استمع إلى الملخص
- هناك فجوة كبيرة بين الاحتياجات والموارد المتاحة، حيث تفتقر الدولة إلى التمويل الكافي وتواجه تعقيدات سياسية واقتصادية، مما يزيد من مخاوف المواطنين ويدفع المجتمع الدولي للتردد في تقديم الدعم.
- تتطلب إعادة الإعمار جهودًا منسقة دولية ومحلية، مع تقدير تكلفة العملية بنحو 8 مليارات دولار، وتظل التحديات كبيرة في تنفيذ الإصلاحات وضمان استدامة الإعمار.
يعاني لبنان من دمار واسع النطاق نتيجة العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير آلاف المنازل وتشريد مئات الآلاف من المواطنين. وفي ظل هذه الكارثة الإنسانية، تزداد الضغوط على الدولة اللبنانية لإطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار، رغم العقبات الاقتصادية والسياسية التي تعرقل التقدم.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وغياب الرؤية الشاملة للدولة، يبقى الأمل معقوداً على التضامن المحلي والدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واستعادة الحياة الطبيعية للمواطنين الذين أنهكتهم الحرب وأعباؤها. إلا أن هذا الأمل يصطدم بعدة معوقات، أبرزها غياب التمويل الكافي لمشاريع إعادة الإعمار، وتأخر الجهات الرسمية في وضع خطط عملية للتعامل مع الأضرار.
بين مأساة الأسر التي فقدت منازلها، ومحدودية المساعدات المقدمة من الداخل والخارج، تتضح فجوة كبيرة بين الاحتياجات الفعلية والموارد المتاحة. وفي حين تحاول بعض الجهات الدولية والمحلية تقديم يد العون، فإن تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي تُلقي بظلالها على إمكانية تحقيق إعادة إعمار حقيقية.
إضافة إلى ذلك، يترافق هذا الواقع مع تراجع ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية، نتيجة لتجارب سابقة شابها الفساد وسوء الإدارة، ما يزيد من مخاوفهم بشأن جدوى التعويضات وإعادة الإعمار. أما على الصعيد الدولي، لا يزال المجتمع الدولي متردداً في تقديم الدعم بسبب الأوضاع السياسية المتوترة، خاصة مع ربط بعض الدول تقديم المساعدات بشروط تتعلق بتسوية قضايا داخلية مثل سلاح المقاومة والإصلاحات الهيكلية.
وفي إحدى القرى الجنوبية، اضطرت عائلة مكوّنة من خمسة أفراد للعيش في مركز الإيواء في بيروت، بعدما دُمر منزلهم بالكامل خلال الغارات على كفر كلا الحدودية. الأب علي قال، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يمكننا العودة للمنزل لأنه أصبح ركاماً، نحاول التأقلم هنا في انتظار أي مساعدة لإعادة البناء.. العائلة تعتمد على مساعدات غذائية ومائية شحيحة، خاصة مع عودة قسم من النازحين إلى مناطقهم".
بينما قال مازن، وهو مواطن من الضاحية الجنوبية، إن منزله تعرّض لدمار جزئي حيث فقد أثاثه، وتهدم الزجاج والأبواب، في حين تعرض السقف للتلف الكامل، مما جعل المنزل غير صالح للسكن. وأضاف أنه تمت معاينة منزله تمهيداً لتقديم التعويضات اللازمة، لكنه ما يزال يعيش مع عائلته وأطفاله في منزل أحد أقاربه، بسبب خطورة الوضع في منزله الذي لا يمكن العيش فيه حالياً.
وفي السياق، قال الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن اتفاق وقف إطلاق النار بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، ولم تمضِ سوى فترة قصيرة على انتهاء العمليات العسكرية، وحتى اللحظة لا توجد خطط جاهزة لمشروع إعادة الإعمار، والدولة اللبنانية عاجزة عن تمويل العملية بسبب افتقارها للموارد المالية اللازمة.
وأوضح شمس الدين، أن مجلس الجنوب يُعتبر الجهة الأساسية المسؤولة عن إحصاء الأضرار وتوثيقها، لكنه أشار إلى صعوبة تأمين التمويل اللازم. في الوقت ذاته، بدأ حزب الله بإحصاء المنازل المدمّرة، سواء كلياً أو جزئياً، ووضع خطة للتعويضات. على سبيل المثال، يتم دفع 6000 دولار بدل إيجار و8000 دولار بدل مفروشات لأصحاب المنازل التي تعرّضت لأضرار جزئية إذا لم يكن لديهم مسكن بديل. ومع ذلك، لم يتم بعد تحديد آلية واضحة للتعويض عن المنازل المدمّرة بالكامل.
وأضاف أن حجم الدمار كبير للغاية، حيث تضررت 48 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، و36 ألف وحدة تضررت جزئياً، و150 ألف وحدة تعرّضت لأضرار طفيفة. وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على قطاع استيراد مواد البناء، مثل الحديد، مع منع استيراد التراب، مما يستدعي تشغيل المعامل المحلية، وأكد أن اليد العاملة اللبنانية غير متوفرة بشكل كافٍ، وبالتالي سيتم الاعتماد على العمال السوريين ضمن آليات وضوابط واضحة.
وتحدث شمس الدين عن غياب الحماس الدولي تجاه إعادة الإعمار، باستثناء بعض الدول، مشيراً إلى أن هذا الوضع يختلف عن حرب يوليو/تموز 2006، التي شهدت دعماً كبيراً من السعودية وسورية آنذاك. كما أعرب عن القلق من إمكانية ربط إعادة الإعمار بموضوع سلاح حزب الله، حيث قد تمتنع الدول عن المساهمة خوفاً من تكرار الحرب.
