التمحور الذي أفرزتهُ الانتخابات الرئاسية أخيراً في الولايات المتحدة ليس محصوراً ببلد الانتخابات وحدَها، بل أدى إلى واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط عندنا، وهو أن على مَنْ بنوا كثيراً من سياساتهم الخارجية والداخلية على بقاء الرئيس المؤقت، دونالد ترامب، أربع سنوات أخرى أن يعيدوا حساباتهم وخططهم. وينطبق الحال نفسه على الذين راهنوا على فوز جو بايدن، الرئيس المنتخب.
وسيكون حجم ردة الفعل في دول منطقتنا مرهوناً حتى نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير/ كانون الثاني عام 2021 بمن يفوز بمقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
وإذا تعادل عدد ممثلي الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، بخمسين عضواً لكل منهما، فهذا يعني الفوز والغلبة للحزب الديمقراطي وإدارة جو بايدن. وإذا فاز الجمهوريون فسوف يستثمرون هذا الأمر باستماتة لإبقاء فرصهم بالعودة عام 2022 بالفوز بالأكثرية عندما تجرى الانتخابات التشريعية لثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكامل أعضاء مجلس الممثلين (النواب).
ولعل أهم القضايا التي سببت الخلاف والتمحور داخل الوطن العربي هو انحياز بعض قادة الدول لدونالد ترامب، وقبولهم مشروع صفقة القرن. ويقود هذا الجانب المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان. ويقف موقف الحذر من مشروع السلام "الترامبي" والرافض له السلطة الفلسطينية والأردن وسورية والعراق ولبنان والجزائر. وهنالك دول عربية لم تعلن عن موقفها صراحةً تجاه مشروع صفقة القرن.
وبالطبع، تقف بعض القوى الإقليمية ضد مشروع السلام الذي تقدم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجعل السَير به عربةً للوصول إلى الفوز بكرسي الرئاسة مجدّداً. ومن هذه الدول بالطبع: إيران، وتركيا. وكلا البلدين يرى في سقوط ترامب تخفيفاً من الضغوط عليهما، وفرصة لتحسين ظروفهما الاقتصادية المتأثرة سلباً بالحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية المفروضة ضد إيران، واستهداف العملة التركية الليرة وأسواق واقتصاد تركيا. ولكن تركيا ستجد نفسها أيضاً أمام تحدّي إقناع إدارة جو بايدن والديمقراطيين في الولايات المتحدة بالاستمرار في أداء دورها الحالي.
السلطة الفلسطينية مستفيدة
ولعل أكبر المستفيدين مِنْ فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية هو السلطة الفلسطينية. ووفقاً لتصريحات نائبة رئيس الجمهورية المنتخبة في الولايات المتحدة، كامالا هاريس، لوسائل إعلام أميركية، فإنها وَعَدت بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السلطة، ومدِّها بالمساعدات، وإعادة تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس. ولكن الغامض في هذا التصريح أن هاريس لم تقل أين في القدس، ولا إذا كانت العودة عن هذه القرارات التي اتخذها ترامب ستكون مشروطةً بقبول السلطة العودة إلى طاولة المفاوضات.
وقد لوحظ في الشهرين الأخيرين، خصوصاً بعدما تأكدت احتمالات فوز جو بايدن، أن كلاً من السعودية والإمارات قد نشطتا في تدفئة علاقاتهما مع كل من السلطة الفلسطينية والأردن. وقد قام السفير السعودي في عمّان بحملة لتنقية العلاقات، والوعد بمشروعاتٍ كبيرةٍ مموّلة سعودياً، وإعادة إحياء الصندوق الاستثماري الذي وقع عليه الجانبان في عام 2016 إبّان حكومة هاني الملقي، ولكن شيئاً من تلك المشروعات الواردة في القانون الذي أُسّس خصيصاً لتلك الغاية لم يَرَ النور، ولا حتى وضعت له أي خطط مبدئية، أو حتى قُبلت من الطرفين.
وكذلك وعدت دولة الإمارات بزيادة استثماراتها في الأردن، وجرت، في الوقت نفسه، إعادة إطلاق تصريحات من مسؤولين إسرائيليين (خصوصاً من وزير النقل ورئيس الاستخبارات) تتعلق بإنشاء خط سكة حديد يربط إسرائيل بالسعودية عبر الأردن. ووفق تصريحات مسؤولين سعوديين (السفير لدى الأردن خصوصاً)، فإن الرياض أبدت استعدادها لتمويل مشروع سكة الحديد بين الأردن والسعودية.
وبالطبع، يتساءل محللون كثيرون في الأردن وخارجه عن فرص العودة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويفسر كثيرون من هؤلاء أن المشروعات التي يُسعى إلى تمويلها هي جزء من صفقة القرن الاقتصادية، والتي شكلت جزءاً مهماً من مبادرة الرئيس الأميركي ترامب (أو صفقة القرن).
أسئلة مطروحة
ما هو المدخل الآن إلى إعادة إحياء المفاوضات؟ هل هو دعوة الإدارة الأميركية الجديدة الفرقاء إلى مؤتمر سلام؟ وهل ستطلق كل من إسرائيل والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية مبادرات تحسّن الأجواء المتأزمة، وتعطي جرعةً من الجرأة السياسية لكي يقبل الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، العودة إلى المفاوضات بتشجيع ودعم من أصدقاء الطرفين؟
وثانياً، إذا أُطلِقت الدعوة، ماذا ستكون مرجعياتها؟ هنالك من ينادي بالتخلّي عن الإشارة إلى المرجعيات في الدعوة، ويكتفى بتحديد المنتج النهائي لهذه المفاوضات، وهو الوصول إلى حل الدولتين بما يرضي الطرفين؟ وماذا سيكون دور دولٍ قريبةٍ من هذه المفاوضات، مثل الأردن خصوصاً، ومصر والسعودية وروسيا، وغيرها من الدول المهمة، مثل الصين والاتحاد الأوروبي.
السؤال الثالث: هل سيجرى ذلك وبنيامين نتنياهو ما يزال رئيساً لوزراء إسرائيل؟ وأما التحدي المهم فهو هل سيكون لدى إدارة جو بايدن الوقت الكافي لإعطاء القضية الفلسطينية الأولوية المطلوبة، أم أنها ستنتظر حتى تحل أزمة جائحة كورونا، وتُحَسن علاقات الولايات المتحدة مع الصين بالذات، ومع حلفائها في أوروبا؟ وماذا عن حل مشكلات المنطقة الأخرى، مثل اليمن وليبيا، وفي لبنان وسورية والعراق؟ أسئلة محيرة كثيرة.