استمع إلى الملخص
- تُعتبر أشباه الموصلات محورًا في المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرضت الولايات المتحدة قيودًا على تصدير الرقائق، بينما شددت الصين قيود التصدير على المواد الخام.
- رغم القيود، تواصل إنفيديا أعمالها في الصين بتعديل منتجاتها، وتدرك بكين أن تدابيرها الانتقامية قد تزيد الانفصال الاقتصادي بين البلدين.
أطلقت بكين أحدث هجماتها في حرب أشباه الموصلات بين الولايات المتحدة والصين، من خلال الإعلان عن إجراء تحقيق لمكافحة الاحتكار في شركة إنفيديا الأميركية، وذلك بعد أسبوع من تصعيد واشنطن قيودها على وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة.
وقال مراقبون في الصناعة إن هذه الخطوة تهدف إلى إيصال رسالة مفادها أن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي عندما تستهدفها العقوبات التجارية والتكنولوجية، وهي رسالة تكتسب أهمية خاصة مع استعداد دونالد ترامب لتولي رئاسة الولايات المتحدة الشهر المقبل.
وتراجعت أسهم عملاق أشباه الموصلات بنسبة 2.3% في تداولات منتصف اليوم بالولايات المتحدة. وتنتج إنفيديا غالبية الرقائق المتطورة التي تشغل خوادم الذكاء الاصطناعي. وبلغت إيرادات إنفيديا من الصين 13.5 مليار دولار في الأرباع الأربعة الماضية، وهو ما يمثل 12% من إجمالي إيراداتها العالمية. وتقلصت هذه النسبة بسبب العقوبات الأميركية التي منعت إنفيديا من بيع رقائقها الأكثر تطورًا للعملاء الصينيين.
وصرح متحدث باسم إنفيديا بأن العملاء أحرار في اختيار الرقائق التي يستخدمونها، وأن الشركة تعتمد على جودة منتجاتها. وأضاف: "يسعدنا الرد على أي أسئلة قد تكون لدى الجهات التنظيمية حول أعمالنا". ويأتي تحقيق مكافحة الاحتكار في الصين ضمن نمط اعتيادي تستخدم فيه بكين التحقيقات الحكومية للتعبير عن استيائها من قيود التصدير الأميركية.
وتعد هذه التحركات جزءًا من تصعيد جيوسياسي أوسع بين البلدين، حيث تفاقمت التوترات في السنوات الأخيرة مع فرض قيود التصدير الأميركية والتعريفات الجمركية على السلع الصينية، بدءًا من الرقائق ووصولًا إلى الغسالات. وكان ترامب قد خاض حربًا تجارية مع الصين خلال ولايته الأولى، ووعد خلال حملته الانتخابية هذا العام بزيادة التعريفات على جميع السلع الصينية إلى 60%.
وتمكّنت الصين من الرد بشكل محدود على قيود أشباه الموصلات، نظرًا لأن معظم تقنيات صناعة الرقائق مرتبطة بالشركات الأميركية. وسعت الشركات الصينية لإيجاد بدائل لتعويض القيود، من خلال تعزيز إنتاجها المحلي لرقائق الذكاء الاصطناعي. وأصبحت أشباه الموصلات محورًا أساسيًّا في المنافسة بين البلدين، بسبب أهميتها البالغة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية والمعدات العسكرية، وغيرها من المجالات ذات الأهمية للأمن القومي والاقتصاد.
وقالت الجهة المنظمة لمكافحة الاحتكار في الصين، المعروفة باسم "إدارة الدولة لتنظيم السوق"، يوم الاثنين، إنها تحقق مع إنفيديا بشأن شبهات انتهاك شروط الموافقة المشروطة التي حصلت عليها الشركة من بكين في عام 2020، عندما استحوذت على شركة إسرائيلية متخصصة في الشبكات. وكانت إنفيديا قد أعلنت في مارس 2019 عن أكبر عملية استحواذ لها في تاريخها بموافقتها على دفع حوالي 7 مليارات دولار للاستحواذ على شركة ميلانوكس تكنولوجيز Mellanox Technologies.
وأوضحت الجهة التنظيمية في إبريل/نيسان 2020 أن الصفقة حصلت على الموافقة بعد التزام إنفيديا وميلانوكس بشروط تضمنت توفير إمدادات مستمرة من وحدات معالجة الرسومات ومعدات الشبكات إلى الصين، كما تعهّدت إنفيديا بعدم التمييز ضد العملاء الصينيين.
وتعدّ سلطات مكافحة الاحتكار في الصين لاعبًا رئيسيًّا في عمليات الدمج العالمية، حتى في الصفقات التي لا تبدو مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالصين. وفي الماضي، استخدمت الصين مراجعات الدمج لتعطيل صفقات كبيرة، مثل صفقة إنتل للاستحواذ على شركة Tower Semiconductor الإسرائيلية بقيمة تزيد عن 5 مليارات دولار.
ولم توضح الجهة التنظيمية في بيانها، يوم الاثنين، ما قد تكون إنفيديا فعلته أو سبب إثارة المسألة بعد فترة طويلة من الموافقة المشروطة. وينص اتفاق عام 2020 على أنه يمكن لشركة إنفيديا التقدم بطلب لإزالة الشروط بعد ست سنوات.
وردت بكين بسرعة على أحدث القيود التجارية الأميركية، والتي توسعت لتشمل قيودًا على تصدير الرقائق المتقدمة المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث أدرجت الولايات المتحدة حوالي 140 كيانًا صينيًّا في القائمة السوداء التجارية. وفي المقابل، أعلنت الصين الأسبوع الماضي أنها ستشدد قيود التصدير على المواد الخام الرئيسية المستخدمة في إنتاج المعالجات المتقدمة والمعدات العسكرية. كما حذرت أربع جمعيات صناعية صينية كبرى الشركات من شراء الرقائق الأميركية.
وباستهدافها لإحدى أكبر الشركات الأميركية قيمة، قالت أنجيلا زانغ، أستاذة القانون في جامعة جنوب كاليفورنيا ومؤلفة كتاب "الاستثنائية الصينية في مكافحة الاحتكار"، "إن الصين تظهر عضلاتها التنظيمية للتعبير عن قدرتها على الردع وردع أي تحركات أميركية عدوانية إضافية محتملة".
ومع ذلك، تدرك بكين أن تدابيرها الانتقامية قد تؤدي إلى مزيد من الانفصال الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، لذا من المرجح أن تستخدم هذه الأدوات بشكل محدود، بحسب زانغ. وفي مايو 2023، حظرت بكين على الشركات الصينية الكبرى شراء رقائق شركة ميكرون Micron الأميركية، بعد أن وضعتها تحت تحقيق يتعلق بالأمن السيبراني، وهي خطوة اعتُبرت انتقامًا لجولة سابقة من قيود الرقائق الأميركية.
وعلى الرغم من تأثرها بقيود التصدير الأميركية، تواصل إنفيديا ممارسة أعمال كبيرة في الصين. وقد عدلت الشركة منتجاتها لتلبية احتياجات العملاء الصينيين مع الالتزام بالقواعد الأميركية، وفقًا لما نشرته شبكة "سي أن بي سي" الاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، وجد بعض العملاء الصينيين طرقًا للحصول على رقائق إنفيديا، بما في ذلك العمل مع وسطاء لاستخدام قدرات الحوسبة في الخارج.
وتسبب ذلك في بعض التوتر مع الجهات التنظيمية الأميركية التي تسعى لمنع الصين من استخدام أي رقائق متقدمة في التطبيقات العسكرية المحتملة. والشهر الماضي، أخبر نائب وزير التجارة الصيني، وانغ شاوين، المدير التنفيذي لشركة إنفيديا جاي بوري، في بكين، بأن الصين ترحب بوجود الشركة، وتهدف إلى بناء بيئة أعمال أفضل للشركات الأجنبية.
ورد بوري بأن الصين سوق مهمة لشركة إنفيديا وأنها ستواصل تعزيز التواصل مع شركائها الصينيين. وفقًا لقانون مكافحة الاحتكار الصيني، قد يواجه المخالفون غرامات تصل إلى 10% من إيراداتهم في العام السابق. وخلال العقد الماضي، فرضت الصين غرامات على شركات أميركية مثل Thermo Fisher Scientific وWestern Digital بعد انتهاكها شروطًا متعلقة بصفقات استحواذها.
ويمكن لتحركات الصين أن تمهد الطريق لصفقة كبرى مع الإدارة الأميركية الجديدة، وفقًا لإيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، الذي قال في مذكرة: "قد يحدث ذلك فقط إذا كانت إدارة ترامب مستعدة للتفاوض، وهو أمر لا يزال غير واضح في الوقت الحالي".