رغم تباطؤ النمو واحتمالات ركود الاقتصادات العالمية وقوة الدولار، يرى العديد من خبراء ومحللي أسواق الطاقة أن أسعار الخامات البترولية تتجه للارتفاع في الربع الأخير من العام الجاري وربما العام المقبل وسط الاحتمالات القوية أن يلجأ تحالف "أوبك+" لخفض الإنتاج ودعم أسعار النفط التي تراجعت لأقل من 90 دولاراً لخام برنت، وذلك في اجتماعاته التي ستعقد اليوم الأربعاء في فيينا.
وتوقع محللو الطاقة بمصرف "غولدمان ساكس" في مذكرة أن تخفض "أوبك+" الإنتاج بكميات تراوح بين مليون إلى مليون ونصف المليون برميل يومياً في اجتماعها اليوم.
وهذا أول اجتماع يحضره نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك منذ غزو روسيا لأوكرانيا نهاية فبراير ويحضر فيه الوزراء شخصياً إلى فيينا منذ أزمة جائحة كورونا في عام 2020 حيث كانت الاجتماعات تعقد افتراضياً بنظام "الفيديو كونفرانس".
ويرى محللو الطاقة بمصرف "أر بي سي كابيتال ماركتس" البريطاني أن العوامل التي تدعم ارتفاع أسعار النفط متوفرة في السوق.
في هذا الصدد، قال العضو المنتدب لاستراتيجية الطاقة العالمية في مصرف "آر بي سي ماركتس" مايكل تران، العقوبات المتزايدة ضد روسيا مع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام الروسي عن طريق البحر من المقرر أن تدفع النفط إلى الأعلى.
وقال تران إنه من المتوقع أن يستمر التداول المتقلب في العقود الآجلة للنفط الخام، لكنه يرى أنه يتعين على المستثمرين في الصفقات النفطية أن يعقدوا الصفقات الطويلة الأجل التي تمنحهم الوقت لرؤية توجهات الاقتصاد العالمي بدلاً من الاستجابة لاضطرابات الأسعار اليومية. وأضاف أن مخاوف الركود تهيمن على معنويات السوق الآن وكانت وراء تراجع الأسعار، ولكن يجب على المستثمرين الابتعاد عن الجري وراء قطيع البائعين.
ولاحظ خبراء في تحليل بنشرة "أويل برايس" أنّ مخاوف تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا كانت وراء الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار الخامات البترولية وليس أساسيات العرض والطلب بالسوق، إذ كان هناك ذعر بسبب التطورات الجيوسياسية في أوروبا وتوتر في مضيق تايوان بين واشنطن وبكين.
من جانبها توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع أسعار خام غرب تكساس إلى 98 دولاراً للبرميل في المتوسط خلال الربع الجاري. وترى الوكالة التي تراقب أسواق الطاقة وإمداداتها لصالح الحكومة الأميركية أن الارتفاع في الأسعار البترولية قد يحدث بسبب الاضطرابات في الإمدادات وتباطؤ الإنتاج العالمي من النفط، ولكن الوكالة لم تستبعد احتمال تراجع أسعار النفط بسبب التباطؤ الاقتصادي في العديد من الاقتصادات الكبرى.
في ذات المنحى توقع مصرف "غولدمان ساكس"، وهو من كبار بنوك الاستثمار التي تتاجر في أسواق النفط المستقبلية، أن أسعار النفط تتجه للارتفاع خلال العام الجاري والعام المقبل.
وكانت أسعار النفط قد تراجعت خلال الأشهر الماضية من مستوياتها المرتفعة فوق 130 دولاراً إلى أقل من 90 دولاراً بسبب هروب المستثمرين من السوق خوفاً من تكبد الخسائر في حال ركود الاقتصاد العالمي، وبسبب دورة ارتفاع الدولار، والمتاعب المالية التي كبدتها للاقتصادات الناشئة والنامية، وكذلك تراجع معدل النمو الاقتصادي في الصين أكبر المستوردين للخامات النفطية وثاني أكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة.
على صعيد العرض، تواجه السوق النفطية تراجعاً في المعروض النفطي بسبب العقوبات الغربية على روسيا وزيادة أوروبا من وارداتها النفطية لتغطية العجز المحتمل في الطاقة وتراجع الاستثمار في الآبار النفطية الجديدة.
في هذا الصدد يرى خبير النفط بمصرف "غولدمان ساكس" جيفري كوري أنّ هناك تراجعاً كبيراً في المخزونات العالمية من الخامات النفطية، وتراجعاً كبيراً في الاستثمارات في الكشوفات النفطية بسبب التغير الاستراتيجي في مستقبل الطاقة، إذ إن الاستثمار في الكشوفات واستخراج النفط يأخذ فترة طويلة، وهذا يحتاج إلى سوق مضمون وليس سوقاً متأرجحاً.
وأضاف كوري في تعليقات نقلتها قناة "سي إن بي ٍسي" الأميركية أن أوبك تعيش في الوقت الراهن أقوى مراحلها، إذ إن الطاقات البديلة للنفط ليست جاهزة وباتت هي الوحيدة الموجودة في السوق.
على صعيد عامل قوة الدولار الذي عادة ما يقود إلى تراجع أسعار النفط يرى موقع "زيرو هيدج" الأميركي أنّ مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" يعمل على رفع أسعار الفائدة لخفض معدل التضخم، وبالتالي يرتفع الدولار وتنخفض أسعار الطاقة التي تعد من أهم مكونات السلع في سلة قياس معدل التضخم.
من جانبها تعمل "أوبك" على تعويض تداعيات قوة الدولار على أسعار النفط عبر خفض معدل الإنتاج لترتفع الأسعار، وبالتالي يوجد "صراع خفي" وغير معلن بين مصالح المنظمة النفطية في رفع أسعار النفط وبين المصلحة الأميركية في خفض الأسعار عبر تعزيز سعر صرف الدولار.
وتوقع مصرف "غولدمان ساكس" في مذكرة أن تتمكن "أوبك" من كسب معركة أسعار النفط على حساب قوة الدولار في حال خفضت معدل الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً في اجتماعها اليوم الأربعاء.
وتستفيد أسعار النفط خلال الربع الجاري والأشهر الأولى من العام المقبل من تشديد القوى الغربية العقوبات على الطاقة الروسية ومن قانون "سقف الأسعار" للنفط الروسي، وهو قانون تمت إجازته، لكن لم يحدد سعر خام الأورال في السقف.
يذكر أن أسعار الخامات البترولية واصلت ارتفاعها أمس الثلاثاء، إذ ارتفع سعر خام غرب تكساس بنحو 47 سنتاً إلى 84.10 دولاراً لعقود نوفمبر/ تشرين الثاني، بينما ارتفع خام برنت إلى 89.56 دولاراً لعقود ديسمبر/ كانون الأول.