يعيش السودانيون أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية مع تدهور كبير في الخدمات الأساسية وانقطاعات مستمرة للكهرباء والمياه. يتزامن ذلك مع توترات أمنية داخلية نتيجة للاختلالات المعيشية التي أثرت بدورها على كل مناحي الحياة. وأصبح ملحوظاً تصاعد الأزمة التي دفعت الكثير من الأسر إلى حافة الفقر، فيما أغلق عدد كبير من المؤسسات والشركات المحلية أبوابه مع تراجع قيمة الجنيه السوداني وارتفاعات الأسعار المستمرة.
وشرعت فئاتٌ كبيرةٌ من الشعب السوداني في تصفية حساباتها المصرفية واستثماراتها بالبلاد ونقل أعمالها إلى الخارج، مبررة ذلك بسوء الوضع الاقتصادي والمعاناة في سبيل الحصول على حياة كريمة.
وفي ظل هذه الأوضاع، شهدت الفترة الأخيرة موجة بيع كبيرة للعقارات، مقابل إقبال كبير للسودانيين على شراء الشقق السكنية في دول أخرى، مثل مصر وتركيا. ويشكو السودانيون في كل المناسبات من الظروف الأمنية وارتفاع تكلفة الخدمات والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، إضافة إلى الإغلاق الطويل للجامعات والمدارس.
وقال الباحث الاجتماعي محمد إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إنه ليس هنالك ما يشير إلى تحسن الأوضاع، لأن الكثير من العمالة الماهرة والفنيين غادروا البلاد لتوقف الأعمال، حتى إن بعض موظفي الدولة تركوا العمل واتجهوا للبحث عن أعمال في دول أخرى، خاصة مع انخفاض قيمة الجنيه السوداني وعدم ثبات الأسعار وتدهور الخدمات التعليمية والصحية. وأضاف أن كل مرافق الدولة التعليمية أصبحت غير مؤهلة لتربية جيل جديد مع الإغلاقات المتواصلة للمدراس.
وقال إن هذه الاضطرابات كانت لصالح عدد من الدول الأخرى، حيث إن عدداً كبيراً من السودانيين باعوا منازلهم واتجهوا إلى امتلاك شقق أو فلل في بلدان أخرى، حيث نشطت في الخرطوم أخيراً معارض لشراء شقق في دول تهافت عليها السودانيون. وأضاف أنه لا يعقل أن نجد فنادق معروضة للبيع بأسعار زهيدة ولا تجد من يشتري، حتى المنازل المعروضة للبيع أسعارها رخيصة.
وزاد أن الكل بدأ يهرب من البلد نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وهذا له أثر سلبي على التنمية المستقبلية حتى لو حدث استقرار قريباً. وقالت منظمة الهجرة الدولية في دراسة لها إن الهجرة القسرية من السودان تعود إلى سببين رئيسيين، وهما انعدام الأمن الذي يرتبط بالنزاع وقلة وسائل العيش الطبيعية والبيئية مثل الجفاف والتصحر والفيضانات.
وبلغت هجرة السودانيين لأغراض العمل ذروتها في عامي 2012 و2013، حيث هاجر حوالى 231 ألف شخص و435 ألفاً على التوالي وفقا للدراسة، علماً أن أغلب من هاجر للعمل خلال السنوات الست من 2008 إلى 2013 بلغ حوالي 997,292 مهاجرا.
ويرجع ذلك، وفق الدراسة، إلى ارتفاع معدل البطالة بين الخريجين وغلاء المعيشة. وأشارت الدراسة إلى تجاوز هجرة السودانيين إلى دول الخليج الهجرة إلى الدول الأوروبية وأميركا وأستراليا والصين وغيرها من الدول. أما أهم مقاصد المغتربين السودانيين فهي السعودية بنسبة 87 في المائة، تليها الإمارات 9,2 في المائة، ثم ليبيا 6,4 في المائة وقطر 4,2 في المائة.
أما الوجود السوداني في دول آسيا فهو وجود نوعي ومعظمه من حملة الشهادات العليا وتعدادهم أكثر من خمسة آلاف مهاجر، وأغلبهم في ماليزيا. ورأى المحلل الاقتصادي وائل فهمي بدوي أنه لا يوجد شيء اسمه بلد فقير، بل يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد، ولفت إلى وجود ثلاثة عوامل رئيسية أثرت على مستقبل البلاد، هي استمرار الحروب الأهلية، وعدم تحقيق التنمية، وسوء السياسات الاقتصادية المتبناة.
وتابع أن كل هذه العوامل مجتمعة ترتب عنها تنامي قاعدة الفقر، بما يشير بوضوح إلى سوء إدارة وتوظيف ما أتيح من موارد لتحقيق السلام والتنمية والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وقال إنه منذ العام الماضي نبهت منظمة الفاو إلى خطورة تأثير التضخم الجامح السائد حاليا في توسيع قاعدة الفقراء ودخول كثيرين إلى دائرة المجاعة.
وشرح الانعكاسات السلبية لاعتماد السياسات النيوليبرالية التحريرية من خلال رفع الدعم وتخفيضات سعر الصرف المستمرة، ما فاقم من أزمة التضخم، وأعاد توزيع الدخل القومي لصالح الأغنياء وزيادة الفقراء فقراً.
وأشار إلى ارتفاع الأسعار المستمر في الأسواق وتأثيراته على القدرة الشرائية، معتبراً أنه لا يمكن إيجاد حلول جدية للأزمات من دون التحرر من النسق التضخمي المدمر للاقتصاد ولمعيشة المواطن.