شغلت عملة الدينار الشارع الجزائري، وباتت تتصدر عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية ونشرات الأخبار، هذه المرة ليس لتراجعها أمام العملات الكبرى، بل لتقليصها للفجوة بينها وبين الدولار واليورو، ما فجّر جدلاً إعلامياً وسياسياً بين الإعلام الموالي للحكومة والمعارض لها.
يأتي ذلك، فيما يتحسس المواطن أثار هذا "الانتعاش" على جيوبه المنهكة بغلاء المعيشة وقدرته الشرائية المترنحة، ما يجعل "دعاية" الحكومة الجزائرية أمام اختبار حقيقة الواقع المعيش.
انتعاش أم إنقاذٌ؟
سجل الدينار الجزائري في الأيام الأخيرة، قفزة مفاجئة في التعاملات الرسمية البنكية وفي السوق السوداء للعملات، هي الأولى من نوعها منذ عقد كامل.
ووفق البيانات الرسمية لبنك الجزائر المركزي، فقد وصلت قيمة العملة المحلية يوم الثلاثاء 20 سبتمبر/أيلول الحالي، أمام الدولار الأميركي إلى 140.09 ديناراً، فيما بلغت قيمة اليورو 140.33 ديناراً. ووفق أرقام المركزي الجزائري، فقد بدأت بوادر تحسن العملة الجزائرية أمام اليورو والدولار منذ السادس من سبتمبر/أيلول الحالي، محققة مكاسب بـ 6 دنانير مقارنة بالأشهر الأولى من هذا العام، فيما حددت موازنة 2022 قيمة الدينار الجزائري أمام العملة الأميركية بـ149 ديناراً للدولار الواحد عند نهاية السنة.
وفي هذا السياق، يرجع الخبير المالي نبيل جمعة، هذا التحسن في مستوى صرف العملة الجزائرية، إلى تعافي أربعة مؤشرات رئيسية تعتبر أسس تقييم مستوى الدينار الجزائري. الأساس الأول، هو انتعاش تنافسية الاقتصاد المحلي.
والثاني، هو تحسّن عائدات أسعار الطاقة، التي كلما ارتفعت، زادت قيمة العملة الجزائرية، بينما يتعلق المؤشر الثالث بميزان المدفوعات. وأشار جمعة إلى سبب آخر، هو النمو من خلال الناتج الداخلي الخام وأداء الاقتصاد بصفة عامة، وقد شهدت كل هذه المؤشرات تحسناً هذا العام، ولذلك ارتفعت قيمة الدينار مقارنة بعملات أجنبية.
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أن "تحسّن العملة يعتبر حتى الآن طفيفاً مقارنة بالأسعار التي ارتفعت بثلاث إلى أربع مرات، في ظل اعتماد البلاد على الاستيراد على نطاق واسع لمختلف المنتجات، وبالتالي الحديث عن تحسّن قدرة المواطن الشرائية لا يزال سابقاً لأوانه".
دعاية مبالغ فيها
وكثيراً ما يتدخل البنك المركزي الجزائري لتعويم الدينار من خلال تبنّيه سياسة تعويم العملة عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الماضية، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "الحديث عن انتعاش تاريخي وقفزة غير مسبوقة للدينار، كما يُسوَّق له في الإعلام المحلي، دعاية مبالغ فيها بدرجة كبيرة، لأن كل ما في الأمر أن المركزي الجزائري تدخل لدعم سعر العملة، مستغلاً انتعاش عائدات النفط، لامتصاص شيء من التضخم. إذاً، القيمة حددت إدارياً، ولم تأتِ كنتيجة لانتعاش الاقتصاد الجزائري، لأن سعر العملة الجزائرية يحدد إدارياً، لأسباب اقتصادية أو سياسية".
وأضاف المتحدث نفسه أن "ما حدث إنقاذٌ ظرفي من المركزي الجزائري الذي أوقف انزلاق العملة المحلية، بدليل أن العملة أنهت سنة 2021 عند 139 ديناراً للدولار الواحد، في حين هي الآن عند 140 ديناراً، وقبل شهر كانت عند 145.9 ديناراً مقابل العملة الأميركية، فعن أي انتعاش نتحدث؟".
أزمة عميقة
كان الدينار الجزائري قد بدأ مسار التهاوي السريع سنة 2021، التي أنهاها بتسجيل رقم غير مسبوق، في شهر ديسمبر/كانون الأول، بـ139.2 ديناراً للدولار، و155 ديناراً لليورو، و185 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني، علماً أنه في بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوي 83 ديناراً للدولار الواحد.
وبهذه الوتيرة، يرتقب الخبراء أن يتخطى الدولار عتبة 160 ديناراً قبل نهاية السنة، رغم الخطاب الرسمي المطمئن بعودة العافية للعملة التي تعيش أسوأ أعوامها. وإلى ذلك، قال الخبير المالي ومدير الدراسات في البنك المركزي سابقاً، عمر تاج المختار، إن "الحكومة لم تُخفِ تعويمها للعملة سنة 2022، وهذا ما جاء في الموازنة، لكن اللافت أن الانزلاق كان كبيراً ومخيفاً مع مطلع السنة، وأنذر بتسجيل أرقامٍ لن تكون تاريخية بقدر ما ستكون مروعة وذات تأثير بقدرة الجزائريين الشرائية، وخصوصاً أن الحكومة نجحت في خفض فاتورة الواردات بفضل تعويم الدينار أمام الدولار".
وأضاف: "لذلك، إن ربح العملة المحلية 6 دنانير أمام الدولار لا يعني أن أزمة الدينار طُويت، ونبدأ نتغنى بانتعاش العملة في وقت يعصف فيه الركود بالاقتصاد، بالإضافة إلى أن الفجوة بين العملة المحلية وسلة العملات الكبرى لا تزال كبيرة". وتابع الخبير، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "سعر صرف الدينار يحدده البنك المركزي سنوياً، في ضوء مؤشرات اقتصادية، منها الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومداخيل المحروقات واحتياطات النقد الأجنبي وغيرها، لكن المهم اليوم غياب المخطط الحكومي الواضح لحماية القدرة الشرائية للجزائريين من تبعات التضخم الذي عصف بالأسعار".
جيوب الجزائريين المنهكة
يستبعد خبراء اقتصاد أن تلقي "الانتعاشة" حسب وصف الحكومة التي يعيشها الدينار بظلالها على جيوب الجزائريين، وأن تسند قدرتهم الشرائية، لأن الضرر كان كبيراً، بعد خسارة الدينار لأكثر من ثلث قيمته في ظرف 15 شهراً، ما يجعل تعويض هذه الخسارة يحتاج لمزيد من الدعم للعملة من طرف المركزي الجزائري.
ويعتبر المستشار الحكومي عبد الرحمن مبتول أنه "لا يوجد في الجزائر تداول حر للعملة بسبب عدم وجود دورة حقيقية لرأس المال، لكون الدولة ريعية، والعملة الأجنبية في السوق مصدرها الوحيد مبيعات النفط، فيما مصدر الدولة الأساس للدينار لتمويل الموازنة هو بيع الدولار".
يستبعد خبراء اقتصاد أن تلقي "الانتعاشة" حسب وصف الحكومة التي يعيشها الدينار بظلالها على جيوب الجزائريين، وأن تسند قدرتهم الشرائية،
وتابع المستشار الحكومي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "سعر صرف الدينار يحدده بنك الجزائر المركزي سنوياً، في ضوء مؤشرات اقتصادية، منها الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومداخيل المحروقات واحتياطات النقد الأجنبي، وأيضاً حسابات سياسية، لكن المهم اليوم غياب المخطط الحكومي الواضح لحماية القدرة الشرائية للجزائريين من تبعات التضخم الذي عصف بالأسعار".
وصُنفت الجزائر، ضمن خمس دول عربية، هي من بين الأسوأ عالمياً في جموح معدلات التضخم حالياً، وفقاً لما تدل عليه الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية، حسب قائمة تضم 20 بلداً، أعدّها الاقتصادي الأميركي المعروف ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة "جونز هوبكنز" ومدير مشروع "العملات المضطربة" في معهد "كاتو" بواشنطن.