تزيد حركة الشحن المرتبكة في البحر الأحمر، من الأعباء التجارية المصرية، إذ تترقب الأسواق زيادة جديدة في أسعار كافة السلع والواردات الأجنبية، بنسب تتراوح بين 5% و8%، مطلع يناير/كانون الثاني المقبل، متأثرة بزيادة تكلفة الشحن في ظل عزوف العديد من شركات النقل البحري العالمية عن عبور البحر الأحمر تجنباً لهجمات الحوثيين في اليمن.
وأكد خبراء في قطاع الملاحة ورجال أعمال أن الزيادة في رسوم الشحن البحري صعدت بين 20% إلى 40% متأثرة بزيادة رسوم التأمين على السفن والشحنات، وارتباك حركة الشحن في البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس، وإعادة الشركات الكبرى جدولة رحلاتها، وذلك في وقت تشهد بالأساس قناة بنما بين الأميركيتين تباطؤاً في مرور السفن بفعل الجفاف الذي أدى إلى انخفاض منسوب المياه في القناة. وتشهد مسارات السفر بين أكبر أسواق التجارة في العالم من جنوب آسيا وشمال أوروبا وأميركا الشمالية تغيرات لافتة بفعل التطورات الأخيرة المتشابكة.
وقال حمادة العجواني عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، لــ"العربي الجديد" إن زيادة قيمة البضائع ترجع إلى عدم وجود سقف زمني لانتهاء الفوضى الأمنية التي تشهدها المنطقة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستهداف الحوثيين السفن الإسرائيلية وغيرها المتعاملة مع إسرائيل والتي دفعت شركات ملاحة عالمية عدة إلى تغيير مساراتها وعدم المرور في البحر الأحمر.
وأشار العجواني إلى أن هذه التطورات تأتي بالتوازي مع تصاعد قيمة الدولار، وعدم قدرة الموردين في مصر على تدبيره من البنوك، وحاجة الأسواق إلى تدفق ملايين الأطنان من السلع التي تحتاجها البلاد، في ذروة الطلب على المشتريات من الخارج.
ويتوقع المستوردون زيادة بأسعار الملابس والسيارات وقطع غيار السيارات والمعدات الصناعية والسلع الهندسية والمكتبية والجلدية والمفروشات والأقمشة والحبوب واللحوم القادمة من اليابان والصين والهند وجبل علي في دبي بالإمارات وأستراليا ونيوزيلندا، التي تعاقد عليها كبار التجار والشركات، لتوريدها للأسواق خلال موسم شهر رمضان الذي يحل في إبريل/ نيسان المقبل والاستعداد لعيد الفطر.
وقال عمرو عصفور، عضو اتحاد الغرف التجارية السابق، في حوار مع "العربي الجديد"، إن اضطراب حركة الملاحة البحرية سيسبب صعوداً عاماً في الأسعار، لن يكون ممكناً التحكم في حدوده، مشيرا إلى أن ذلك جاء أثناء تجهيز الواردات اللازمة لشهر رمضان، الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك من جميع السلع بنسبة تصل إلى 50%.
وأضاف عصفور أن الحكومة دبرت أهم احتياجات المواطنين من السلع الأساسية، وعليها أن تفكر بجدية في توزيع تلك السلع على المواطنين، لتضمن وصولها لمستحقيها بالسعر المناسب، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار سيظل قائماً مع امتداد فترة الحرب على غزة، واضطراب حركة الملاحة والشحن البحري، وتدهور قيمة الجنيه أمام العملات الصعبة.
وتسبب ارتباك حركة الشحن في تعطل تجارة التجزئة القادمة من الصين إلى مصر ودول المنطقة، في فترة حرجة، حيث تستعد الموانئ الصينية إلى تسليم الشحنات المقررة للعملاء على وجه السرعة، قبل حلول شهر فبراير/شباط المقبل، حيث تبدأ أطول إجازة سنوية بمناسبة عيد القمر في الصين، والتي تستمر رسمياً 15 يوما بينما تطول عادة إلى 4 أسابيع.
ووفق حمادة العجواني عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، فإن قيمة الزيادة في تكلفة الشحن تظل صغيرة بالنسبة لقيمة البضائع، بينما المخاطر المحتملة وزيادة قيمة التأمين على الشحنات وارتباك حركة السفن والدخول للموانئ وزيادة مدة التفريغ، هي التي تدفع إلى زيادة كبيرة في الأسعار.
وتواجه شركات الشحن والتوريد ندرة في المخزون، لعدم توافر الدولار بسهولة في البنوك المصرية بما فيها البنوك الحكومية، وسط توقعات بأن تستمر حالة الاضطراب في حركة سفن الشحن إلى شهري فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلين، التي تواكب استيراد كميات هائلة من الواردات من كافة السلع بمناسبة فترة الأعياد.
وفرضت شركات الشحن الألمانية والفرنسية والنرويجية ما بين 250 و1100 دولار، على كل حاوية يجري نقلها إلى مصر ودول الشرق الأوسط عبر البحر الأحمر، اعتبار من يناير/كانون الثاني 2024. ويبحث المستوردون عن بدائل في أسواق أقل تكلفة في الشحن والأسعار.
وقال العجواني إن اضطراب حركة الملاحة في باب المندب دفع الموردين إلى سرعة البحث عن فرص استيراد بديلة لأهم السلع التي يحتاجها السوق المحلي، وخاصة من تركيا وشرق أوروبا، وروسيا، مشيرا إلى أنه رغم زيادة مصاريف الشحن، تظل تلك المناطق أقل كلفة ومخاطرة من الشحنات القادمة من جنوب آسيا.
وتتعرض حركة التجارة العالمية لارتباك شديد، منذ 3 أسابيع مخلفة توابع اقتصادية خطيرة على الاقتصاد المصري الذي يعتمد على توفير معظم مستلزماته من الخارج، تصل إلى 90% من وارداته الزراعية والسلع الأساسية، ونحو 60% لمدخلات الإنتاج.
ورغم تراجع الطلب على حركة الشحن البحري، مع تراجع حركة الواردات من الخارج، وعدم قدرة الموردين الإفراج عن بضائع بقيمة 11 مليار دولار مكدسة داخل منافذ الوصول، منذ عدة أشهر، فإن الاتجاه الصاعد لتكلفة الشحن والواردات سيستمر متأثرة بحالة الاضطراب الجيو-سياسي وندرة الدولار.
وقفزت تكلفة نقل الحاوية بطول 40 قدما من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 16%، منذ أسبوعين. زادت بنسبة 41%، الخميس الماضي، وفقا لمؤشر "دروري ورلد كونتينر إندكس". ويبلغ زمن التأخير في رحلة السفن المارة عبر رأس الرجاء الصالح من بين أسبوع وأسبوعين.
وتلجأ بعض الشركات إلى خفض حمولاتها بنسبة 20%، لتسهيل عمليات السفر في رحلة تستغرق ما بين 40 و60 يوماً من الصين إلى أوروبا بدلاً من 30 إلى 40 يوماً كحد أقصى عند مرورها بالبحر الأحمر وقناة السويس.
ويهاجم الحوثيون السفن التجارية المتجهة لإسرائيل، لمنع إبحارها عبر مضيق باب المندب، بما فرض تغييراً جذرياً على حركة أساطيل الملاحة البحرية المتجه لقناة السويس، بالتوازي مع تباطؤ حركة مرور السفن في قناة بنما بين الأميركيتين، بما يعطل 20% من حركة التجارة الدولية.
كما أعلنت شركات النفط ووكلاء السفن الكبرى، تجنبهم المرور بالبحر الأحمر، خشية التعرض العشوائي لعمليات انتقامية، لتتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني العالمية تصاعد تكلفة الشحن البحري، لحين استعادة ممر البحر الأحمر أمنه.
وغيرت أكثر من 400 سفينة حاويات اتجاهها للعبور حول أفريقيا، مع توقع انضمام مئات السفن الأخرى، في ظل حالة الاضطراب الأمني بمدخل البحر الأحمر، وعدم التوصل إلى حلول حتى الآن مع الحوثيين تمنع عرقلة الملاحة المارة أمام سواحل اليمن.
ويشير خبراء إلى أن طول مسافات النقل البحري سيؤدي إلى فجوة في القدرة العالمية لشحن الحاويات بين 10% و15%، وزيادة الوقت بين غرب أوروبا وجنوب شرق آسيا بنحو 50% عن زمن العبور عبر قناة السويس.