أستطع الاتصال بأقربائي في القرى المجاورة للاطمئنان عليهم، حتى التنقل إلى منطقة أخرى للبحث عن إشارة كان محفوفاً بالمخاطر بسبب القصف".
تضرر الأعمال مع انقطاع الاتصالات
وانقطاع التواصل وقالت سارة، التي تعمل مصممة غرافيك بشكل حر مع شركات في بيروت والخارج، لـ "العربي الجديد" إنه خلال العدوان، انقطعت شبكة الإنترنت تماماً في بلدتها مرجعيون. وأفادت: "كان لديّ موعد لتسليم مشروع كبير"، لكنها لم تتمكن من التواصل مع العميل أو إرسال العمل. "واضطررت للانتقال إلى بيروت وسط مخاطر الطريق للعثور على مكان به إنترنت، لكن الأمر كان متأخراً".
بينما مارلين، شابة من حاصبيا، اضطرت إلى العمل من المنزل بسبب الحرب الإسرائيلية، لكنها واجهت مشاكل كبيرة مع انقطاع الإنترنت المستمر. وبعد الضربات المتكررة على المنطقة، تفاقمت المشكلة، حيث انقطعت الإنترنت لأكثر من 45 يوماً، مما صعّب عليها أداء عملها من المنزل. الأمر اضطرها للعودة إلى بيروت بشكل متقطع لإنهاء أعمالها. وأشارت إلى أنها كانت تعاني من الخوف والقلق أثناء التنقل على الطرقات.
وأوضحت مارلين أنها، من أجل البقاء إلى جانب عائلتها، اضطرت لاستخدام الإنترنت عبر هاتفها المحمول، مما زاد من الأعباء المالية عليها. وأضافت أن هذه المشكلة لم تكن محصورة في منطقتها فقط، بل طاولت كل المناطق القريبة من القصف، حيث خسر العديد من الموظفين وظائفهم أو اضطروا إلى مغادرة البلاد نهائياً. كما أشارت إلى أن أخاها، وهو طالب جامعي، اضطر إلى إلغاء هذا الفصل الدراسي بعدما تعذرت عليه متابعة الدروس عبر الإنترنت بسبب انقطاع الشبكة. وأكدت أن هذا الوضع زاد من صعوبة الحصول على الأخبار، مما زاد التوتر والقلق.
أما رشاد، وهو مغترب في قطر، فقد تحدث عن شهرين من القلق والتوتر نتيجة صعوبة التواصل مع عائلته في جنوب لبنان. وقال إنه مع كل خبر يصل إليه، كان يشعر بالهلع، حيث كان يحاول مراراً وتكراراً التواصل معهم دون جدوى بسبب انقطاع الإنترنت وتعطل شبكات الإرسال.
وأوضح أن لحظة الاتصال بعائلته كانت بمثابة معجزة للاطمئنان إلى أحوالهم ومعرفة ما يحدث حولهم، معتبراً أنّ هذه المعاناة مشتركة بين جميع المغتربين، الذين عاشوا نفس الشعور القاسي من القلق والانقطاع.
صعوبة إجراء التصليحات
وصرّح مدير عام أوجيرو، عماد كريديه، في حديث خاص لـ“العربي الجديد”، بأن الشركة فقدت عدداً من الموظفين نتيجة القصف الإسرائيلي، كما أصيب موظف آخر بجروح خطيرة أثناء قيامه بأعمال الصيانة في المناطق الحدودية. وأشار إلى أن شبكة الإنترنت والاتصالات واصلت العمل بشكل طبيعي في معظم المناطق اللبنانية، باستثناء المناطق الجنوبية والحدودية، التي بدأت فيها الشبكات تعود تدريجياً إلى العمل.
وأضاف كريديه أن غالبية المشتركين استعادوا خدمات الاتصال بشكل جيد، بينما لا يزال المشتركون يعانون في المناطق التي يمنع الجيش الإسرائيلي الدخول إليها، ما حال دون إجراء أعمال الصيانة اللازمة. وأوضح أن هناك سنترالات في المناطق الحدودية لا يمكن التأكد من حالتها، إذ قد تكون قد تضررت أو تم تفخيخها.
ولا يمكن تحديد حجم الأضرار أو تقدير الخسائر إلا بعد الوصول إلى هذه المناطق، التي ما زالت خالية من السكان بسبب النزوح الجماعي. كما أشار إلى أن حجم العدوان كان كبيراً لدرجة أنه ألحق أضراراً جسيمة بالشبكات الأرضية، حيث دُمر جزء كبير منها بالكامل. وبيّن كريديه أن الأضرار التي قدّرتها وزارة الاتصالات بلغت نحو 117 مليون دولار في قطاعي الهاتف الخلوي والثابت، إلا أن الخسائر الكبرى كانت في "أوجيرو" بسبب اعتمادها على البنية التحتية المتضررة بشدة.
وأضاف أن الموازنة المخصصة من وزارة المالية والحكومة لا تكفي لمعالجة هذه الأضرار، مما اضطر الشركة إلى إجراء إصلاحات محدودة لضمان استمرار الخدمات للمواطنين. أعطال ودعم صيني وأوضح كريديه أن اجتماعاً عُقد مع رئيس الحكومة وسفير الصين، التي قدّمت هبة للدولة اللبنانية، وطُلب خلالها تأمين المعدات المطلوبة لتنفيذ خطة الصيانة من دون تكليف الدولة اللبنانية بأي أعباء إضافية.
وأشار أيضاً إلى أن مجلس النواب سيعيد موازنة 2025 إلى الحكومة لإعادة دراستها، بهدف تضمين التكاليف اللازمة لإيجاد حلول مستدامة لقطاع الاتصالات. وتابع كريديه حديثه بالإشارة إلى أن هناك 26 سنترالاً ما زالت خارج الخدمة وغير مرتبطة بالشبكة.
من جانبه، صرّح النائب في البرلمان اللبناني، فراس حمدان، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، بأن الأعطال التي لحقت بالمنطقة من جراء القصف الإسرائيلي أدّت إلى توقف شبكات الإرسال عن العمل، وأوضح أنّ جزءاً من الأعطال استمر حوالى شهر إلى حين معالجته، بينما استمر جزء آخر حوالي 50 يوماً.
وأرجع السبب إلى العطل الذي أصاب محطة الخيام وعدم قدرة فرق الصيانة على الوصول إليها لإصلاحها، فضلاً عن عطل في سنترال شبعا. وأضاف حمدان أن تضرر خط الفايبر أوبتيك القادم من محطة السلطانية في الجنوب اللبناني، والذي يغذي الإنترنت والهاتف الأرضي، شكّل تحدياً إضافياً، وأكد أنه تم التواصل مع الهيئات المعنية وشركتي "تاتش" و"ألفا" لإيجاد حلول بديلة. ففي المرحلة الأولى، تم إيجاد حلول لمنطقة حاصبيا والقرى المجاورة من خلال استخدام تقنية غير مرتبطة بخط الفايبر أوبتيك. أما في المرحلة الثانية، فقد تم إيصال الخدمة للقرى الأخرى باستخدام التقنية ذاتها، نظراً لعدم إمكان إصلاح الأعطال حتى الآن بسبب الحاجة إلى موافقة أمنية، مشيراً إلى أن هذه الحلول مؤقتة لحين إصلاح الأضرار، مؤكداً أنها حلول فعّالة لكنها غير دائمة.