استمع إلى الملخص
- قصف مدفعي أدى لخروج محطة مروي من الخدمة، مما تسبب في تأثر الولايات المرتبطة بالشبكة القومية، والإنتاج الفعلي للكهرباء لا يلبي الاحتياجات الفعلية للبلاد.
- المواطنون يعانون من انقطاعات طويلة للكهرباء، مما يضطرهم للجوء إلى الأنهار للتبريد، والحلول المؤقتة لا تكفي في ظل استمرار الحرب وتعطل الصيانة، مما يستدعي حلولاً جذرية لاستقرار الطاقة.
لم يسلم السودان من انقطاعات متكررة للكهرباء وصلت إلى حد الإطفاء العام في معظم أرجاء البلاد بسبب تواصل الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي.
وكان قطاع الكهرباء في السودان قد دخل في أزمة منذ سنوات، ولكن وتيرة المأساة زادت بعد اندلاع الحرب، حيث يعاني ملايين السودانيين حالياً من ظلام دامس في الكثير من الولايات، حيث لا تغطي السعة المتوفرة حاليا سوى نحو 30% من الطلب.
الإطفاء العام في السودان
حالة الإطفاء العام التي حدثت في البلاد منذ عدة أيام جاءت في وقت شهدت فيه البلاد ارتفاعا في الحرارة فاق الخمسين درجة توقفت على أثره معظم الأنشطة الاقتصادية، خاصة بالعاصمة الإدارية بورتسودان، التي ما زالت تعاني من انقطاعات متكررة في التيار عبر برمجة تصل إلى 14 ساعة في اليوم في ظل ظروف معيشية خانقة ألقت بظلال سالبة على المواطنين.
شركة كهرباء السودان بدورها أصدرت بيانا أوضحت فيه ملابسات الإطفاء العام بالشبكة القومية، وقالت إن الخط الناقل للكهرباء بين محطتي الجموعية وجبل أولياء (جنوب ولاية الخرطوم)، تعرض لقصف مدفعي بالتزامن مع خروج محطة المهدية التحويلية، وهو ما أدى لخروج عدد من الخطوط وبالتالي خروج محطة مروي من الخدمة، والذي أدى بدوره لحدوث إظلام كامل تأثرت به كافة ولايات السودان التي تقع ضمن منظومة الشبكة القومية.
وحسب بيانات رسمية، يبلغ إجمالي السعة التصميمية لمحطات توليد الكهرباء داخل شبكة الكهرباء في السودان نحو ثلاثة آلاف ميغاواط، إلّا أن إجمالي إنتاجها لا يتجاوز ألفي ميغاواط. وحتى هذا الإنتاج تراجع إلى مستويات متدنية بعد الحرب، إذ لا يكفى سوى أقل من ثلث احتياجات البلاد تقريبا، وفق مراقبين. ويمثل التوليد الحراري حوالي 50% من التوليد الكلي مناصفة مع التوليد المائي المنتج من السدود.
خبراء أكدوا احتمال أن تعيش البلاد حالات إطفاء تام متكررة خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى ما حدث في ولايات دارفور وكردفان التي أصبحت محطاتها الكهربائية ثكنات عسكرية لقوات الدعم السريع مع توقف تام لإمداد الوقود بسبب إغلاق الطرق الواصلة بين الولايات.
معاناة في السودان بسببب الحرب
وعبر مواطنون في عدد من مناطق السودان عن معاناتهم من انقطاعات التيار الكهربائي، وقالوا إنها تستغرق أحيانا يوما كاملا، مشيرين إلى ارتفاع درجات الحرارة في البلاد مع دخول فصل الصيف.
في ولاية الجزيرة (شمال)، قال المواطن هيثم النذير لـ"العربي الجديد"، إن عاصمتها دنقلا تعاني من ارتفاع حاد في درجة الحرارة، بالتزامن مع انقطاعات في التيار الكهربائي دفعت السكان إلى اللجوء للأنهار لقضاء أوقات القيلولة.
وقال المواطن عادل محمد علي، الذي يقيم في مدينة المتمة بولاية نهر النيل، إن قطع الكهرباء يستمر لما يقارب 12 ساعة يوميا، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ما يدفعهم للجلوس تحت الأشجار خلال فترات الظهيرة.
وتبذل بعض الولايات جهودا لإعادة تشغيل بعض المحطات لتقليل قطع الكهرباء، إذ تسعى ولاية كسلا (شرق)، إلى تشغيل محطة كهرباء كسلا القديمة بعد توفير بعض الاحتياجات التي ستمكنها من إعادة إدخال خدمة المحطة في الشبكة العامة. وأرجع مدير وحدة التحكم القومي طارق الخليفة جعفر أسباب قطع التيار الكهربائي لوجود عطل في محطة كسلا إضافة إلى ضعف الإمداد المائي في خزان سيتيت، مشيرا إلى وضعية ولاية كسلا في الربط القومي والخط الإثيوبي.
