تواجه أوروبا نقصاً حاداً في إنتاج الكهرباء منذ شهور ربما تتطور إلى أزمة خلال الشتاء المقبل، حيث ارتفعت فواتير الكهرباء إلى الضعف في بعض دول الاتحاد الأوروبي، مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، وفق بيانات الأسعار التي تنشرها بيوت الخبرة في سوق الكهرباء.
وحسب مؤشر بيانات جزيرة إيبريا لسوق الكهرباء، "أو أم أي" الذي ينشر أسعار الكهرباء يومياً، ارتفعت أسعار الكهرباء إلى أعلى مستوياتها في إسبانيا خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري.
وبات المواطن الإسباني خلال سبتمبر/أيلول الجاري يدفع فاتورة كهرباء مرتفعة بنسبة 40% عما كان يدفعه في نفس الشهر من العام الماضي. ويلاحظ أن استخدامات الطاقة لا تقتصر فقط على الإضاءة، ولكنها تشمل كذلك التدفئة والطبخ.
وبالتالي فإن ارتفاع فاتورة الطاقة يضيف أعباء جديدة على الأسر في أوروبا التي تعاني من تجميد الرواتب وارتفاع البطالة بسبب تداعيات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي وسوق الوظائف.
وشهدت المدن الإسبانية العديد من المظاهرات ضد شركات إنتاج الكهرباء خلال الصيف الجاري، كما دعا الحزب الشيوعي الإسباني في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري إلى احتجاجات في جميع المدن الإسبانية خلال الشهر الجاري.
وقال المحلل الإسباني خافيير بلاس لوكالة بلومبيرغ، "فواتير الكهرباء تتحول إلى أزمة سياسية في أسبانيا".
الغضب ضد شركات الكهرباء وارتفاع الفواتير لا ينحصر فقط بإسبانيا، لكنه من المتوقع أن يتمدد إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي خلال الشهور المقبلة
من جانبها قالت المتحدثة باسم "اتحاد فقر الطاقة في إسبانيا"، ماريو كامبوزانو في تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز"، "ارتفاع أسعار الكهرباء يثير الكثير من الغضب والسخط لدى المواطن الإسباني".
وتمثل كامبوزانو مجموعة ضغط مدنية تساعد محدودي الدخل في إسبانيا على تسديد فواتير الكهرباء. وأضافت أن هذا "الغضب سيحرك الشارع بقوة ضد الحكومة".
لكن الغضب ضد شركات الكهرباء وارتفاع الفواتير لا ينحصر فقط بإسبانيا، ولكنه من المتوقع أن يتمدد إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي خلال الشهور المقبلة مع توقعات خبراء حدوث مزيد من الارتفاع في فواتير الكهرباء وسط ضغوط الدخول.
في بريطانيا بلغ سعر الكهرباء في سوق العقود الآجلة تسليم العام المقبل في ألمانيا 90 يورو لميغاوات/ساعة، وهو ضعف سعر الميغاوات/ ساعة في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بسبب التوليد الضعيف من طاقة الرياح خلال العام الجاري، وارتفاع سعر الغاز الطبيعي.
وفي بريطانيا أيضا منحت هيئة إجراءات الكهرباء البريطانية، وهي هيئة حكومية، الضوء الأخضر لشركات الكهرباء لزيادة الأسعار بنسبة 12%.
وما ساهم في زيادة حدة أزمة الأسعار في البلاد، تخلي العديد من الشركات المزودة للكهرباء عن مصادر التوليد التقليدية من الفحم الحجري قبل أن تكون لديها مصادر كافية من الطاقة المتجددة لتعويض النقص في التوليد.
وقال الخبير غريغ جاكسون لصحيفة " نيويورك تايمز" إننا بحاجة للتحول السريع للطاقات المتجددة حسب الإجراءات الحكومية المطلوبة".
وتتخوف شركات الكهرباء من الغرامات الحكومية التي تفرضها قانون الطاقة الخضراء في حال استخدامها المصادر التقليدية، كما تواجه الشركات نقصاً في الوقود الأزرق الذي كانت تعتمد عليه في التوليد.
في هذا الشأن، قال خبير الكهرباء وتوليد الطاقة بشركة "رايستاد " النرويجية، كارلوس توروس دياز، في تعليقات لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، "احتياطات الغاز الطبيعي في خزانات دول الاتحاد الأوروبي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات".
وأضاف دياز "شهدت أوروبا مستويات منخفضة من توليد الكهرباء مقارنة بالسنوات الماضية بسبب ارتفاع درجة الحرارة والجفاف خلال صيف العام الجاري".
وتقليدياً تعتمد أوروبا في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي والفحم، ولكن يلاحظ أن أسعار الفحم الحجري ارتفعت بنسبة 70%، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر مع اعتماد ضريبة الكربون خلال العام الجاري. كما أن أسعار الغاز الطبيعي تضاعفت هي الأخرى.
