تقف منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" في مفترق الطرق وسط خيارات صعبة بين دعم العقوبات النفطية الرامية لمحاصرة روسيا اقتصادياً ونفطياً وبين مواصلة التحالف مع موسكو في منظومة "أوبك +"ورفض التعاون مع واشنطن وحلفائها. وتطالب القوى الغربية المنظمة النفطية بزيادة الإنتاج لتعويض حظر الخامات الروسية الذي سيدخل حيز التنفيذ في أوروبا خلال شهور، وبالتالي دعم التحالف الغربي في حرب مصيرية تمثل بالنسبة له تحولاً نوعياً في النفوذ الجيوسياسي العالمي ومستقبل "النظام العالمي الحالي".
وترفض منظممة "أوبك+" حتى الآن زيادة إنتاجها النفطي بمعدلات كبيرة على الرغم من أن مؤسسات استشارات نفطية ترى أنها تملك الطاقات الفائضة لفعل ذلك.
وتنظر القوى الغربية إلى هزيمة روسيا في الحرب الشرسة التي تخوضها في أوكرانيا كمسألة حياة أو موت، لأن نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احتلال أوكرانيا أو حتى شرقي أوكرانيا يعني تلقائياً أنه سيمضي في التوسع في أوروبا كما يمهد لمزيد من تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين في المسرح العالمي وبالتالي بناء نظام عالمي جديد ستكون له تداعيات على النظام المالي والاقتصادي العالمي ومكانة الدولار كـ"عملة احتياط دولية".
وبينما تلتزم منظمة "أوبك" الصمت حتى الآن تجاه احتمال تعويض النفط الروسي ومشتقاته الذي ستحظره أوروبا، تضغط الولايات عبر إشهار سيف قانون "نوبك" الأميركي الذي يهدد بمقاضاة أوبك في المحاكم الأميركية بجريمة الاحتكار وتغريمها مبالغ طائلة قد تصل إلى تريليون دولار، حسب محلل الطاقة البريطاني سايمون واتكنز.
ويرى محللون أن دعم "أوبك" للعقوبات الغربية عبر تخفيف أزمة أسعار النفط العالمية خلال العام الجاري تعد أساسية في الضغط على موسكو وبالتالي تجفيف منابع تمويل الحرب التي تعتمد على مبيعات الطاقة الروسية لأوروبا.
وتحصل روسيا على نحو 1.1 مليار دولار يومياً من مبيعات النفط والغاز الطبيعي للدول الأوروبية. وهذا مبلغ كبير يعيق نجاح العقوبات الغربية ضد روسيا التي تواصل حربها لاحتلال أوكرانيا.
وتستورد أوروبا نحو 3.5 ملايين برميل يومياً من الخامات والمشتقات النفطية الروسية، وهو ما يعادل أكثر من 40% من إجمالي الصادرات النفطية الروسية المقدرة بنحو 7.6 ملايين برميل يومياً، وفق بيانات معهد بروغيل في بروكسل للدراسات.
وحسب بيانات شركة "رايستاد" النرويجية، فإن دول "أوبك" تملك طاقة كافية لتعويض النفط الروسي الذي سيتعرض لحظر في أوروبا خلال شهور.
وتقول رايستاد إن الطاقة الفائضة لدى أربع دول عربية في أوبك، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق تقدر بنحو 4 ملايين برميل يومياً.
وهو ما يعني أن هذه الدول الأربع يمكنها إطلاق هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة أو غير المستغلة حالياً لتلبية احتياجات أوروبا من النفط ومحاصرة روسيا مالياً واقتصادياً وإجبارها على وقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا.
تضغط الولايات عبر إشهار سيف قانون "نوبك" الأميركي الذي يهدد بمقاضاة أوبك في المحاكم الأميركية بجريمة الاحتكار وتغريمها مبالغ طائلة
في هذا الشأن يقول محلل الطاقة بشركة "رايستاد"، لويس ديكسون: "هذه الدول لديها طاقات تخزينية ضخمة للخامات الفائضة تمكنها من ضخ عدة ملايين من البراميل في أسابيع إن لم يكن في أيام إذا أرادت".
وتواجه دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن صعوبات في توفير بدائل للنفط الروسي وتجد معارضة من بعض الدول، كما أن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لزيادة شحناتها إلى أوروبا غير كافية.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأوروبية إلى أن إنتاج النفط الأميركي ربما لن يرتفع بدرجة تكفي لتعويض النقص في إمدادات أوروبا، وأن الزيادة المتوقعة خلال العام الجاري لن تتجاوز في أفضل الأحوال 800 ألف برميل يومياً. يذكر أن أميركا استخدمت حتى الآن نحو 180 مليون برميل من نفط الاحتياط الاستراتيجي وبالتالي ربما تجد صعوبات داخل الكونغرس لإطلاق المزيد من النفط لمساعدة أوروبا.
على صعيد غضب واشنطن من صمت "أوبك+" تجاه دعم القوى الغربية ضد روسيا في الحرب الأوكرانية، يرى محلل النفط الاستراتيجي، سايمون واتكينز في تحليل بنشرة "أويل برايس"، أن الإدارة الأميركية غاضبة من عدم تعاون المنظمة البترولية مع القوى الغربية، وبالتالي أجازت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي قانون "نوبك" يوم الخميس الماضي الذي ستكون له تداعيات قاسية على "أوبك" وأعضائها الكبار. في حال تفعيله.
وقانون"نوبك" يصنف المنظمة بأنها منظمة احتكارية ويتعارض أداؤها في السوق النفطي العالمي مع القوانين الأميركية التي تجرم الاحتكار. وينص القانون على أن من غير القانوني لأوبك تحديد سقف إنتاج النفط أوتحديد سعر مستهدف لبرميل النفط.
ويرى محللون أن إجازة اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ للقانون تعني ضمنياً أن صبر الإدارة الأميركية قد نفد تجاه تصرفات أوبك وعدم اكتراثها بالأسعار المرتفعة للخامات النفطية وتداعياتها على النمو الاقتصادي العالمي وكذلك نفد صبرها تجاه مواصلة تحالفها مع روسيا في منظومة "أوبك +" رغم الغزو الروسي لأوكرانيا وصدور العقوبات الغربية ضد موسكو.
ويشير واتكنز في هذا الصدد، إلى أن هنالك تيارا متناميا في واشنطن يرى أن منظمة "أوبك" باتت تدعم تحالف فلاديمير بوتين ـ شي جينبينغ.