أسواق سورية بلا قيود... والمنتجات المحلية تصمد أمام غزو البضائع الأجنبية

23 ديسمبر 2024
سوق الحميدية في دمشق، 19 ديسمبر 2024 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحديات البضائع الأجنبية في الأسواق السورية: شهدت الأسواق السورية تدفقًا كبيرًا للبضائع الأجنبية بعد سقوط نظام الأسد، مما يهدد الصناعة المحلية ويزيد البطالة بسبب تسريح العمال.

- آراء الخبراء حول تأثير البضائع الأجنبية: يعتقد بعض الخبراء أن البضائع الأجنبية قد تحفز تحسين جودة المنتج المحلي، لكنهم يشددون على ضرورة تعديل السياسات الاقتصادية لدعم المنافسة الحرة.

- الحلول المقترحة لتعزيز الصناعة المحلية: يقترح الخبراء توفير المواد الأولية بدون رسوم جمركية، استغلال اليد العاملة الرخيصة، وزيادة الرواتب لتحسين القدرة الشرائية.

 

في سابقة لم يألفها السوريون، تمدّدت البضائع الأجنبية، ومنها التركية، في الأسواق السورية، حتى وصلت إلى حد الإغراق، بعدما كانت مقتصرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد، إضافة إلى المناطق الحدودية مع لبنان. وهذا ما أثار مخاوف الكثير من المتابعين للشأن الاقتصادي بعد مرحلة سقوط نظام الأسد يوم 8 ديسمبر الماضي، على اعتبار أن وجود بضائع أجنبية بكثرة في أسواق محلية يتهالك فيها القطاع الصناعي أساساً يعني إضعاف قدرة المنتج الوطني على المنافسة، وخروج الكثير من الصناعيين والتجار من الأسواق، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، لا سيما أن أصحاب المعامل " المصانع" سيقيلون جزءاً كبيراً من عمالهم، ناهيك عن الكثير من المشكلات الاقتصادية التي ستضاف إلى ما هو موجود سابقاً.

كيف تسربت البضائع الأجنبية؟

بدايةً كان لـ"العربي الجديد" لقاءات مع بعض من أهل التجارة لمعرفة تأثير وجود تلك البضائع على الأسواق، حيث لم يرَ عضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب، سمير كوسان، أي مشكلة في ذلك خلال الفترة الحالية. بل على العكس تماماً فإن وجود هذه البضائع والماركات الغربية في الأسواق سيحفّز المنتِج المحلي على تعزيز وجوده في الأسواق، مبيناً أن تلك البضائع تسرّبت إلى الأسواق من محافظة إدلب التي يوجد فيها الكثير من البضائع ومن كافة الأصناف والأنواع، نتيجة عدم وجود قيود على الاستيراد، كما كان الحال في المحافظات الأخرى.

وتمنّى كوسان أن تتوحد منافذ التوريد خلال الفترة القادمة، وأن تكون هناك ضوابط صحيحة لعملية الاستيراد من قبل الحكومة الجديدة التي يُطلب منها أن تكون ذات فكر اقتصادي جديد يسمح بحرّية التجارة، وإدخال كافة أنواع السلع التي تحتاجها الأسواق. لافتاً إلى أنه يجب مع بداية السنة الجديدة أن تصدر قوانين تسمح للصناعي والتاجر والحرفي بأن يمارس عمله بدون قيود أو ضوابط ظالمة، وأن يُفسَح المجال لزيادة عدد التجار والصناعيين لخلقِ منافسةٍ شريفة، خاصة أن فريق النظام المخلوع فرض في السابق آليات محددة للعمل ومن اختياره، وسمح لأشخاص محددين بالتجارة والاستيراد، وهذا ما قيّد رؤوس الأموال ومنع التجار من المنافسة.

أسواق سورية حرة

حول المخاوف على الصناعة المحلية، ردّ كوسان بأن تلك الصناعة كانت تستنزف جيوب المواطنين نتيجة ارتفاع أسعارها المبالغ فيه، والواقع اليوم برأيه يتطلب الصراحة مع النفس، حيث إن السوق السورية كانت بحاجة إلى دخول سلع جديدة، فمن حق المستهلك بقانون الأسواق أن يتعرّف على كافة المنتجات وأن يختار ما هو الأنسب له.

وطالب كوسان الصناعيين والتجار بأن يخفّضوا هوامش أرباحهم خلال الفترة الحالية، ولو بنسبة 20% من بضائعهم الموجودة لديهم، وألا يتذرّعوا بالتكاليف السابقة، وذلك لضمان استمرارهم في الأسواق، فخسارة بسيطة ومؤقتة خير من خسارة دائمة، على حد تعبيره. متفقاً مع نائب رئيس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، الذي طالب التاجر بألا يعتبر أن الكلفة السابقة هي أساس عملية التسعير، لأن ذلك سيؤدي إلى إخراجه من السوق بشكل كامل، بل يجب اعتبار الكلفة الجديدة هي الكلفة الحقيقية، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة لفترة قصيرة من الزمن مقابل الحفاظ على مكانة المنتَج السوري في الأسواق.
ولم يستطع كوسان إخفاء تذمّره من الوضع السابق الذي أوصل التجارة السورية إلى ما وصلت إليه، فـ30% من قيمة البضائع كان يخسرها التجار كإتاوات للحواجز والفرقة الرابعة، وغير ذلك من الجهات التي كانت تطالبهم بحصصها بشكل دائم.

