تواجه الحكومة التي تديرها حركة "حماس" في قطاع غزة أزمة مالية خانقة دفعتها إلى خفض نسبة صرف رواتب موظفيها من 60% إلى 55% بعد قرابة عامين على رفع الصرف إلى هذه النسبة وسط انتقادات وجهت لها من قبل الموظفين العموميين.
ومنذ شهر إبريل/ نيسان 2013 لم يتقاضَ موظفو حكومة غزة رواتب كاملة، نتيجة لظروف الحصار الإسرائيلي وتجفيف المنابع المالية التي كانت حركة حماس تحصل على دعم منها لتمويل حكومتها التي تدير شؤون القطاع منذ سيطرتها عليه قبل نحو 16 عاماً.
وتعتمد الجهات الحكومية خلال الأعوام الأخيرة التي تبعت عام 2017 على بوابة صلاح الدين التجارية مع مصر من خلال فرض رسوم جمركية على البضائع الواردة للقطاع، بالإضافة إلى بعض السلع التي تُفرَض عليها رسوم جمركية بنسبة أقل على الواردة من معبر كرم أبو سالم مع الاحتلال الإسرائيلي.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة مساهمة من دولة قطر في توفير منحة مالية شهرية قيمتها 30 مليون دولار مقسمة على ثلاثة أجزاء، منها 10 ملايين دولار مخصصة للعوائل الفقيرة و10 ملايين مخصصة لوقود محطة توليد الكهرباء، بالإضافة إلى مبلغ مالي لا يدفع مباشرة لوزارة المالية في القطاع، وإنما من خلال شراء وقود من مصر، يُباع في غزة، ومن عوائده يُغطى جزء من هذه الرواتب.
ويقدَّر عدد الموظفين في غزة قرابة 50 ألف موظف يعملون في الشقين المدني والعسكري، ويقدمون الخدمات لأكثر من 2.3 مليون نسمة في القطاع، في الوقت الذي تبلغ فيه قيمة فاتورة الرواتب الكاملة لهؤلاء أكثر من 30 مليون دولار شهرياً، إلا أن ذلك لا يصرف.
وخلال هذه السنوات، تراكمت مئات الملايين من الشواكل على الحكومة في القطاع كمستحقات للموظفين، حيث تقدر هذه الأموال بقرابة 4 مليارات شيكل (الدولار=3.81 شيكل إسرائيلي) هي ديون مستحقة على الجهات الحكومية في غزة لعشرات الآلاف من الموظفين نتيجة العجز عن دفع الرواتب.
وتحفظ مسؤولون في الحكومة في غزة عن الحديث بشأن الأزمة المالية التي تعصف بهم منذ فترة والأسباب التي أدت إلى خفض نسبة صرف الرواتب للموظفين، فضلاً عن تباعد الفترات الزمنية خلال عملية الصرف في الشهور الأخيرة.
فيما اكتفى رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، بالقول لـ "العربي الجديد": "إن مسببات الأزمة المالية الحالية جرى الحديث عنها بشكلٍ مفصل خلال الفترة الماضية من خلال التحذير المتكرر من عدم القدرة على إبقاء نسبة الراتب كما كانت عليها".
ووفقًا لبيانات لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي في غزة، فإن هناك عجزًا ماليًا متراكمًا على وزارة المالية منذ مطلع عام 2021 وحتى منتصف عام 2023 يزيد على 116 مليون شيكل إسرائيلي، فيما ارتفع أخيرًا ليلامس قرابة 168 مليونًا.
ولا توجد موازنة مالية واضحة المعالم تقدمها وزارة المالية للجهات المختصة في المجلس التشريعي أو حتى لمؤسسات المجتمع المدني من ناحية الإفصاح المالي، بل تكتفي بتقديم خطة صرف مالية مبنية على الالتزامات والتوقعات بشأن العائدات من خلال الواقع الاقتصادي القائم.
في الأثناء، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل، إن النشاط الأساسي للحكومة في غزة من ناحية الإيرادات يأتي من خلال الضرائب والرسوم المختلفة وهي عملية مرتبطة بالنشاط الاقتصادي المتراجع بشكلٍ واضح وملموس في القطاع خلال الآونة الأخيرة.
ويضيف نوفل لـ"العربي الجديد" أن هناك مجموعة من العوامل تتحكم كذلك بتوافر السيولة النقدية، من أبرزها تراجع المشاريع الدولية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل من مصر إلى القطاع عبر بوابة صلاح الدين، وهو ما يخفض من الرسوم التي تحصلها الجهات الحكومية ويجعلها محدودة.
ويشير إلى أن الحكومة لا تحصّل مبالغ مالية كبيرة من خلال معبر كرم أبو سالم أقصى جنوبي القطاع، نظرًا لتحصيل السلطة في رام الله للضرائب والرسوم الجمركية، وهو ما يجعل العائدات المالية للحكومة محصورة في بوابة صلاح الدين أو الرسوم الداخلية والمنحة القطرية.
ووفق نوفل، فإن الرسوم المالية على البضائع المصرية تكاد تكون منخفضة في ضوء الارتفاعات الكبيرة في تكلفة النقل باستثناء الوقود والسجائر لكونهم يعتبرون الركيزة الأساسية للإيرادات المالية لوزارة المالية في غزة مقارنة ببقية السلع الأخرى التي تُستَورَد من القاهرة.
ويلفت إلى أن أسعار النقل للبضائع قفزت بنحو كبير من قبل شركة أبناء سيناء (الشركة المصرية المسؤولة عن عمليات التجارة مع غزة) حيث لا تقل عن 3 آلاف دولار، وتتجاوز 10 آلاف دولار للشاحنة الواحدة، وهو ما يخفض من عملية فرض الرسوم على أي سلعة مستوردة كانت، إذ لا تحصّل الحكومة من طن الدقيق سوى 80 شيكل للطن الواحد.
وحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، فإن 93% من نفقات الحكومة في غزة هي لصالح فاتورة الرواتب بإجمالي مالي يبلغ 138 مليون شيكل شهريًا من أجل صرف ما نسبته 60%، قبل خفض نسبة الصرف إلى 55%.
وتعتمد الحكومة في غزة على الاقتراض من بعض المصارف المحسوبة عليها في القطاع، التي لا تنضوي ضمن إطار سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي)، حيث تلجأ وزارة المالية للاقتراض منها لتغطية جانب من العجز الحاصل في الدفعات المالية المصروفة للموظفين.
في هذا السياق، يؤكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، أن حالة التراجع مرتبطة بعوامل سياسية واقتصادية، وهو الأمر الذي قد يكون له تداعيات على المشهد الفلسطيني ككل خلال الفترة المقبلة، في ضوء الأزمة الخانقة التي تعصف بالحكومة.
ويقول أبو جياب لـ"العربي الجديد" إن الحكومة أمام مجموعة من العوامل المشتركة، أبرزها تراجع الإيرادات المالية في غزة التي انخفضت بحجم عجز مستدام يزيد على 100 مليون شيكل، بالإضافة إلى تراجع أسعار سعر صرف الشيكل أمام الدولار.
ويضيف أن حالة التراجع في سعر صرف الشيكل أدت إلى عدم دفع الإيرادات والأموال المالية، بالإضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري الذي أثر في المنحة القطرية المخصصة لشراء الوقود الخاص بدعم فاتورة رواتب الموظفين.