ألمانيا: الضرائب والهموم الاجتماعية تسيطر على برامج الانتخابات

26 ديسمبر 2024
أحد أسواق ميونخ، بافاريا، ألمانيا، في 23 ديسمبر 2024 (مايكل نغوين/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تركز البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية على معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، حيث يسعى الاتحاد المسيحي إلى خفض الديون والضرائب، بينما يركز الاشتراكي الديمقراطي على فرض ضرائب أعلى على الأثرياء ودعم البنية التحتية للطاقة.

- تتباين مواقف الأحزاب حول قضايا مثل الاتحاد الأوروبي والسياسات البيئية، حيث يدعو حزب البديل لمغادرة الاتحاد الأوروبي، بينما يركز حزب اليسار على خفض الإيجارات، ويسعى الاتحاد المسيحي لتعزيز التعاون الأمني الأوروبي.

- تواجه الأحزاب تحديات في تمويل وعودها الانتخابية، حيث قد تؤدي خطط خفض الضرائب إلى تقليص الإيرادات، مما يعكس انعدام الثقة بين المواطنين والسياسيين.

تهيمن سياسة الضرائب والهموم المعيشية والاجتماعية بما يعتريها من غلاء فاحش وتكاليف باهظة للاستمرار في الحياة على عناوين برامج المرشحين في الانتخابات العامة. فقد قدمت الأحزاب الألمانية برامجها للانتخابات البرلمانية العامة المبكرة المقررة يوم 23 فبراير/شباط 2025، والتي حملت الكثير من الوعود والمقترحات لإيجاد الحلول للأزمات على جميع المستويات، وأهمها الضرائب والقضايا الاجتماعية والإسكان والهجرة، وسط تشكيك الكثيرين بخطط الأحزاب التقليدية مع فقدان الثقة بالسياسيين وسط تتراكم الأزمات زيادة التضخم وما كرسته أيضا الحروب من أعباء وتكاليف مالية على الخزينة، وانعكست تبعاتها على كاهل المواطن الدافع للضرائب.

فماذا تحمل البرامج الانتخابية الألمانية من أفكار لمعالجة الأزمة المعيشية؟

يعتزم الاتحاد المسيحي، الذي يضم المسيحي الديمقراطي المعارض والشريك الأصغر الاجتماعي المسيحي في بافاريا، والذي ينال وفق آخر استطلاعات الرأي على 31% من أصوات الناخبين، كبح الديون وخفض معدل ضريبة الدخل، وينبغي أن ينطبق أعلى معدل عند نسبة 42% على المداخيل الأعلى، إلى طرحه أفكاراً بمنح مكافآت على العمل الإضافي المعفي من الضرائب والمزيد من حوافز العمل للحصول على المزايا الاجتماعية، فضلاً عن إلغاء ضريبة التضامن التي يدفعها المواطن منذ عام 1991 للمساهمة في تطوير الولايات الشرقية.

وعلاوة على ذلك، ووفق برنامج الاتحاد، فإنه يجب تقليل البيروقراطية واعتماد قواعد أكثر مرونة لجعل دورة الاقتصاد والأعمال أسرع، وباعتباره درعاً واقياً للاقتصاد، يرفض المسيحي الديمقراطي الدعم الذي يشوه المنافسة العالمية.

من جهته، يتمسك الاشتراكي الديمقراطي (16%) بضريبة دخل مرتفعة على الأشخاص الأكثر ثراء، مع طروحات بتقديم استثناءات للاستثمارات. وفي ما يتعلق بالخدمات العامة، يؤيد الحزب العريق ما يسمى بالصندوق الألماني الذي يدعم شبكات الكهرباء والتدفئة ومحطات شحن السيارات الكهربائية. أما الليبرالي الحر، فيدعم كبح الديون، مع تصور يقضي بعدم إخضاع رقم محدد من الدخل للضريبة ومقترحا ما قيمته 1000 يورو على الأقل، إلى اصلاحات عميقة وهيكلية من أجل تحول اقتصادي حقيقي، يشمل خفضاً للضرائب على الشركات إلى ما دون 25%.

هذا في حين يريد حزب الخضر (12.5%) أن يكون المبلغ جزءاً من ضريبة الدخل، وفي الوقت عينه، ينسجم مع حزبي الاشتراكي واليسار بتقديم حد أدنى للأجور عند 15 يورو لكل ساعة، كما يشدد الخضر على دعم شبكة السكك الحديدية ومراكز الرعاية النهارية وحوافز الابتكار.

كما يريد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي (19%)، وعلى عكس جميع الأحزاب الأخرى، أن تغادر ألمانيا الاتحاد الأوروبي وعملة اليورو واتفاقية باريس للمناخ، فضلاً عن زيادة الإعفاءات الضريبية على الدخل، كما وضريبة ثاني أوكسيد الكربون وضريبة الأملاك والعودة إلى استيراد الغاز من روسيا.

أما حزب اليسار، فيريد العمل على خفض الإيجارات التي تستنزف حوالي ثلث الدخل تقريباً وتكاليف المعيشة لتكون صفرية على الأغذية الأساسية، وجعل الحد الأدنى للإعانة الاجتماعية بحدود 1400 يورو للأشخاص غير المتزوجين، إلى خفض سن التقاعد من 67 إلى 65 عاماً، ويطالب اليسار أيضاً باستثمار 20 مليار يورو في الإسكان الاجتماعي.

وبالنسبة لتحالف سارة فاغنكنشت (8%)، فهو يصوّب في برنامجه على إنهاء مساعدات الأسلحة لأوكرانيا، فيما يريد الاشتراكي مواصلة تسليمها بحكمة وتناسب طالما كان ذلك ضرورياً، ما عدا صواريخ تاوروس. ويريد الإتحاد المسيحي من ألمانيا وفرنسا وبولندا وإنكلترا أن تعمل بشكل مشترك على تطوير ضمانات أمنية لأوكرانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

ومع وجود بعض التقاطعات على عدد من القضايا التي تهم المواطن، قام المعهد الاقتصادي الالماني في كولن "آي دبليو" والمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية "دي آي دبليو" بدراسة التمويل وحساب من يستفيد ومن أي حزب أو طرف. وأبرز المعهدان أن الليبرالي الحر يعد الناخبين بقدر أكبر من الأمان مقارنة بأحزاب الخضر والاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، وخلص إلى أن الليبرالي يخطط لخفض الضريبة على الدخل والشركات والمبيعات وغيرها بما يصل إلى 138 مليار يورو، فيما يتبعه الاتحاد المسيحي بطروحاته لتخفيض الضرائب، حيث يقدر المبلغ بحدود 89 مليار يورو، فيما لدى الخضر بحدود 48 مليار يورو، فيما تقدر عند الاشتراكي بما قيمته 30 مليار يورو سنوياً.

ووفق وجهة نظر الخبير الاقتصادي في "دي آي دبليو" شتيفان باخ حول كيفية توزيع الأموال الموعودة عبر مجموعات الدخل، فإن أصحاب الدخل الأعلى والأثرياء سيحققون نتائج جيدة بشكل خاص مع خطط الإتحاد المسيحي والليبرالي الحر. ومن بين أمور أخرى، فإن إلغاء ضريبة التضامن والتغييرات في ضريبة الشركات سيكون لها تأثير خاص على فئة الدخل الأعلى أيضا. ومع ذلك، فإن تخفيف الضرائب على الشركات يمكن أن يكون حافزاً مفيداً للنمو.

وأمام ما تقدم، تبرز مسألة التمويل أو كيف ستعوض هذه الأرقام على الخزينة العامة، لا سيما أن الإعفاءات الضريبية تعني خسارة لإيرادات الدولة، فالاشتراكي يريد تعويض ذلك من خلال الزيادات على أصحاب المداخيل والثروات المرتفعة، أما الاتحاد المسيحي والليبرالي الحر، ووفق ما أفاد به معهد "آي دبليو"، هناك علامات استفهام كبيرة حول طرق التمويل البديلة. وأكثر من ذلك، يشتبه المعهد بألا يكونا قادرين على المضي قدماً في هذا الأمر من دون المزيد من اللغط، وأن المشكلة الأساسية تتلخص في أن خطط الاتحاد والليبرالي الحر لن تؤدي إلا إلى خفض إيرادات الحكومة الفيدرالية بمقدار النصف، أما النصف الآخر، فيجب أن تتحمله الولايات والبلديات.

ومع التزام الحزب الاشتراكي الديمقراطي بدعم الأجور الجيدة والضمان الاجتماعي، وترويج زعيم الاتحاد مسيحي فريدريش ميرز لتخفيضات ضريبية جذرية، واهتمام الخضر بحماية المناخ، رأت الخبيرة في السياسة الضريبية والمالية كارولا كوين، مع العربي الجديد"، أن الهوة كبيرة بين الأحزاب والمواطنين، وهناك حال من انعدام الثقة والأمل بالوعود والخطابات التي يطلقها مسؤولوهم، والجميع في حال من التململ من سياسيات غير مجدية لم تفض على مر السنين الماضية إلى أي تحسينات عملية.

لا بل إن قدرات الشركات انحسرت أكثر مع المزيد من حالات الإفلاس أو الانتقال إلى الخارج وبالأخص إلى بولندا، والموظف اليوم أمام هاجس تراجع مقدار معاشه التقاعدي في المستقبل، إضافة إلى أن التضخم الذي عاشته البلاد ووصل في العام 2022 إلى حدود 10.7% لا تزال تبعاته ترهق جيوب المواطن رغم التراجعات المتتالية على الفوائد وتقلص التضخم بشكل كبير، وأهمها قطاعات التأمين والمواد الغذائية وغيرها.

المساهمون