تنافسية مع المنتج المحلي

بالعودة إلى نائب رئيس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، اعتبر في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن إغراق الأسواق السورية بالبضائع والماركات الأجنبية هو حالة صحية وغير صحية في آن واحد، فمن جهة تخلق تنافسية مع المنتَج المحلي الذي سيسعى لتطوير نفسه، وغير صحية كونها دخلت في فترة متسارعة جداً، حيث لم يكن المنتِج المحلي قادراً على تأمين وسائل ومواد الإنتاج وسواها التي من شأنها تعزيز تنافسيته، فلا يمكن إنكار صعوبة تأمين المواد الأولية بأسعار مستقرة ونوعية ممتازة، إضافة إلى صعوبة تأمين المحروقات بأسعار مدعومة، لتدخل اليوم المنتجات الأجنبية ذات الظروف الصناعية المستقرة التي ستساعدها على الحصول على حصة سوقية كبيرة.

في هذا السياق، أكد الحلاق ضرورة الوقوف على عدة أمور للوصول إلى قوانين سوق صحيحة، إذ يجب معرفة معنى اقتصاد السوق الحر الذي يتطلب تعديل المنظومة الفكرية والعملية لدى الفريق الاقتصادي، وذلك بدلاً من اقتصاد سوق احتكار القلة الذي كان متبعاً في السابق، فالكل اليوم قادر على المنافسة، والبقاء سيكون للأقوى القادر على الاستجابة للأوضاع الحالية بالسرعة القصوى.

الحل في توفير المواد الأولية

من جهته، أشار عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر شولح، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن معظم البضائع التي دخلت إلى الأسواق السورية كانت موجودة بالأصل في المنطقة الحرة بإدلب، معتقداً أن وجودها سيكون مؤقتاً ريثما تنفد من الأسواق. وأكد أن لتلك البضائع تأثيراً سلبياً كبيراً على شركات تصنيع البسكوت والشوكولا والعلكة وغير ذلك، على اعتبار أنه يوجد منتجات تركية مشابهة أقل سعراً، بينما لا تؤثر على صناعات أخرى.
واعتبر شولح أن الحل يتمثل في توفير المواد الأولية أمام الصناعيين السوريين ومدخلات الإنتاج من دون فرض رسوم جمركية، وذلك ليكون المنتج السوري منافساً لأي بضاعة غريبة تدخل الأسواق، خاصة أن اليد العاملة السورية أرخص مما هو موجود في بقية الدول، وهذا الأمر يعتبر عامل قوة يجب استغلاله خلال الفترات القادمة.

بضائع لها زبائنها

من وجهة نظر اقتصادية، أكدت الخبيرة الاقتصادية الأكاديمية، نسرين زريق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأسواق امتلأت بالفعل بالمنتجات الأجنبية إلى جانب المنتج الوطني الذي ما زال سعره أقل من الأجنبي، وقد ينافسه في الجودة في بعض الأحيان، وذلك باستثناء الألبسة السورية التي تمر صناعتها بضغوط كبيرة لتخفيض أسعارها مقارنة بالنسيج التركي.
واعتبرت أن الاقتصاد الحر يُبنى على المنافسة ويترك الخيار للمواطن ليختار ما يناسب تطلعه وقدرته المالية إن توفرت. ورأت زريق أن الظروف الحالية الخانقة للسيولة لن تدفع الكثيرين ليذهبوا باتجاه المنتج الأجنبي كونه أكثر سعراً، حيث لم تصل القدرة الشرائية للناس إلى مستويات مقبولة حتى يتاح لهم الاختيار، وبذلك يكون للمنتج الأجنبي زبائنه إن لم يؤثر وجوده على مخزون القطع الأجنبي، كما للمنتج الوطني زبائنه أيضاً، مع الإشارة إلى عجز الكثير من الناس عن شرائه في الظروف الاستثنائية الحالية.
واعتبرت زريق أنه في حال لم تتسارع عجلة الإنتاج وعجلة الرواتب وعجلة السيولة، فلن يتغير شيء على الأسواق سوى غلاء الأسعار وحرية التسعير من مكان إلى آخر من دون ضوابط، وحتى لو ارتفعت القدرة الشرائية للناس مستقبلاً، سواء بالليرة السورية أو بدونها، فقد يسبب ذلك ضغطا على المنتج الوطني.

المساهمون