وسط الطلب القوي على الوقود وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لجأت أوروبا لاستخدام الفحم الحجري في توليد الكهرباء خلال العام الجاري. ويواجه العالم ارتفاعاً كبيراً في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي تقوده الصين والولايات المتحدة وإلى حد ما أوروبا الغربية بسبب النمو الاقتصادي السريع خلال الصيف الجاري.
وحسب بيانات بورصة الغاز الطبيعي للعقود المستقبلية في روتردام بهولندا، التي تقيس أسعار الغاز في أوروبا الغربية، ارتفع سعر الغاز الطبيعي إلى أكثر من الضعف في أوروبا مقارنة بمستوياته في العام الماضي.
وبلغ سعر الغاز الطبيعي لمليون وحدة حرارية بريطانية 9 دولارات خلال الأسبوع الجاري، حسب مؤشرات بورصة الغاز الهولندية.
من جانبها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير أمس الثلاثاء، إن أسعار الغاز المرتفعة دفعت شركات توليد الطاقة إلى التوسع في استخدام الفحم الحجري، الذي ارتفعت أسعاره أكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت أسعار الفحم الحجري في ميناء نيوكاسل بأستراليا، وهو ميناء التصدير الرئيسي للفحم الحجري، أعلى مستوياتها منذ عقد.
وحسب التقرير، ارتفعت الأسعار بنسبة 27% خلال الشهر الجاري مقارنة بمستوياتها في مايو/ أيار الماضي. وفي ذات الشأن، قالت وكالة "بلومبيرغ" يوم الثلاثاء قبل الماضي، إن "استخدام الفحم الحجري لتوليد الطاقة في أوروبا ارتفع بنسبة راوحت بين 10 إلى 15% خلال العام الجاري".
وقال خبير الطاقة الأميركي، آندي سومر، في لقاء مع الوكالة الاقتصادية الأميركية، الثلاثاء قبل الماضي، إن "مخزونات الغاز في أوروبا منخفضة جداً لدرجة أن أوروبا لا تستطيع توليد طاقة إضافية بالغاز الطبيعي".
وتراجعت المخزونات بسبب الشتاء القاسي في بداية العام الجاري، وتدني درجة الحرارة حتى بداية شهر مايو/أيار الماضي، وهو ما أدى إلى زيادة السحب من المخزونات، وبالتالي انخفضت مخزونات الغاز الطبيعي بأوروبا بنسبة 25% من متوسط مستوياتها في خمس سنوات، وذلك حسب تقرير شركة "وود ماكينزي" للغاز الطبيعي في الربع الأول من العام الجاري.
وقالت الشركة في تقريرها، إن سوق الغاز المسال تتجه نحو نقص كبير في المعروض مقارنة بالطلب المتنامي خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويرجع محللون أسباب النقص في الغاز بأوروبا إلى أربعة عوامل رئيسية وهي: عمليات الصيانة الجارية في حقول الغاز بالنرويج، وارتفاع الطلب على توليد الكهرباء في أوروبا بعد عودة الاقتصادات للنمو خلال الصيف الجاري، وتراجع المخزونات، وارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، خاصة في آسيا.
وقد تضطر أوروبا لسد النقص في احتياجاتها من الغاز لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال خلال العام الجاري، خاصة من قطر والولايات المتحدة.
بلغ سعر الغاز الطبيعي لمليون وحدة حرارية بريطانية 9 دولارات خلال الأسبوع الجاري، حسب مؤشرات بورصة الغاز الهولندية
وكانت أوروبا تسعى لزيادة واردات الغاز الطبيعي من روسيا عبر أنابيب تصدير من روسيا، ولكن يبدو أن التوتر السياسي الجاري بين التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة قد يعرقل مثل هذه الخطوة، إذ حتى خط "نورد ستريم ـ2" المخططة له مضاعفة إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا بنحو 50 مليار متر مكعب في العام، يواجه حتى الآن العقوبات الأميركية الصارمة على الشركات المنفذة لمد الخطوط.
وفي أميركا، أدت سياسة الرئيس جو بايدن الخاصة بالطاقة النظيفة إلى إثارة حالة من الرعب وسط المستثمرين وترددهم في وضع مزيد من التمويل في قطاع الغاز والنفط الصخري، حيث تراجعت شهية الاستثمار في الطاقة التقليدية، وهو ما أدى إلى تراجع إنتاج الغاز الطبيعي بمعدلات كبيرة في الولايات المتحدة.
وحسب بيانات شركة "بيكر هيوز" التي تقوم بالحفريات للآبار في الولايات المتحدة، فإن هنالك نحو خمسة حقول غاز طبيعي تواصل الإنتاج حالياً من بين 92 حقل غاز طبيعي كانت تنتج حتى نهاية مارس/ آذار الماضي.
قد تضطر أوروبا لسد النقص في احتياجاتها من الغاز لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال خلال العام الجاري، خاصة من قطر والولايات المتحدة.
ومع فتح الاقتصادات ورفع معدلات النمو الاقتصادي، يتزايد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي. في هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها عن الغاز الصادر يوم الخميس الماضي، إن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي العالمي ارتفع خلال العام الجاري بنحو 16 مليار قدم مكعبة حتى الأسبوع المنتهي في 11 يونيو/ حزيران، مقارنة بمستوياته في العام الماضي.
كما يشير تقرير الوكالة الدولية، إلى أن مخزونات الغاز الطبيعي تراجعت بنحو 453 مليار قدم مكعبة إلى 2.427 تريليون قدم مكعبة.
وتُعد الصين من كبار المستوردين للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث توقعت نشرة "أس آند بي غلوبال" في تقرير يوم الجمعة الماضي، ارتفاع الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال بمعدل 23% إلى نحو 21 مليار متر مكعب خلال العام الجاري.
وتتوقع النشرة ارتفاع الطلب الصيني على الغاز إلى كميات تراوح بين 400 إلى 500 مليار متر مكعب بين العام الجاري والعام 2025.
وتواجه الشركات الصينية أزمة إمدادات في الغاز الطبيعي المسال، مما حدا بها لتوقيع عقود مستقبلية لشحنات الغاز المطلوبة للشتاء الماضي.
وحسب وكالة "أس آند بي غلوبال"، فإن الشركات الصينية ترفض مثلاً توقيع عقود طويلة الأجل مع كبار المصدرين للغاز المسال، مثل الشركات القطرية. ويرى محللون أن المنافسة على شحنات الغاز الطبيعي ستتزايد خلال العام الجاري بين الشركات الصينية وشركات التوليد الكبرى في اليابان ودول النمو الآسيوية، وهو ما قد يرفع الأسعار الفورية للغاز المسال إلى مستويات غير مسبوقة خلال الشتاء المقبل.