ادفنوا الليرة السورية واقفة

08 يناير 2025
الطلب على الليرة يعزز الثقة بالاقتصاد والعملة، دمشق في 16 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعتبر العملة والبورصة مؤشرات حيوية تعكس استقرار الاقتصاد وجاذبيته للمستثمرين، حيث يعزز ثبات العملة الثقة لدى المدخرين والمستثمرين.
- شهدت الليرة السورية تحسناً ملحوظاً بعد هروب الأسد، رغم عدم تغير العوامل الاقتصادية الأساسية، ويُعزى ذلك إلى زيادة عرض الدولار وبدء اكتناز الليرة.
- من المتوقع تحسن العلاقات الاقتصادية مع تخفيف العقوبات وزيادة المساعدات، مما قد يؤدي إلى إصدار نقد جديد وتحسين المحددات الاقتصادية، معززاً قيمة الليرة السورية.

ليس كما العملة والبورصة من مرآة للأفق الاقتصادي، وحتى الأفق السياسي إن كان سيؤثر بالاقتصاد، فهما "ترمومتر" أي اقتصاد والمؤشرات الأكثر واقعية وثقة ربما، التي يركن إليهما أصحاب الأموال والأعمال، قبل أن يدخلوا أي مناخ أو يجازفوا بأي رأسمال، وطبعاً على عكس المتداول والاتهام، "راس المال جبان"، إذ ليس ذلك من الجبن بشيء.

وربما ثبات العملة أو بدء تحسنها، هو المؤشر على الاستقرار وعامل الجذب، أكثر من ارتفاع سعرها مقارنة بالدولار أو "وحدة السحب الخاصة" ولعلّ بسعر اليوان الصيني المنخفض مؤشراً وبارتفاع سعر صرف عملات عربية دليلاً، إذ بعدم التذبذب وتعزيز الثقة يسترشد المدخر والمكتنز وحتى المستثمر، كما بالتحسن المتصاعد المبني على محددات اقتصادية وسياسية، العامل على الإقبال والشراء أو المضاربة.

والليرة السورية مذ هرب بشار الأسد وسقط نظام الوراثة للعائلة المافيوية بدمشق في الثامن من ديسمبر الماضي، وضعت تحت مجهر الترقّب، ليس للسوري الذي يتقاضى أجره بها، وكل تعاف أو تحسن سينعكس على معيشته، بل ولمن يهمهم الأمر بالخارج، سواء كانوا مستثمرين دوليين أو رساميل سورية هاربة ومهاجرة.. أو حتى دول تسعى للوقوف إلى جانب السوريين بعودة وقوف البلد والاقتصاد على قدميه، بعد التركة الهائلة من الدمار والخسائر والديون، بل والسمعة السيئة التي تركها النظام المخلوع للسوريين.

قصارى القول: اليوم، مرّ شهر بالتمام والكمال على هروب الأسد، ورغم أن الشهر ليس بالمدة الكافية لقياس أي تغيير أو حدوث أي تحسن، إلا أن ترمومتر الاقتصاد السوري "الليرة" تعطي مؤشرات وتصدر رسائل، جميعها يوحي بانتعاش وانفراج. بل ويمكن التمادي بالآمال لنقل وأكثر، فالتحسن بسعر الليرة السورية المنطلق من أسباب، سياسية ونفسية وبعض الاقتصادية، يغري المضاربين ليكتنزوا العملة، فنسبة التحسن والأرباح اليوم، بل وما يمكن أن تأتي مستقبلاً، قد تفوق عائدات المشاريع الإنتاجية والخدمية. 

فاليوم، شهدت الليرة السورية تحسناً ملحوظاً أمام العملات الأجنبية، بعد حالة من التذبذب والتراجع خلال الأيام الماضية. مسجلة نحو 11700 ليرة مقابل الدولار، في أحسن أداء منذ هرب بشار الأسد.

وربما التحسّن بعض المشهد، والذي تكتمل دهشته ببروز مؤشر جديد وسابقة، وهو تخطى السعر الرسمي للعملة المحلية مقابل الدولار، البالغ اليوم 13 ألف ليرة، سعر الصرف في السوق السوداء، وذلك على عكس المعروف والواقع منذ 14 سنة. وقت كان سعر السوق الهامشية "السوداء" أقل وبكثير من السعر الذي يحدده المصرف المركزي، وربما المتابع كان يلحظ، كيف يلحق المصرف المركزي بسعر السوق ويعدل سعره مرتين كل أسبوع.

