اقترحت مجموعة من الاقتصاديين البارزين خطة لمنع حدوث أزمة ديون أخرى في البلدان النامية، شبيهة بالأزمات المالية التي زعزعت استقرار الاقتصادات في كل من غانا وسريلانكا وباكستان والأرجنتين والعديد من الدول الفقيرة بسبب تداعيات ارتفاع سعر صرف الدولار وتضخم خدمة ديون تلك الدول بالعملات الصعبة.
ويرى الاقتصاديون، أن الدول النامية والفقيرة يمكنها الاستدانة بعملاتها المحلية في الأسواق العالمية، وأن الفائدة المرتفعة على عملاتها ستغري المستثمرين الأجانب بالمخاطرة بشراء سندات الدين، خاصة عندما تكون الفائدة منخفضة جداً في الدول الغنية وغير مغرية للمستثمرين.
والأكاديميون الثلاثة، هم باري آيكنغرين من جامعة كاليفورنيا؛ وريكاردو هاوسمان، وهو وزير فنزويلي سابق وأستاذ حالي في جامعة هارفارد؛ وأوغو بانيزا، الذي يعمل الآن أستاذاً في معهد جنيف للدراسات العليا.
وترى الخطة التي اقترحها الأكاديميون، أن الفوضى المالية التي تضرب الدول النامية والفقيرة تعود إلى ما سموه "الخطيئة الأصلية"، أو الاقتراض بالدولار، وذلك وفقاً لتقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" أمس الخميس.
وقالوا، إن الاقتراض بالدولار يجعل الدول النامية أسيرة للتغيرات في السياسة النقدية الأميركية وأهواء أسواق العملات العالمية، وبالتالي يهدد الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية.
وقال الاقتصاديون الثلاثة، حسب التقرير، إن الحل للتخلص من الأزمات المالية، هو إصدار هذه الدول الديون بعملاتها المحلية عبر طرح سندات في الأسواق الدولية.
وحسب التقرير، انضم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى هذا الاقتراح، وقام فريق مشترك بتدريب المسؤولين الماليين على عملية إصدار السندات بالعملة المحلية ومساعدة الحكومات والبنوك المركزية على شراء البرمجيات وأجهزة الكمبيوتر.
وبسبب الأزمات التي شهدتها أميركا اللاتينية وآسيا في الثمانينيات والتسعينيات، عندما أجبرت القروض المقومة بالدولار عشرات البلدان على التخلف عن السداد أو إعادة هيكلة ديونها، دفعت موجة من الاقتصاديين إلى وضع هذه الخطة لمساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض على الاستدانة مثلما تفعل الدول الأكثر ثراء.
فبدلاً من الاقتراض بالدولار والوقوع رهينة لتقلبات العملة التي قد تجعل الديون غير قابلة للسداد، ستقوم الحكومات بإصدار سندات بعملاتها، كما تفعل الولايات المتحدة أو اليابان. وإذا حدثت أزمة، فيمكنهم الخروج من المشاكل عبر حلول داخلية أو تغيير شروط الدفع دون التعرض للملاحقة القضائية في نيويورك أو لندن أو حجز أصولهم.
ولاحظ الاقتصاديون، أن الحكومات المتعطشة للنقد الأجنبي غرقت في الديون، وباتت مدفوعات الفائدة على الديون المقومة بالدولار تزيد عدة مرات عما تنفقه هذه الدول على الصحة والتعليم وغيرها من المجالات التي يمكن أن تساعد في تعزيز اقتصاداتها. وبالتالي تواصلت دورة الأزمات في هذه الدول، وعرقلت تلقائياً مسارها الاقتصادي والتنموي.
ففي سريلانكا، حيث كان من المقرر أن تنفق الحكومة في هذه السنة المالية ما يقرب من 40% من إيراداتها لدفع الفائدة على الديون بالعملة المحلية فقط، أدت الديون المقومة بالدولار إلى اندلاع أزمة اقتصادية أدت إلى سقوط الرئيس جوتابايا راجاباكسا في العام الماضي.
كما أنفقت غانا في عام 2022 ثلث إيراداتها لدفع الفوائد على ديونها المحلية، حيث ارتفعت أسعار الفائدة على أذون الخزانة المحلية لمدة ثلاثة أشهر إلى 36%.
وبلغت مدفوعات الفائدة على ديونها المحلية ثلاثة أضعاف ما دفعته على رصيد مماثل من الديون الخارجية، وأكثر مما خصصته الميزانية للتعليم والرعاية الصحية مجتمعين.
ويرى الاقتصاديون الثلاثة أن العائد الكبير في الدول النامية حينما كانت أسعار الفائدة على العملات الغربية قريبة من الصفر، دفعت المستثمرين الأجانب لشراء سندات بالعملات المحلية في بعض الدول الأفريقية.
ويقول التقرير، عندما عرضت غانا ديونها خلال حملات ترويجية في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأت صناديق التحوط تتساءل متى يمكنها الاستثمار في سندات غانا بالعملة المحلية.
في هذا الصدد، قال صامويل منساه، الذي حضر العديد من هذه الحملات الترويجية بصفته مستشاراً للحكومة الغانية بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية: "كان الجميع يبحثون عن العائد دون إيلاء الكثير من الاهتمام لاستدامة الديون التي تم تراكمها".