غادر الأثرياء المدن الرئيسية بعشرات الآلاف كما انتشرت قوات الأمن الوطني في شوارع الولايات الأميركية تحسباً لاندلاع موجة عنف واحتجاجات بعد إعلان نتيجة أخطر انتخابات تشهدها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث، ولكن تعاملات أسواق المال الأميركية أظهرت ارتفاعاً بنسبة 2.06%، إذ كسب المؤشر الرئيسي لسوق "وول ستريت" أكثر من 68 نقطة.
وعادة ما يرجح ارتفاع سوق "وول ستريت" في يوم الانتخابات فوز الرئيس بدورة رئاسية جديدة. وجرت تعاملات هادئة في أسواق المال والصرف والمعادن الثمينة ترقباً لنتائج الانتخابات الأميركية. وابتعد المستثمرون عن المخاطر واحتفظوا بالسيولة، بينما نفذ البعض صفقات على الذهب الذي واصل مكاسبه كملاذ آمن وارتفع بنحو 7 دولارات للأوقية "الأونصة" بينما كسبت أسعار النفط نحو دولاراً واحداً في التعاملات التي رصدتها بيانات بلومبيرغ حتى منتصف نهار الثلاثاء.
ويذكر أن صغار المستثمرين ساهموا في رفع مؤشر "ستاندرد آند بوورز" بنسبة 1.2% يوم الاثنين، عبر مشتريات ما يطلق عليه اختصاراً " باى ذا ديب"، أي شراء الأسهم المنخفضة جداً دون النظر إلى حسابات الأداء على أمل تحقيق أرباح من ارتفاعها.
وربما ستكون نتيجة الانتخابات التي جرت أمس من أخطر الانتخابات التي شهدتها أميركا في تاريخها الحديث، إذ إنها ستحدد مسار الولايات المتحدة والعالم لسنوات عديدة مقبلة. فهي ليست انتخابات بين مرشحين، هما الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يمثل الحزب الجمهوري ونائب الرئيس السابق، جو بايدن من الحزب الديمقراطي، ولكنها بين رأسمالية اليمين المتطرف وبين الرأسمالية المعتدلة وبين "أميركا المواطنة" وبين "أميركا العنصرية والطبقية".
وعادة ما تعلن نتائج الانتخابات في منتصف ليلة الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، ولكن هنالك توقعات واسعة أن نتيجة هذه الانتخابات ربما ستتأخر بسبب التصويت بالبريد وسماح بعض الولايات بفرز الأصوات التي تصل متأخرة مثل ولاية جورجيا.
وبثت قنوات التلفزة الأميركية صوراً لقوات الأمن الوطني التي نشرت مبكراً في المدن الرئيسية بالولايات الأميركية تحسباً لحدوث اضطرابات وفوضى وشغب مدمر بعد إعلان نتائج الانتخابات.
كما اتخذت المحلات التجارية في المدن الكبرى كذلك احتياطاتها بتغطية نوافذها الزجاجية بالخشب المقوى لتفادي الخسائر التي تكبدتها خلال المظاهرات العنيفة التي شهدتها البلاد في أعقاب اغتيال المواطن الأسود جورج فلويد تحت ركبة جندي أبيض. وذلك وفقاً لصور بثتها قناة "أن بي سي" الأميركية.
في شأن مخاوف الأثرياء من اندلاع العنف بعد إعلان النتيجة، ذكرت إحصائيات أميركية، أن الأثرياء غادروا المدن الكبرى بالآلاف خلال الأسابيع الأخيرة خوفاً من العنف المتوقع في البلاد.
وحسب الإحصائيات التي نشرتها شركة " تيفولي" الأميركية التي تعنى بالطيران الخاص، فإن المطارات الأميركية ازدحمت بالطائرات الخاصة خلال الأسابيع الأخيرة بسبب هروب الأثرياء وعائلاتهم من المدن الأميركية إلى المنتجعات واليخوت الراسية على شواطئ البحر المتوسط وأوروبا وجزر الكاريبي.
ويرى محللون أن أميركا باتت شديدة الانقسام والتطرف في التعبير عن الرأي خلال السنوات الأربع من حكم الرئيس دونالد ترامب. وحسب إحصائيات شركة "تيوفولي"، فإن رحلات الطائرات الخاصة من المطارات القريبة من نيويورك ارتفعت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بنسبة 172%، كما ارتفعت الرحلات بنسبة 135% من مطار آسبن بولاية كولارادو وبنسبة 95% من مطار فايل بمقاطعة إيغل كاونتي في كولورادو.
وفي المقابل فإن حركة الطائرات الخاصة إلى المدن الرئيسية في الولايات الأميركية شهدت تراجعاً كبيراً. وهو ما يعكس الرعب من تداعيات هذه الانتخابات.
على الصعيد الخارجي تبدو أوروبا الأكثر تخوفاً من هذه الانتخابات، إذ إنها تتخوف من معايشة أربع سنوات أخرى مع الرئيس ترامب، خاصة ألمانيا التي تعرضت لأكبر هجوم من قبل الرئيس ترامب وإدارته.
وفي مقابلة لوزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، مع تاغشبيغل أم سونتاغ، قال ماس، إن الاتحاد الأوروبي مستعد لاقتراح حل لجميع المسائل الخلافية مع الزعيم الأميركي المنتخب. وذلك في إشارة إلى أن بلاده تفضل فوز المرشح الديمقراطي بايدن، كما عبر مسؤولون أوروبيون عن مخاوفهم من فوز ترامب على وحدة الكتلة الأوروبية وأمن الطاقة الأوروبي وخطط ترامب لاستبدال الغاز الروسي بالغاز الصخري الأميركي وفرض مزيد من الرسوم على السيارات الأوروبية.
ويرى خبراء في الاستراتيجيات الأوروبية أن فوز ترامب سيعرقل الخطط الهادئة لتحالف الديمقراطيات العالمية والعالم الحر ضد الصين، كما يهدد بإشعال نزاعات تجارية مع أوروبا وبقية الحلفاء في آسيا.
وكانت المستشارة ميركل قد أعربت في تعليقات سابقة أن أوروبا ترغب في زيادة التعاون مع الدول الديمقراطية في آسيا. وتعمل أوروبا التي يهددها التمدد التجاري الصيني على عزل الصين دولياً عبر إنشاء تحالف أميركي ياباني أوروبي يضعف النفوذ الصيني في آسيا وبقية دول العالم. وأن مثل هذا التحالف يحتاج إلى سياسات أميركية عقلانية تجمع الحلفاء وهذا ما لم يتوفر لدى الرئيس ترامب خلال السنوات الماضية.