والسؤال الذي يتوثب على شفاه أي متابع أو مندهش من أداء الليرة السورية هو: بناء على ماذا جرى التحسن طالما لم تتبدل محددات سعر العملة بالداخل، إن على صعيد الإنتاج أو التصدير أو السياحة. بل ظهرت، بعد سقوط النظام، عيوب وثغرات، يمكن أن تؤثر بسعر الصرف، إن لم نقل تلغي الثقة بحيازتها؟

فاحتياطي المصرف المركزي لا يزيد عن 200 مليون دولار، بعد سرقة النظام ما تبقى من موجودات واحتياطي، والديون الخارجية بحسب الحكومة الانتقالية ربما تصل إلى 30 مليار دولار، بالإضافة إلى الديون الداخلية التي اعتمدها النظام المخلوع لتمويل المصاريف بالشق الجاري من الموازنة "أجور ورواتب"، من خلال طرح سندات وأذونات خزينة، وشراؤها إلزامي لبعض التجار والصناعيين والمؤسسات الخاصة.

أعتقد أن الإجابة عن تحسّن سعر الليرة السورية رغم عدم الجديد على صعيد المحددات الاقتصادية، تأتي من ركنين، وربما أكثر. الأول زيادة عرض الدولار والعملات الأجنبية بالداخل السوري جراء زيادة عودة السوريين، واستمرار تدفق الوفود والإعلاميين، وحتى من غلبه فضوله ليزور سورية بعد نيلها الحرية والاستقلال.

الأمر الذي زاد من الطلب على الليرة السورية بالمنافذ الحدودية والصرافين، الذين وجدوا بالصرافة مهنة مؤقتة "مئات الصرافين بالشوارع"، إذ لم تزل الليرة السورية أكثر العملات تداولاً بالسوق، رغم قبول التعامل بالدولار والليرة التركية.

وأما السبب الثاني وربما الأهم، هو بدء اكتناز الليرة، من تجار ومضاربين، سواء لأجل محدد، عبر الطرح التدريجي بالسوق حسب الحاجة والطلب، ليحققوا أرباحاً تفرضها التبدلات السياسية وزيادة القدوم إلى سورية، أو لأسباب بعيدة. فالعملة السورية، شبه المنهارة والتي تحمل صور الوارث حافظ الأسد والوريث الهارب، بشار، سيجري تبديلها أو إلغاء ثلاثة أصفار منها، ووقتذاك يخرج المكتنزون ما جمعوا ويسلمون وفق الأسعار الجديدة المتوقع تحسنها، بعد المساعدات والقروض وبدء عجلة الاقتصاد بالدوران.

نهاية القول: ليستوي الطرح ربما، لا بد من التطرق لدور تخفيف العقوبات الأميركية قبل يومين، وربما الأوروبية غداً الخميس، بتحسن سعر الليرة السورية أو حتى المساعدات الإقليمية، إن بزيادة عرض العملات الأجنبية أو تعزيز الثقة بسورية وليرتها، فأن تقول قطر إنها ستموّل أول راتب بعد الزيادة، فهذا يعني 120 مليون دولار بالسوق، وأن تبدأ تركيا إلى جانب قطر، بتوليد الكهرباء وترميم البنى وإعادة تشغيل المطارات، وما إلى ذلك، فذاك يعني بدء الإنتاج وزيادة معروض العملات الأجنبية والطلب على الليرة، ويعزز الثقة بالاقتصاد والعملة السورية.

وكل ذلك، وربما أكثر خلال الفترة المقبلة. والمتوقع أن تشهد إقبالاً استثمارياً وانفراجة بالعلاقات وإزالة للعقوبات، يزيد التشجيع بدفن الليرة السورية بحلتها الحالية، الحلة الحاملة صور عصابة الأسد والحلة فاقدة الثقة والحلة المتهاوية. 

ولكن الدفن وهي واقفة هذه المرة، أو في طريقها لكسب الثقة وللتحسن والوقوف. وإصدار نقد سوري جديد بحلة ومقاسات وورق ودلالات تبعث على الثقة، وسعر جديد منطلق من تحسن المحددات الاقتصادية "احتياطي، إنتاج، صادرات، سياحة.." وإلا قد تعود الليرة للتراجع، حتى بعد خلوها من صور آل الأسد، أسباب تلاشي قيمتها، وتبديد هيبتها، ووضعها ضمن أسوأ العملات وأكثرها تضخماً.

المساهمون