سادت مخاوف في الأوساط الاقتصادية والشعبية من عودة نشاط تجار وسماسرة الأزمات الذين يتربحون من كوارث السيول والفيضانات التي ضربت السودان عبر بيع المواد الإغاثية في الأسواق وداخل المحال التجارية، وتشمل السلع التموينية من دقيق وسكر وتمور وزيوت بجانب مواد الإيواء والمستلزمات الصحية وغيرها.
وتدخل مواد الإغاثة السودان بإعفاء كامل من الرسوم الجمركية والضريبية ويحصل عليها التجار بطرق غير شرعية لطرحها في الأسواق، حسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد". كما امتدت المخاوف إلى إهدار الدعم الخارجي مع بدء تدفقه إلى الخرطوم خلال الفترات الأخيرة.
هواجس مشرُوعة
أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن هناك تحركات حكومية في اتجاه حماية مواد الإغاثة والتأكد من وصولها للمستفيدين بعد تسرب أنباء عن وجود مخالفات في عمليات التوزيع وبدء تلقي التجار بعض هذه السلع استعدادا لطرحها في الأسواق بأسعار مرتفعة.
وفي هذا السياق، قال المحلل ياسر أحمد الكردي لـ"العربي الجديد"، إن "غول الفساد الذي وطَّن له نظام الإنقاذ المُباد، لا يزال يُحاصر تاريخ الدولة السودانية في حاضرها بل وربما مستقبلها، كلما ألمَّت بها محنة، وما أكثر مِحَن هذه البلاد، التي ما إن تخرج من كارثة إلا وتدخل في أختها".
وأضاف: يتابع العالم كله هذه الأيام السيول التي ضربت معظم ولايات السودان، مخلِّفة خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، وكالعادة تسابقت دول العالم في التفاعل مع الأحداث وتقديم العون، لكن هواجس الماضي ظلت تلاحق كل الدول والمنظمات التي تسعى لتقديم الدعم، لأنَّ التجارب السابقة جُلّها إن لم نقُل كُلّها كانت مليئة بالتلاعب في مواد الإغاثة التي تصل إلى الحكومة، مشيرا إلى أن ذاكرة الشعب السوداني والدول الداعمة تحتفظ بقصص كثيرة لتبرُّعات جاءت خصيصاً لمتأثرين وفقراء ولكن ضلَّت طريقها إلى الأسواق عبر سماسرة الإغاثات المدعومين بواسطة الحكومة، أو على الأقل المعروفين لديها، وقد تفشَّت هذه الظاهرة لدرجة جعلت بعض الجهات عند حلول كارثة تؤكد أنها لم ولن تسلم الحكومة مواد إغاثة، بل ستتكفَّل بنفسها بتوزيع كل المواد الإيوائية والدوائية وغيرها للمحتاجين مباشرة، حسب الكردي.
وأشار إلى "استمرار الهواجس حتى الآن في ظل السيولة التي تُعاني منها الدولة في كافة دواوينها، ما يجعل وصول مواد الإغاثة لمستحقيها بأصقاع السودان أمراً بالغ الصعوبة، وفي المقابل يجعل حرص الدول الداعمة على تقديم تبرُّعاتها بمعزل عن الحكومة أمراً طبيعياً استناداً إلى شواهد الماضي وواقع الحال الذي نعيشه الآن".
تدابير احترازية
من جانبها، أكدت وزيرة التجارة آمال صالح سعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، استعداد وزارتها للتصدي لأي ظواهر سلبية وتسرب المواد الإغاثية التي وصلت أو ستصل إلى البلاد من الدول الصديقة والشقيقة لمتضرري السيول والأمطار في بعض الولايات للأسواق وبيعها للمواطنين عبر التجار وسماسرة الأزمات.
وقالت إن إدارة التجارة الداخلية بالوزارة ستقوم بالتنسيق مع الجهات المختصة كالأمن الاقتصادي ومباحث التموين ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، بمنع تسرب الإغاثة ومصادرتها وإعادة توزيعها لمستحقيها حال ثبوت دخولها للأسواق، وكذلك حال تلقي إخطار من اتحاد العمل والغرفة التجارية بوجود ظاهرة تسرب نوع معين من سلع الإغاثة.
وطالب محلل مختص في الشؤون الإنسانية فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، بضرورة اهتمام الحكومة والجهات المختصة بالولايات المتضررة من الكارثة بالمتابعة الدقيقة لعملية توزيع الإغاثة وفقا لعدد الأسر بكل ولاية والقرى والأحياء الطرفية ومنع تدخل أي جهة أو أفراد غير معروفين في عملية التوزيع بحجة المعاونة بقصد التربح والمنفعة الشخصية.
استئناف الدعم الدولي
وتأتي عمليات دعم السودان بالمواد الإغاثية في ظل نكبة الفيضانات والسيول متزامنة مع انفراجة في الدعم الخارجي للبلاد، إذ خصصت الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، مبلغ 88 مليون دولار مساعدات إنسانية للشعب السوداني.
