إذا سارت الأمور على ما هي عليه فإن أوروبا تكون موعودة بشتاء قارس ربما لم تشهده منذ سنوات طويلة في حال توقف تدفق الغاز الروسي.
شتاء شديد البرودة يصاحبه تغيرات اقتصادية واجتماعية منها حدوث قفزات في أسعار غاز التدفئة وفواتير الكهرباء والبنزين والسولار، وقلق متصاعد من المستهلكين من نفاد غاز الطهي وانقطاع التيار، وتعطل حركة المرور، ونقص إمدادات الوقود الحيوي اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، ومشاكل في تشغيل المفاعلات النووية، وتوقف تروس المصانع عن الحركة والإنتاج، وقفزات في أسعار السلع.
كما قد يجد آلاف السكان والمهاجرين واللاجئين أنفسهم عالقين في طقس شديد البرودة في ملاجئ غير مجهزة للشتاء وتختفي منها مشتقات البترول ومنتجات الطاقة ومنها الغاز في بعض البلدان الأوروبية.
قفزات متوقعة في أسعار غاز التدفئة وفواتير الطاقة والوقود، وانقطاع الكهرباء، وتوقف تروس المصانع عن الإنتاج
فقارة أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وهذه النسبة مرشحة للانخفاض الحاد لسببين، الأول هو تحول الغاز إلى سلاح قوي في يد روسيا تشهره بقة هذه الأيام في وجه العقوبات الغربية المفروضة عليها على خلفية غزوها أوكرانيا.
كما تراهن حكومة فلاديمير بوتين عليه في تعميق الانقسام بين أوروبا بشأن الإمدادات الروسية من الغاز خاصة بين بعض دول الشمال المنتجة للنفط والغاز ودول الجنوب المستوردة، وتعميق الخلافات الأوروبية حول خطة الغرب تصفير الطاقة الروسية والاستغناء عن النفط والغاز الروسي بالكامل في نهاية العام الجاري، ودق أسفين في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وزعزعة استقرار الاقتصاد الأوروبي، وهز قطاع الإنتاج داخل ألمانيا أهم قلعة صناعية في القارة.
السبب الثاني هو رغبة دول الاتحاد الأوروبي نفسها في خفض اعتمادها على الغاز الروسي في إطار خطة لضرب الاقتصاد الروسي وتجفيف منابعه المالية والتأثير على الموارد المستخدمة في حرب أوكرانيا.
ولذا تبحث هذا الدول عن بدائل أخرى، منها الغاز القطري والجزائري والأذربيجاني والغاز القادم من دولة الاحتلال وعدة دول أفريقية أخرى. وإضافة إلى ابرام صفقات ضخمة مع عدد من الدول للغاز الأزرق، توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي بشأن خفض الطلب على الغاز الروسي قبل الشتاء القادم، إضافة إلى الخفض التدريجي لاستهلاك الغاز.
وقد اتخذت بعض الدول خطوات ملموسة لخفض الاستهلاك منها مثلا قرار فرنسا إجبار المتاجر والمحلات المكيفة على إغلاق أبوابها وتقليل الإعلانات المضيئة بهدف توفير الطاقة.
بدأت روسيا بالفعل خفض إمداداتها من الغاز لأوروبا متذرعة بما سمته بأعمال الصيانة السنوية لخط أنابيب "نورد ستريم 1"
على مستوى السبب الأول بدأت روسيا بالفعل خفض إمداداتها من الغاز لأوروبا، وأحدث الفصول ما حدث يوم الأربعاء، فبعد أيام قليلة من إعلان عودة تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا بعد توقف كامل لمدة 10 أيام بسبب ما سمته موسكو بأعمال الصيانة السنوية لخط أنابيب "نورد ستريم 1" الرئيسي، عادت روسيا، صباح اليوم، لتخفض شحنات الغاز عبر الخط إلى نحو 20% من طاقته، حسب بيانات الهيئة الألمانية المشغلة.
وهذه الخطوة تعزز خطر حدوث نقص شديد في كميات الغاز هذا الشتاء في أوروبا، كما تؤثر سلبا على خطط القارة لملء المخازن بالوقود الأزرق استعدادا للشتاء القارس كما يحدث كل عام.
كما أعلنت شركة "غازبروم" الروسية أنها ستوقف توربيناً ثانياً في خط أنابيب "نورد ستريم 1" بسبب الصيانة، ما سيؤدي إلى خفض تدفقات الغاز الطبيعي.
وبالطبع فإن توقف التوربين سوف يتسبب في خفض الطاقة الإنتاجية اليومية في محطة بورتوفايا الروسية إلى 33 مليون متر مكعب من الغاز يومياً بداية من أمس.
أما على مستوى السبب الثاني، فقد عادت دول الاتحاد الأوروبي إلى استخدام الفحم في توليد الطاقة وتشغيل محطات إنتاج الكهرباء.
كما أعلنت هذه الدول، يوم الثلاثاء، عن توصلها لاتفاق بشأن الاستغناء عن الغاز الروسي عبر عدة طرق، منها تطبيق إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل، وقيام كل دولة "بكل ما هو ممكن" لخفض استهلاكها للغاز بين آب/ أغسطس 2022 وآذار/ مارس 2023 بنسبة لا تقل عن 15% بالمقارنة مع معدل السنوات الخمس الماضية خلال الفترة نفسها.
وزير الاقتصاد الألماني نوربرت هابيك: برلين تستعد لـ"سيناريو مرعب بسبب أزمة الطاقة"
معركة الغاز ستتفاقم بين روسيا وأوروبا في المرحلة المقبلة، وهناك غموض شديد يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا في الشتاء المقبل، وصعوبة تعويض الغاز الروسي من مصادر بديلة.
كما أن هوامش المناورة والحركة تكاد تكون معدومة أمام الأوروبيين لتعويض ذلك الغاز، خاصة أن عامل الوقت يضغط عليهم.
ولذا على حكومات أوروبا الاستعداد للأسوأ إذا ما عطلت روسيا الإمدادات من الغاز بالكامل، ويكفي للتعبير عن مخاوف القارة تصريح وزير الاقتصاد الألماني نوربرت هابيك الأخير الذي قال فيه إنّ برلين تستعد لـ"سيناريو مرعب بسبب أزمة الطاقة".