لم يكفِ السودانيين اشتداد الفقر والبطالة وتوقف المنشآت الصناعية والخدمية عن العمل بسبب السياسات الاقتصادية التي انتهجتها السلطات خلال الفترة الماضية، حتى جاء الصراع العسكري ليخنق معيشتهم بعد تحول الأسواق إلى ثكنات عسكرية وتعطل الخدمات ونهب العديد من المتاجر.
وشهدت العاصمة الخرطوم وعدة مدن إغلاقاً شاملاً وتاماً لكلّ المنشآت الحيوية والاقتصادية المنتجة والتجارية وتعطّل الموانئ براً وبحراً وجواً، الأمر الذي يلقي بظلال سوداء على الأوضاع الاقتصادية المأزومة.
ومع التصعيد المتواصل للطرفين المتصارعين ودخول الطيران حلبة الحرب التزم معظم المواطنين منازلهم، وتوقف إمداد الغذاء والخضروات مع توقعات بحدوث ندرة في رغيف الخبز بسبب نقص الغاز وانقطاعات واسعة للكهرباء في عدد من المدن واستمرار إغلاق محطات الوقود.
كما تم إغلاق الكباري والطرق الرئيسة المؤدية إلى المدن، وكان القطاع المصرفي والاستثماري في مقدمة المتضررين.
واتسعت رقعة الاشتباكات بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مخلّفة ما لا يقل عن 56 قتيلاً، وإصابة المئات، حتى أمس الأحد، وفق ما قالت نقابة أطباء السودان. يأتي ذلك وسط إعلان عطلة رسمية، أمس الأحد، في الخرطوم، بعد تدهور الأوضاع الأمنية.
يقول مراقبون لـ"العربي الجديد" إنّه إذا استمر الوضع الأمني المتدهور فترة أخرى، فستتعطل دورة الحياة الاقتصادية مع بروز مجاعة تهدد الملايين في العديد من المناطق.
وأشاروا إلى استغاثات من طلاب الجامعات في المدن الجامعية الذين ظلوا دون إمداد منذ يومين بسبب اندلاع المعارك المسلحة، إضافة إلى تأثر نزلاء الفنادق بوسط الخرطوم لتوقف الأسواق والنشاط الاقتصادي. كما انقطعت الكهرباء وسط توقعات بتوقف الاتصالات.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أحمد خليل، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الوضع الاقتصادي، في ظل اندلاع الحرب وعدم توفر سيولة في أيدى المواطنين وتوقف الأعمال وقرب أيام الأعياد، سيلقي بظلال معيشية سالبة على المواطنين خاصة إذا استمرت الحرب مدة أكبر حيث سينفد مخزون الغذاء لدى الأسر والتجّار.
يأتي ذلك، وسط مخاوف من أعمال شغب ونهب وسلب للمواطنين والمتاجر في الأحياء في ظل الانفلات الأمني. وفي اتصال هاتفي مع بعض التجار بالسوق المركزي جنوب الخرطوم والذي يجاور مقرات ومعسكرات الدعم السريع.
قال التاجر عيسى بابكر لـ"العربي الجديد" إن السوق المركزي والذي تعتمد عليه أسواق الخرطوم أُغلق تماما، وتحولت كثير من المتاجر إلى ثكنات عسكرية كما توقفت إمدادات السلع.
وأضاف أن استمرار انقطاع التيار الكهربائي سيؤثر بدوره على المخزون من السلع التي تعرض بعضها للتلف تلقائيا.
وفي محور الأحياء السكنية وبسبب التحذير من الخروج من المنازل بدأ السكان يحتاطون بشراء كميات كبيرة من السلع من بقالات الأحياء.
وحسب مواطنين لـ"العربي الجديد" امتنع كثير من التجار عن بيع السلع وفضلوا إغلاق محلاتهم بسبب الانفلات الأمني.
ومع استمرار وتواصل انقطاعات الكهرباء بدأ مواطنون يشكون من انقطاعات متكررة في المياه وعدم توفر رغيف الخبز في المخابز وارتفاع بعض أسعار السلع في المتاجر.
في أسواق أم درمان قال التاجر الزين آدم لـ"العربي الجديد": "أغلق السوق بصورة شبه تامة بعد تزايد الانفلات الأمني ودخول عناصر من المليشيات التي نهبت العديد من المتاجر".
وفي استطلاع لـ"العربي الجديد" عن الإمدادات الغذائية قال عدد من الموردين للأسواق الرئيسية إن أغلب ما يدخل إلى الأسواق من الخضروات والفاكهة يأتي من جنوب وغرب أم درمان (5 كلم غرباً)، بالإضافة إلى مناطق أخرى.
وقالوا إنه بسبب الأحداث الأمنية وإغلاق الطرق والكباري تعرض التجار والمنتجون لخسائر باهظة.
وفي ولاية جنوب دارفور (غرب) يقول مواطنون لـ"العربي الجديد" إن الأسواق مغلقة منذ صباح أول من أمس بعد اشتداد حدة المعارك مجدداً.
ووصلت تأثيرات المعارك العسكرية إلى النقل الجوي، إذ أعلن عدد من الدول العربية فضلاً عن تركيا وقف حركة الطيران إلى مطار الخرطوم، على خلفية الاشتباكات الأخيرة التي يشهدها السودان.
وأكد بيان للخطوط الجوية السعودية تعليق جميع الرحلات من السودان وإليه حتى إشعار آخر، وقال المركز الإعلامي لشركة الخطوط الجوية السعودية إن طائرة إيرباص تابعة للشركة تعرضت لحادث في مطار الخرطوم الدولي قبل إقلاعها متجهة للرياض صباح السبت.
كذلك قررت شركة مصر للطيران (الناقل الرسمي المصري) وقف رحلاتها الجوية إلى مطار الخرطوم ومنه، بصورة مؤقتة، اعتباراً من أول من أمس، ولمدة 72 ساعة، إلى حين موافاة الشركة بمستجدات الأوضاع في السودان.