وفي غمضة عين، تحولت أميركا في وسائل الإعلام الإيرانية من الشيطان الأكبر والعدو الأول للجمهورية الإسلامية إلى الشريك الاستراتيجي والمستفيد الأكبر من الاتفاق النووي الذي أنجزته القوى الست الكبرى، وعلى رأسها الشيطان الغربي.
وبعد أن كان شعار "الموت لأميركا" ومعها إسرائيل، هو السائد داخل إيران، منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979، وطوال فترة فرض العقوبات الاقتصادية الغربية، وحتى أمس، بات الشعار الآن هو الترحيب الشديد برجال أعمال ومستثمري الدولة الشيطان، وشركاتها التي ستجلب معها الخير والمال الوفير والتكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى حل مشكلة الاقتصاد الإيراني من بطالة وارتفاع أسعار وغيرها.
لقد تغير موقف إيران من "الشيطان الأعظم" 180 درجة، بعد الاتفاق النووي، وهذا تغير مفهوم؛ لأننا عندما نتحدث عن مصالح اقتصادية وبزنس ومال واستثمارات، فإن الشعارات الرنانة تتوقف وربما تختفي من المشهد.
هذا عن موقف إيران، لكن ماذا عن موقف أميركا، ولماذا تحمست للاتفاق النووي قدر حماس طهران له، وما الذي سيعود على اقتصادها ومواطنيها جراء تنفيذ الاتفاق؟
أميركا هي المستفيد الأول من الاتفاق النووي، فطبقاً لأرقام صادرة عن مؤسسات بحثية لها صلة بصناع القرار الأميركي، فإن أميركا تخسر سنوياً نحو 175 مليار دولار، بسبب فرض العقوبات الغربية على طهران، مع فقدان سوق العمل الأميركي أكثر من 200 ألف فرصة عمل خلال سنوات، كما أن حجم التكلفة الإنسانية جراء العقوبات قد يتجاوز بكثير الخسائر الاقتصادية.
وحسب تقرير نشرته صحف أميركية واسعة الانتشار، منها واشنطن بوست وول ستريت جورنال وهافنغتون بوست، منتصف شهر يوليو/تموز 2014، فإن دراسة أجرتها جماعة ضغط، هي التحالف الوطني الإيراني الأميركي، خلصت إلى أن الأثر السلبي للعقوبات الإيرانية على الاقتصاد الأميركي كبير ومذهل، حيث تراوحت خسائر أميركا السنوية ما بين 134.7 و175.3 مليار دولار، ولا يزال هذا الأثر السلبي مستمراً في التصاعد.
بل إن تقرير المجلس الإيراني الأميركي الوطني ذكر في ذلك الوقت أن نسبة البطالة في أميركا ارتفعت بعد قطعها للعلاقات التجارية مع إيران، حيث فقدت واشنطن ما يقارب 66 ألف فرصة عمل بعد فرضها لعقوبات اقتصادية على إيران خوفاً من برنامجها النووي.
وأكدت رقم الخسائر الأميركية أيضا، مجلة التايم المعروفة، التي قالت في تقرير لها نشر في هذا التوقيت إن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على إيران لن تضر فقط طهران والاقتصاد الايراني، بل ستؤثر سلبياً على اقتصاد أميركا أيضاً، بخسائر تقدر بأكثر من 175 مليار دولار.
أميركا، الشيطان الأكبر لدى الإيرانيين لسنوات، هي الفائز الأكبر من الاتفاق النووي الإيراني، فائزة بتفادي خسائر فادحة قيمتها تفوق 175 مليار دولار سنوياً بسبب الحظر والعقوبات المفروضة على طهران، فائزة بإيجاد فرص عمل لآلاف المواطنين العاطلين، فائزة بسوق ضخم لمنتجاتها واستثماراتها المتجهة وبقوة إلى السوق الإيراني للحصول على الكعكة الأكبر، والأهم من ذلك فائزة بضمان بقاء أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة في السوق العالمية، وهو ما يعنى توفير مشتقات نفطية "بنزين وسولار وغيره" بأسعار رخيصة لمواطنيها.
اقرأ أيضا: الخليج يتقشف