وتسعى حكومة ولاية سنار (جنوب شرق)، لسد النقص في قطاع الكهرباء ومحاولة إعادة بعض المحطات إلى الخدمة وزيادة الترشيد.
كما تبذل ولاية الخرطوم جهدها في إعادة تأهيل وصيانة محطات الكهرباء التي دمرت بسبب الحرب في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، والعمل على عودة التيار الكهربائي في أحياء أم درمان القديمة.
وفي ولاية دارفور، يؤكد الموظف إسماعيل يحيى، لـ"العربي الجديد"، إن الحياة متوقفة تماما بسبب سوء الأحوال الجوية وانعدام الكهرباء وغلاء الوقود المشغل للمولدات الخاصة مع انهيار النظام الصحي بالولاية وتفاقم الأمراض بسبب انعدام الوقاية الطبية اللازمة. وأضاف: تعودنا على الأمر والمطلوب وقف الحرب وإعادة الخدمات مثل الكهرباء والمياه.
وقال الخبير الاقتصادي بابكر التوم لـ"العربى الجديد"، إن السودان ظل يعانى لسنوات من نقص الإمداد الكهربائي في حالة السلم والآن لا يمكن الوصول إلى الإنتاج بشكل كلي بسبب الحرب وتوقف عمليات الصيانة وصعوبة الدخول إلى مناطق الصراع. وربط استقرار الكهرباء بوصول كميات من الطاقة من دول الجوار أو إنهاء الحرب، مضيفا أن هذا غير ممكن في ظل التخريب الذي طاول خطوط النقل.
صيف قاس في اليمن
يشكو مواطنون يمنيون من تبعات كارثية تفوق قدرتهم على تحملها جراء تدهور خدمة الكهرباء، وعدم وجود أي تحسن ملموس حسب وعود السلطات المعنية. وتبرز مشكلة الكهرباء بشكل ملحوظ، كما ترصد "العربي الجديد"، في مدينة عدن، جنوب اليمن، والحديدة، شمال غربي البلاد، حيث وصلت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة.
بينما تتفاوت أزمة انقطاعات الكهرباء من محافظة لأخرى مع تشابه الوضعية من ناحية ارتفاع تكاليف استهلاك الكهرباء التي زادت كما يلاحظ بنسبة تتخطى 50% في صنعاء التي يقترب فيها سعر الكيلوواط التجاري من 300 ريال، فيما يباع في تعز بنحو 1000 ريال (الدولار = نحو 1700 ريال). يقول المواطن مجيب الحرازي، من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن فاتورة استهلاك الكهرباء التجارية التي توزع عليهم كل أسبوعين لتسديدها زادت بنسبة كبيرة في النصف الأول من شهر يونيو/ حزيران، حيث وصلت إلى تسعة آلاف ريال مقارنة مع ستة آلاف ريال خلال النصف الثاني من شهر مايو/ أيار الماضي.
ومن جانبه، يوضح المواطن شهاب الحمادي، لـ"العربي الجديد"، أن عدم المبادرة السريعة لتسديد فاتورة الكهرباء أو عدم القدرة على تسديدها كما هو حال الكثير من الأسر يتسبب في قطعها.
وتعتبر مدينة الحديدة الأكثر معاناة من مشكلة الكهرباء مع وصول الأزمة إلى مستويات تفوق قدرات السكان على تحملها كما يفيد الكثيرون منهم، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، حيث كان لسان حال الناس: "تعبنا من الحر"، إذ يصل سعر الكيلوواط التجاري إلى 350 ريالا.
واستطلع "العربي الجديد"، حجم المشكلة من خلال إحدى الأسر في مدينة الحديدة، إذ تؤكد أن عدم القدرة على تحمل ارتفاع درجة حرارة الصيف دفعها إلى تشغيل مكيفين في المنزل بسعة طن واحد نحو عشر ساعات في اليوم، لتكون المفاجأة فاتورة النصف الأول من يونيو/ حزيران بمبلغ 50 ألف ريال، وهو مبلغ قياسي مقارنة بمعيشة اليمنيين الذين يعاني أغلبهم من فقدان معظم سُبل العيش.
في السياق، يؤكد الناشط الاجتماعي في عدن رشيف سيف لـ"العربي الجديد"، أن المدينة تعاني من أزمة حادة في الكهرباء، حيث تتكرر انقطاعات التيار الكهربائي بشكل مستمر ولساعات طويلة يومياً، في الوقت الذي اشتدت فيه معاناة المواطنين من الحر الشديد، إذ تؤدي هذه الانقطاعات إلى تعطيل الحياة اليومية.
ويرى الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حياة الناس تتحول إلى كابوس في الصيف خصوصاً في مدينة مثل عدن بسبب أزمة الكهرباء التي تحتاج إلى حلول سريعة وجذرية بدلاً من الحلول الترقيعية التي تضاعف أعباء الاقتصاد الوطني، كما تُلقي الأزمة بثقلها على كاهل الأعمال وتتسبب في توقف العديد من المشاريع وتراجع النشاط التجاري.