وكشفت حكومة الولايات المتحدة عن تقديمها دعما مباشرا عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، عبارة عن مساعدات إنسانية لشعب السودان الذي قالت إنه لا يزال يعاني من الآثار المدمرة الإضافية للعنف، والأمن الغذائي، والصدمات المناخية، بما في ذلك الفيضانات.
وقالت في بيان رسمي إنه بهذه الأموال تدعم الحكومة الأميركية برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) لتقديم المساعدة الغذائية، بما في ذلك الذرة الرفيعة والبازلاء الصفراء، ومنظمة اليونيسف لتوفير التغذية لما يقرب من 1.2 مليون شخص من المتضررين من الأزمة في جميع أنحاء السودان.
وأضاف البيان: حتى الآن في السنة المالية 2022، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 371 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للسودان، بما في ذلك أكثر من 348 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وبرر البيان هذا الدعم الجديد بالقول: تواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب شعب السودان في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من تفاقم الأزمات والنزوح الداخلي المتفاقم.
تأتي عمليات دعم السودان بالمواد الإغاثية في ظل نكبة الفيضانات والسيول متزامنة مع انفراجة في الدعم الخارجي للبلاد، إذ خصصت الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، مبلغ 88 مليون دولار مساعدات إنسانية
وسبق أن أعلن البنك الدولي أخيرا، استئناف مساعدته المباشرة للسودانيين بمبلغ 100 مليون دولار يتم تقديمها عبر برنامج الغذاء العالمي فقط بعد أن كان قد جمد مساعداته التي تقدم للسودان عبر برنامج ثمرات بعد استيلاء العسكريين على الحكم في 25 أكتوبر/ تشرن الأول 2021.
وكان قادة السلطة قد تعهدوا بإبعاد الجيش عن السياسة وتسليم الحكومة لقيادات مدنية والاكتفاء بمهام الأمن والدفاع عبر بيان مفاجئ أذاعه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ووجد ذلك ترحيبا من المجتمع الإقليمي والدولي وقيادات سودانية محلية.
ووصف الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان قرار الحكومة الأميركية بتقديم دعم مباشر للسودان بأنه تنفيذ لقرارات قمة جدة بتقديم دعم اقتصادي للسودان للحيلولة دون انهيار الاقتصاد السوداني.
وأضاف عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد": يأتي الدعم الأميركي بعد قرار كل من البنك الدولي والسعودية تقديم مائة مليون دولار من كل طرف لبرنامج الغذاء العالمي بهدف تقديم معونات مباشرة للشعب السوداني، لكن الولايات المتحدة اختارت أن تقدم بشكل مباشر مساعداتها والتي من المتوقع أن تكون في الأساس كميات من القمح والذرة توزع بواسطة المنظمات على معسكرات النازحين في دارفور والمتضررين من السيول والأمطار والفيضانات والمتضررين من العنف القبلي في النيل الأزرق.
ويقول عثمان إن ما تم استلامه من أموال خارجية قليل التأثير بحكم أزمة السودان الكبيرة في النقد الأجنبي وشح الإيرادات، وسط مخاوف من إهدار هذه المساعدات.
وتوقع الاقتصادي إبراهيم الزين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يقدم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وبعض دول الخليج دعما مالياً أو عينياً في خلال الأيام المقبلة ضمن تعهدات قمة جدة بدعم السودان اقتصاديا للمساعدة علي تماسك الدولة السودانية ومنع انهيارها بسبب المصاعب الاقتصادية.
وأثار تجميد ووقف المساعدات المالية الدولية، خلال الفترات السابق، مخاوف السودان من العودة مرة أخرى للعزلة الاقتصادية، ما وضع موازنة البلاد المضطربة سياسيا على محك العجز عن الإيفاء بالنفقات العامة المتزايدة، فضلا عن تأثيرات أخرى ظهرت بشكل أكثر وضوحا في التضخم الجامح للأسعار، وتوقف العمل في عديد من المشاريع الإنتاجية التي كانت تعتمد بشكل أساسي على التمويلات الأجنبية.
وكشف نائب محافظ بنك السودان المركزي فاروق كمبريسي عن إحصائيات صادمة عن حجم الدعم والمساعدات الدولية التي فقدتها البلاد بسبب الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي. وأكد نائب محافظ البنك المركزي الذي أطاح به الانقلاب العسكري خسارة البلاد لـ94% من الدعم والمساعدات المالية المرصودة للإصلاح الاقتصادي جراء الانقلاب.
وبحسب تغريدة لنائب المحافظ السابق على موقع التواصل الاجتماعي، فإن صافي الالتزام الذي تعهدت به الجهات الدولية يصل إلى 4.643 مليارات دولار، وقال إنه تم تنفيذ 268 مليون دولار منها فقط، فيما تم تجميد 4.375 مليارات دولار، بسبب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي.