طول مدة العدوان الإسرائيلي على غزة يمكن أن يفضي إلى تصاعد الارتدادات المرتبطة بشكل خاص بالنفط، خاصة على مستوى العائدات المالية للجزائر، يقابلها تخوف حكومي بدأ يتصاعد من ارتفاع فاتورة واردات الغذاء بالأخص الحبوب، فيما يتفاعل الشارع بطريقة متسارعة ومتواصلة مع تطور الأحداث في غزة، التي أنسته هموم غلاء المعيشة، ودفعته لإطلاق حملات مقاطعة أخذت في التوسع رغم الهدنة.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي لا تلوح معالم انتهائه زمنيا، ترتفع المخاوف على إمدادات النفط والغاز ومن ثم على الأسعار، وهو ما دفع إلى تعديل توقعات الحكومة الجزائرية حول عائدات النفط لضبط موازنة 2024 والتي تفوق 107 مليارات دولار، لمواجهة ارتفاع الإنفاق العام.
عائدات النفط
حول تأثر عائدات النفط مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، أكد وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، لـ "العربي الجديد" أن "التوقعات عُدلت نسبيا، بفارق مليار إلى ملياري دولار، كون الأسعار ارتفعت في بداية الأزمة مدفوعة بالمخاوف العالمية، إلا أنها سرعان ما عادت إلى الانخفاض عند مستويات 80 دولارا، وبالتالي عدلنا توقعاتنا وفق المؤشرات والمعطيات المتوفرة".
وأضاف الوزير الجزائري أن "موازنة سنة 2024 بنيت على سعرٍ مرجعي للنفط بـ 50 دولارا للبرميل الواحد، ما يضعنا في أريحية، وكل ارتفاع لأسعار النفط هو إضافة لعائدات البلاد، ويساعد في تحسين احتياطي البلاد من العملة أو يُحول إلى صندوق ضبط الإيرادات (صندوق تُحول إليه الفوارق بين السعر المرجعي للنفط والسعر الحقيقي)".
وتتوقع الحكومة في موازنتها التكميلية للسنة الحالية، التي صادق عليها البرلمان الشهر المنصرم، ارتفاع الفائض التجاري من 9.1 مليارات دولار في التقديرات الأولية، إلى 11.3 مليار دولار في الموازنة التكميلية، وذلك بفعل ارتفاع الصادرات إلى 52 مليار دولار مقابل 46 مليار دولار في الموازنة الأولى للسنة الحالية، مع استقرار الواردات عند 41.5 مليار دولار، مدفوع بارتفاع عائدات النفط في الثلث الأخير من السنة الحالية.
صداع الحبوب
وفي المقابل، تتزايد المخاوف في الجزائر من أن يتكرر مجددا سيناريو الحرب الروسية – الأوكرانية وما صاحبها وتبعها من ارتفاع لأسعار الحبوب، وتضاعف الضغط على الأسواق العالمية، خاصة وأن الجزائر تعيش منذ الصيف ندرة في الحبوب خاصة البقوليات، ما دفع بالحكومة إلى مسابقة الزمن لتوفير الحبوب، وطرح مناقصات سترفع فاتورة الحبوب.
وفي السياق، أكد وزير الفلاحة الجزائري عبد الحفيظ هني أن "الحكومة وضعت برنامجاً لتوفير الحبوب ومواجهة ارتفاع الطلب الداخلي، وذلك بطرح مناقصات جديدة، تسليم نهاية السنة، تُضاف إلى الإنتاج المحلي، الذي للأسف تأثر بموجات الجفاف".
وأضاف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" عقب عرضه لميزانية قطاعه أمام البرلمان، أن "الأسواق العالمية للحبوب تتأثر بالتطورات الإقليمية، نحن نراقب الأسواق، وطلبنا من ديوان الحبوب اتخاذ التدابير اللازمة لشراء الحبوب بأقل الأسعار عبر تنويع الممونين".
وتُعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح اللين في العالم، وتُعد فرنسا ممونها الرئيس بما قيمته 3 مليارات دولار من القمح سنويا، وتتعامل الجزائر لتوفير الكميات المطلوبة من القمح مع 20 دولة، في مقدمِها فرنسا وروسيا، بالإضافة إلى الأرجنتين، وبولونيا وألمانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وكندا.