تقليدياً تعتمد أوروبا في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي والفحم، لكن يلاحظ أن أسعار الفحم الحجري ارتفعت بنسبة 70%، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر مع اعتماد ضريبة الكربون
ووفق مراقبين لسوق الطاقة الأوروبية فإن أزمة توليد الكهرباء في أوروبا تعود إلى أربعة أسباب رئيسية أولها هو الشتاء القاسي الذي ضرب أوروبا خلال العام الماضي واستمر حتى الشهور الأولى من العام الجاري.
وأدى ذلك إلى ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي من مصادر الإنتاج المحلية وزيادة الاستيراد وقاد إلى السحب من المخزونات الاحتياطية لدول الاتحاد.
وعادة ما يتم ملء خزانات احتياطات الغاز الطبيعي بدول الاتحاد في فترة الصيف التي يقل فيها استخدام الغاز في التدفئة والتوليد الكهربائي والاحتفاظ بها لموسم الشتاء.
لكن ما حدث خلال صيف العام الجاري أن دول جنوب شرقي آسيا رفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية جعلت الموردين يحبذون تصدير شحناتهم من الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الآسيوي بدلاً من السوق الأوروبي.
وبالتالي لم تصل إلى أوروبا كميات كافية من شحنات الغاز المسال التي كانت في العادة تصلها من الولايات المتحدة ودول المنطقة العربية في موسم الصيف. وكانت الشركات الصينية قد تعاقدت على كميات ضخمة من الغاز المسال مع شركة الطاقة القطرية.
وثاني أسباب أزمة الكهرباء في أوروبا هو تراجع صادرات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب التي تصل إلى أوروبا من روسيا، ولأسباب ينظر إليها العديد من الخبراء على أنها غير مقنعة واستخدمتها شركة " غازبروم" الروسية للضغط على أوكرانيا بقبول شروطها.
ويرى محللون لصحيفة " فاينانشيال تايمز"، إن روسيا تضغط على أوروبا سياسياً عبر نفوذ الغاز الطبيعي وربما تكون لديها استراتيجيات لإضعاف الإجماع الأوروبي.
أما ثالث أسباب الأزمة فيكمن في تراجع صادرات الكهرباء التي كانت تصل من فائض الدول الاسكندنافية إلى باقي دول أوروبا بسبب الجفاف الذي خفض توليد الكهرباء من مصادر المياه.
وكانت تلك الكهرباء المولدة هيدروليكياً تسهم في خفض فاتورة الكهرباء في أوروبا، كما أنها في ذات الوقت رخيصة نسبياً مقارنة بأنواع التوليد الأخرى.
وكانت دول السويد والنرويج تنقل الكهرباء الفائضة منها عبر الكابلات إلى ألمانيا والدنمارك إلى هولندا في موسم الصيف.
لكن هذه الدول واجهت خلال الصيف الجاري انخفاضاً في منسوب المياه في البحيرات والشلالات الطبيعية المستخدمة في التوليد الكهربائي بسبب الجفاف الذي ضرب شمال القارة الأوروبية.
ووفق المراقبين، فإن رابع أسباب أزمة الكهرباء الحالية في أوروبا تعود إلى حركة الرياح الضعيفة في منطقة شمال غربي أوروبا، وبالتالي لم تتمكن هذه الدول الكثيفة الصناعة من توليد سعات كافية من طاقة الكهرباء المولدة من الرياح مثلما كان عليه الحال من قبل، وهو ما رفع كمية السحب من الاحتياطات المخزونة من الغاز الطبيعي.
وحتى الآن تلعب الطاقة الشمسية دوراً هامشياً في توليد الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي.
لم تتمكن الدول الكثيفة الصناعة من توليد سعات كافية من طاقة الكهرباء المولدة من الرياح مثلما كان عليه الحال من قبل
يذكر أن احتياطات الغاز الطبيعي في الخزانات الأوروبية تراجعت بسبب تدني درجة الحرارة الذي استمر حتى بداية شهر مايو/أيار الماضي، وهو ما أدى إلى زيادة السحب من المخزونات، وبالتالي انخفضت مخزونات الغاز الطبيعي بأوروبا بنسبة 25% من متوسط مستوياتها في خمس سنوات، وذلك حسب تقرير شركة "وود ماكينزي" للغاز الطبيعي في الربع الأول من العام الجاري.
وقالت الشركة في تقريرها، إن سوق الغاز المسال تتجه نحو نقص كبير في المعروض مقارنة بالطلب المتنامي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأسهمت عمليات الصيانة في حقول الغاز بالنرويج، وارتفاع الطلب على توليد الكهرباء في أوروبا بعد عودة الاقتصادات للنمو خلال الصيف الجاري وتشديد قوانين البيئة كذلك في ارتفاع أسعار الكهرباء.
وقد تضطر أوروبا لسد النقص في احتياجاتها من الغاز لمواجهة خيارات صعبة من بينها دفع أسعار للغاز الطبيعي المسال أعلى من الأسعار الآسيوية، خاصة من قطر والولايات المتحدة أو زيادة الدعم المالي للمواطنين لمقابلة فواتي الطاقة.