وأكد الباحث عدم وجود آليات شفافة ومحددة لضمان نجاح عملية إعادة الإعمار، لافتاً إلى تجارب سابقة شابها هدر كبير، مثل مشروع عودة المهجّرين. وقدّر شمس الدين تكلفة إعادة الإعمار بنحو 8 مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم يصعب على الحكومة اللبنانية تدبيره من دون دعم دولي وآليات رقابة شفافة.
وأشار شمس الدين إلى أهمية وجود رعاية دولية لإعادة الإعمار وفق اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ما سيشجع المجتمع الدولي على تقديم المساعدة. ولكن من دون وجود خطط تنفيذية واضحة وممولة، ستظل الأفكار مجرد حبر على ورق. وشدد على ضرورة توفير مصداقية وثقة دولية لضمان استدامة الإعمار وتشجيع المواطنين على إعادة بناء منازلهم.
وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، تعيش ليلى مع أطفالها الثلاثة في شقة مؤقتة استأجرتها. وأفادت بأن أطفالها يسألونها كل يوم عن العودة إلى المنزل، ولا تملك إجابة حيث كان قد تضرر بشكل جزئي، لكنها لا تملك المال لإصلاحه، خاصة مع ارتفاع تكلفة مواد البناء، ولكنها بانتظار التعويضات التي سيقدمونها.
وفي سياق متصل، صرّح رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية-الخليجية، إيلي رزق، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن الحصول على المساعدات الخارجية من الدول المانحة يتطلب شفافية من قبل الدولة اللبنانية. وأوضح أن إعادة الإعمار ستتم على مرحلتين: الأولى تشمل إزالة الركام والأنقاض، حيث تعمل وزارة الأشغال على إعداد دفتر شروط يحدد الآليات والمواصفات للشركات المتخصصة لتقديم عروضها والمشاركة في مناقصة عادلة.
أما بالنسبة للأبنية المتضررة وأضرار البناء، فقد أُعلن عن مساعدات بقيمة 5.4 مليارات دولار، بما في ذلك المساعدات المقدمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن آلية تسلّم هذه المساعدات لم تتضح بعد بسبب العقوبات المفروضة. وفيما يتعلق بالأموال التي يدفعها حزب الله لأنصاره كتعويضات، أشار رزق إلى أنها تعتبر نقطة في بحر الدمار، إذ إن تقارير البنك الدولي قدرت أن أكثر من 140 ألف وحدة سكنية تضررت بالكامل، فضلا عن الخسائر في المفروشات والأثاث، حيث يشمل البناء الممتلكات وليس الحجر فقط.
وشدد على أن الدولة اللبنانية ستكون مسؤولة عن إدارة الأموال المخصصة لإعادة الإعمار بكل شفافية وحرفية، بدءاً من إزالة الركام الذي يُقدر حجمه بمئات الآلاف من الأطنان، بما في ذلك حوالي 80 ألف طن من الأنقاض.
وأشار رزق إلى أن هناك العديد من الشركات تسعى لتقديم عروضها، إلا أن رئيس الحكومة حريص على ضمان توجيه المساعدات بشفافية تامة. وأكد أن هناك خطوات مدروسة وبنّاءة يتم العمل عليها، مشددا على وجود مشكلة اجتماعية كبرى بسبب عدم قدرة المتضررين على العودة إلى منازلهم، مما يستدعي الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة بناء الدولة وتشكيل حكومة تتولى معالجة هذا الملف. وأضاف رزق أن قطر عرضت تقديم مساعدات، إلا أن هذه المساعدات لن تُقدم قبل الانتخابات الرئاسية، إذ ترغب قطر في التأكد من وجود نضج سياسي في إدارة البلاد.
أما في بلدة النبطية، فقد عاد محمد، وهو مزارع في الستينيات من عمره، ليجد منزله ومدخراته قد اختفيا. ومع ذلك، أصر على العودة إلى أرضه وإقامة مأوى بسيط باستخدام ما تبقى من الأنقاض. حيث قال لـ"العربي الجديد" إن "الأرض هي كل ما نملك، وسنبدأ من جديد مهما كان الثمن"، لكنه يعاني من انعدام أي موارد لإعادة بناء المنزل بشكل كامل، وبانتظار التعويضات وبدل الإيجار.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، لـ"العربي الجديد"، إن حزب الله لا يستطيع أن يحل محل الدولة اللبنانية، ولا يملك الإمكانات المادية واللوجستية لإعادة الإعمار. وأوضح أن عملية إعادة الإعمار لا تقتصر على المباني فقط، بل تشمل الطرقات، البنية التحتية، شبكات المياه، الاتصالات، والكهرباء. وأضاف أن الدولة اللبنانية، بما لديها من موارد محدودة، لا تستطيع تغطية هذه الخسائر، وأي دعم أو تعويضات أو مساعدات من الخارج ستكون بالطبع مشروطة، نظرًا لأن لبنان أمامه مسؤوليات كبيرة، بما في ذلك تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الإدارية والدستورية للحصول على هذه المساعدات.
وأشار أبو سليمان إلى أن هناك ضغوطًا باتجاه إعادة تكوين المؤسسات الدستورية كشرط أساسي من الشروط المطلوبة، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ الإصلاحات الإدارية والمالية ومعالجة التهرب الضريبي ومكافحة الفساد، موضحا أن التقاعس في تنفيذ هذه الإصلاحات أدى إلى تعقيد الوضع.