تتوسع دائرة الغضب لدى قطاعات تونسية بسبب تأخر صرف الرواتب، بينما يخيم القلق على موظفي القطاع الحكومي بسبب إمكانية انزلاق البلاد إلى مخاطر عدم توفير أجور أكثر من 670 ألف موظف.
وينفذ موظفو قطاعات مؤسسات ومنشآت حكومية احتجاجات بسبب تأخر تنزيل رواتب شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معتبرين أن مدة التأخير التي تجاوزت العشرة أيام سابقة في تاريخ البلاد.
ويهدد موظفو القطاعات التي لم تحصل على راتب أكتوبر بوقف تام عن العمل، مطالبين السلطات بالتعجيل بإيجاد حلول للأزمات المالية التي تهدد معيشتهم ومصير عائلاتهم.
وشملت أزمة تأخر الرواتب قطاعات النقل والصحة والإعلام حيث نفذ موظفو شركة نقل تونس التي تسير خطوط النقل عبر الحافلات وشبكات المترو في مدن العاصمة الكبرى أول من أمس، إضراباً عاماً احتجاجاً على تأخر الأجور، قبل أن يستأنفوا العمل أمس الخميس بعد الحصول على تعهد من إدارة المؤسسة بتسوية الوضعية المالية.
ويقول الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بمحافظة زغوان، نوفل ضوء، أن مرتبات العاملين في القطاع الصحي في أغلب محافظات البلاد تأخرت وجرى صرفها على دفعات.
وأكد ضوء في تصريح لـ"العربي الجديد " أن وزارة الصحة لم تنزل رواتب موظفيها دفعة واحدة كما هو معمول به بل تم تنزيلها على دفعات حسب المحافظات، في المقابل لم يتم صرف أجور الأجراء (الموظفين) في محافظة زغوان من إطار طبي وشبه طبي وموظفين إداريين.
واعتبر المسؤول النقابي أن ما يحصل في القطاع سابقة تنبئ بصعوبات مالية كبيرة قد يواجهها موظفو القطاع الحكومي، منتقدا تحميلهم هم وأسرهم مسؤولية صعوبات المالية العمومية.
ووفق الروزنامة العادية تتولى الحكومة صرف رواتب الموظفين في الفترة المتراوحة بين 18 و26 من كل شهر، غير أن الضائقة المالية تسببت في تخّلف دوري في عملية التنزيل لتبلغ مداها هذا الشهر مع تسجيل تأخير بلغ نحو أسبوعين في بعض القطاعات.
ويبدأ الشهر لأغراض احتساب الراتب في تونس في اليوم الـ16 من الشهر وينتهي في الـ15 من الشهر الذي يليه، ويصرف بعد 3 أيام (18 من كل شهر).
وتحتاج حكومة تونس إلى ما بين 1.6 و1.8 مليار دينار شهرياً لصرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي، غير أن تراجع الإيرادات في حساب الخزينة وتأخر توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي جعلت حساب الخزينة في عجز متواصل ما يجعل التزام الدولة بتعهداتها المالية في مهب التأخير (الدولار = نحو 3.3 دنانير).
وتلجا الحكومة والمؤسسات العامة شهريا إلى القطاع البنكي لطلب قروض قصيرة المدى أو طرح سندات لمدة لا تتجاوز 13 أسبوعا من أجل تعبئة الموارد اللازمة لصرف الرواتب.
تحتاج حكومة تونس إلى ما بين 1.6 و1.8 مليار دينار شهرياً لصرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي
والأسبوع الماضي، أصدرت سلطات تونس رقاع (سندات) خزينة قصيرة المدى بهدف تعبئة موارد داخلية بقيمة 700 مليون دينار؛ أي نحو 218 مليون دولار، في أجل لا يتعدى 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، دون ذكر نسبة فائدة القرض الذي تنوي اقتراضه من السوق المالية المحلية.
ونشرت مؤسسة تونس للمقاصة، وهي مؤسسة حكومية تؤمن عمليات الإيداع المركزي للأوراق المالية، بلاغاً على موقعها الرسمي، عن طرح الخزينة العامة أذون الخزينة بقيمة 700 مليون دينار، تسدد على 13 أسبوعاً، معلنةً فشل الخزينة في تعبئة موارد من البنوك، بناء على إصدار سابق للأذون جرى يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وتوقّع وزير المالية السابق والخبير المالي سليم بسباس أن تظل الضغوط على المالية العمومية قائمة إذا لم تتمكن تونس من تعبئة الموارد اللازمة حسب الموازنة.
الأسبوع الماضي، أصدرت سلطات تونس رقاع (سندات) خزينة قصيرة المدى بهدف تعبئة موارد داخلية بقيمة 700 مليون دينار؛ أي نحو 218 مليون دولار
وأفاد بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن صرف الرواتب من أهم الالتزامات المالية للدولة بكلفة أكثر من 20 مليار دينار سنويا، مشيرا إلى أن الحكومة تلجأ إلى الحلول الداخلية لتوفير السيولة الكافية سواء عبر التدخل المباشر للبنك المركزي بضخ السيولة أو إعادة تمويل البنوك بشراء أذون الخزينة قصيرة ومتوسطة المدى التي تطرحها الحكومة.
أكد وزير المالية السابق أن من تداعيات خلق كتلة نقدية مركزية عبر الحلول المالية التي تعتمدها الحكومة دون خلق ثروة ستسبب ضغوطا تضخمية تزيد في صعوبات المعيشة.
وارتفع التضخم في تونس إلى 9.1 بالمائة خلال سبتمبر/أيلول الماضي، صعودا من 8.6 بالمائة في أغسطس/آب الماضي، وسط استمرار تذبذب وفرة السلع الأساسية محليا، وارتفاع أسعارها عالميا.
وقفزت أسعار مجموعة التغذية والمشروبات إلى 13 بالمائة في سبتمبر، صعودا من 11.9 بالمائة في أغسطس؛ كما تسارعت أسعار السكن والطاقة المنزلية إلى 6.4 بالمائة، من 6.2 بالمائة، ما يشكل أعباء كبيرة على طبقات واسعة من المجتمع ومنها الموظفون.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، وسط توقعات بمزيد من الصعوبات المعيشية مع بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل منح الحكومة القروض المتفق عليها.