وتقدّر وزارة الزراعة الأميركية احتياجات الجزائر من القمح خلال العام المالي الحالي 2023- 2024، بأكثر من 10 ملايين طن، فيما وصل الاستهلاك بالعام المالي الماضي إلى نحو 15 مليون طن.
من جانبه، أكد مدير مركزيّ في الديوان الجزائري للحبوب، عبد الكريم فرقاسي، أن "الديوان وضع كل الاحتمالات لضمان تموين الأسواق بالحبوب والبقوليات، كونه المستورد الحصري لها، وقد طرحنا عدة مناقصات لشراء القمح والبقوليات الجافة والأرز، تسليم نهاية السنة، أي نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول".
ولفت المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" إلى أن "العدوان على غزة ليس وحده المؤثر اليوم على أسعار الحبوب، فالتوترات لا تزال قائمة في البحر الأسود، حيث كبار منتجي الحبوب، وبالتالي كل المؤشرات تحذر من انفلات أسعار القمح في أي لحظة، خاصة وأننا على مشارف شهر الشتاء، الذي يتزايد فيه الطلب العالمي على الحبوب".
لا هدنة في المقاطعة
ورغم دخول الهدنة المؤقتة حيز التنفيذ، بين حماس وإسرائيل، عبر وساطة قطرية- مصرية، إلا أن حملات مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل في الجزائر ترفض "الهدنة التجارية"، بل تتسع دائرتها من يوم إلى آخر.
وبعدما كانت مجرد حملات فردية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت الحملات إلى واقع يؤكده التجار، بعد انخراط المؤثرين والفنانين وحتى السياسيين فيها، انتهت بتبني "فتوى جزائرية" غير مسبوقة توجب مقاطعة الشركات الداعمة للكيان، وقعها علماء ومشايخ جزائريون.
وقال رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرزاق قسوم، إن "المقاطعة الاقتصادية هي صورة من صور نصرة إخواننا في فلسطين، وهي شكل من أشكال المقاومة والنضال، وسلاح ردع فعال، تستمد مشروعيتها، ووجوبها من هذا الظّرف الصعب، فالمقاطعة التجارية الشعبية تعبّر عن موقف صادق جادّ من قبل الشعوب العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية".
أكد مدير مركزيّ في الديوان الجزائري للحبوب، عبد الكريم فرقاسي، أن "الديوان وضع كل الاحتمالات لضمان تموين الأسواق بالحبوب والبقوليات"
وفي المقابل، وعلى الصعيد الشعبي، دفع العدوان الإسرائيلي المتواصل لأكثر من شهرٍ على غزة، بغلاء المعيشة الذي يكوي جيوب الجزائريين المنهكة إلى خلفية المشهد، حيث أشغلتهم الصور والمشاهد الدموية، التي تأتي من غزة بشأن الحديث عن موجات الغلاء التي تعصف بالأسواق الجزائرية.
وهو ما ذهب إليه المواطن عبد القادر نباشي لـ "العربي الجديد"، الذي قال إن "الأسواق الجزائرية تعيش حالة من انفلات الأسعار وندرة بعض المواد، تجعلك تقول إننا نحن في الحرب، ولكن الحمدلله، وندعو لإخواننا في غزة، فما يعيشونه من همجية وقصف ينسيك كل ما تعيشه، ويجعلك تقف صامتا صابرا، فغلاء لقمة العيش لا يمكن مقارنتها بسلب وحشي للحق في الحياة".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي رياض بوكراع إن "الأزمات الخارجية تغطي على الأزمات الداخلية للشعوب، نظراً لتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مناطق النزاع أو المناطق المحيطة بها، فاليوم مثلا الشعب الجزائري كله نسي الموازنة العامة التي تعرض على البرلمان، بالرغم من أنها كانت تفرض نفسها على نقاشات الجزائريين في المقاهي والأسواق، لما تحمله من زيادات في الضرائب والأجور أي ما يهم الجزائريين مباشرة".
وأضاف المتحدث نفسه أن "القضية الفلسطينية أنست الجزائريين شيئا من يومياتهم المعيشية خاصة المتعلقة بالغلاء، إلا أنهم سرعان ما يعدون للواقع بإسقاط معيشتهم على معيشة الفلسطينيين كوسيلة للتعبير عن سخطهم من غلاء المعيشة التي ترجعها الحكومة إلى "التضخم المستورد" أي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية".