في الوقت الذي لم تحقق فيه المحاولات الحكومية اليمنية أي نتائج لاحتواء انهيار سعر صرف الريال المتسارع منذ مطلع الشهر الحالي، تجددت أزمة هي الأعنف في الوقود تتركز في محافظات جنوب اليمن الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، مع انخفاض كبير في المعروض وارتفاع قياسي في الأسعار.
وشوهدت طوابير طويلة غير مألوفة في محافظات جنوب اليمن، في أكثر من مدينة، خصوصاً في المكلا بمحافظة حضرموت ومدينة عدن، إذ أظهر المواطنون الواقفون في الطوابير استياء بالغا من هذه الوضعية التي لم يعتادوا عليها، وتنذر بأوضاع معيشية متدهورة بصورة لم يعد باستطاعتهم تحملها.
المواطن أحمد المفلحي من سكان مدينة المكلا يعبر بسخط، في حديث مع "العربي الجديد"، عن هذه الوضعية مع مرور أكثر من 10 ساعات من وقوفه في طوابير طويلة أمام إحدى محطات تعبئة البنزين.
من جانبه، يفيد مواطن آخر من المكلا، في حديثة لـ"العربي الجديد"، عن تفاجئهم منذ يوم أمس بإغلاق محطات تعبئة الوقود الحكومية والخاصة في مختلف مناطق حضرموت، وهو ما دفع بعشرات المركبات والسيارات إلى التوجه إلى محطات التعبئة للحصول على الوقود، تحسباً من أزمة قادمة قد تطول هذه المرة بشكل أشد في محافظة حضرموت التي لم تهدأ فيها أزمة الوقود إلا بصورة طفيفة منذ منتصف العام الماضي.
وتضاعفت معاناة المواطنين في مثل هذه المحافظات والمناطق مترامية الأطراف، والتي يضطر معها الموظفون المدنيون لإنفاق مبالغ طائلة للوصول إلى مقرات أعمالهم ودوائرهم الوظيفية، في ظل عدم قدرة كثير منهم على تحمل تكاليف البنزين لتعبئة سيارتهم، أو تحمل تكاليف ترتفع باضطراد في أسعار المواصلات العامة، والتي يقتطع الإنفاق عليها أكثر من 40% من رواتبهم.
وهي معاناة لم يعد كثير من المواطنين قادرين على التعامل معها في مختلف مناطق ومحافظات اليمن، كما هو الحال بالنسبة للمواطن عبده محفوظ من سكان مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا، والذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن رواتبهم الضئيلة بالكاد تسد احتياجاتهم من الخبز مع ارتفاع سعر الرغيف الواحد إلى نحو 120 ريالا، وهو رقم قياسي وهو الأعلى في تاريخ اليمن أن يتجاوز سعر رغيف الخبز حاجز 100 ريال، بعد أن كان يتراوح بين 30 و50 ريالا منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد، والتي دخلت عامها السابع.
وتشهد الأسواق في عدن وحضرموت ومحافظات أخرى في جنوب اليمن ارتفاعا قياسيا في أسعار الوقود، مع تفاوت الأسعار بين محافظة وأخرى، والتي تصل إلى 18 و19 ألف ريال للصفيحة الواحدة من البنزين 20 لتراً، فيما تبلغ نحو 22 ألف ريال في مناطق أخرى.
ويشكو مواطنون في محافظة تعز والعاصمة صنعاء ومحافظات في شمال اليمن خاضعة لسيطرة الحوثيين من أزمة خانقة متصاعدة في غاز الطهو، وصعوبة الحصول عليه، مع وصول سعر القنينة إلى ما يقارب 15 ألف ريال.
ويرى الباحث الاقتصادي عصام مقبل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجهات المعنية في عدن ومناطق في جنوب اليمن تعمل على استنساخ تجربة الحوثيين في إدارة سوق الوقود، من خلال العمل على تعويمه وتحرير عملية الاستيراد، وهو ما سيؤدي إلى تشكل سوق سوداء على غرار السوق المنتشرة في صنعاء ومحافظات شمال اليمن.
ويوضح أن الوضع الراهن في سوق الوقود بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً عبارة عن سوق سوداء رسمية، مع تجاوز سعر صفيحة البنزين الواحدة أكثر من 20 ألف ريال.
وتستجيب السوق اليمنية منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول تحديداً لزيادة تدريجية في أسعار الوقود، والتي تضاعف سعرها بنسبة تقدر بحوالي 300% منذ مطلع العام الحالي 2021، إذ قفز سعر الصفيحة الواحدة من البنزين 20 لتراً في عدن من 5500 ريال إلى 7800 في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، ونحو 12 ألف ريال في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو نفس السعر المتداول في صنعاء منذ نحو شهرين، بينما شارف سعر اللتر الواحد من البنزين في حضرموت على 800 ريال بنسبة زيادة تصل إلى 700% مقارنة بنفس الفترة الراهنة من العام الماضي.
وكانت "العربي الجديد" قد توقعت، الشهر الماضي، الأسوأ، بأن يستقبل اليمن شحنات وقود مستوردة بالأسعار الجديدة المرتفعة في الأسواق العالمية، وانعكاسها على الأسواق المحلية من خلال تغذية أزمة جديدة قد تكون الأعنف في البلاد المثخنة بالحرب والأزمات.
وتشهد معظم المناطق اليمنية الخاضعة لسلطات متعددة اختناقات وأزمات متواصلة ومتكررة في الوقود منذ بداية الحرب في 2015 وزادت حدتها بشكل كبير آخر عامين، الأمر الذي فاقم معيشة اليمنيين بصورة كبيرة.
وأقدمت السلطات الحكومية المعنية الأسبوع الماضي في قرار غير معلن على تعيين مدير جديد لشركة النفط اليمنية الحكومية، في إطار توجهاتها لمواجهة أزمة الوقود التي تشهد ارتفاعا تدريجيا منذ منتصف الشهر الماضي.
وأعقب هذا القرار مذكرة صادرة من محافظ عدن أحمد لملس، مرسلة إلى رئيس الحكومة معين عبدالملك، يطالب فيها البنك المركزي اليمني في عدن بتحرير نشاط شركة النفط الوطنية، ومنحها امتيازات المصارفة للعملة الصعبة.
وتطالب الشركة في عدن بمنحها امتيازات المصارفة للعملة الصعبة، انطلاقا من أزمة الوقود الخانقة وعدم استقرار وثبات أسعاره، بما يؤدي إلى تحقيق استقرار تمويني وثبات أسعار المشتقات، وهو ما يتطلب قرارا رسميا من الحكومة.
وقال مصدر مطلع في الشركة لـ"العربي الجديد" إن الوضع يتطلب منح الشركة صلاحيات أكبر لتنفيذ معظم الإجراءات المتعلقة بالمصارفة واستيراد الوقود، والعمل على ضمان تغطية الطلبات والعقود المبرمة مع المكاتب العاملة في هذا الخصوص، مع التزام الشركة بإخضاع جميع معاملات البيع والشراء للعملة الوطنية وتعليق نشاط معظم المكاتب العاملة، علما أن الكمية المتوافرة لديها تبلغ نحو 40 ألف طن بنزين بسعر 950 ريالا للدولار الواحد.