بدت العمالة في الشركات والمؤسسات المستهدفة بالمقاطعة في الأردن ورقة ضغط في يد القائمين على هذه الشركات في وجه دعوات مقاطعة سلع الشركات الأميركية والأوروبية، تحديداً التي تدعم بلدانها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنه مثل ما انتشرت حملات توفير السلع البديلة، عرضت أيضا الكثير من الشركات الوطنية فرص عمل بديلة للأشخاص الذين يُسرّحون من الشركات المستهدفة بالمقاطعة.
وتكثف الشركات الأردنية، الحاصلة على حقوق امتياز من شركات أجنبية وعالمية كبرى لاستخدام اسمها التجاري والعمل تحت مظلته، حملاتها لاقناع المستهلكين بأنها شركات وطنية، فيما يقوم منتجون محليون بحملات موازية لترويج منتجاتهم وتقديمها بديلا أمثل عن السلع المستوردة، وخاصة من الولايات المتحدة ودول غربية.
وأعلنت شركات محلية ارتفاع حجم مبيعاتها منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا على غزة بسبب نجاح حملات المقاطعة للسلع المستوردة والمنتجة من منشآت حاصلة على حق استخدام علامات وأسماء تجارية عالمية، فيما تقول هذه المنشآت إن حجم مبيعاتها تراجع بشكل كبير في السوق الأردنية وإن العاملين لديها باتوا مهددين بالتسريح، وبادرت بتنظيم حملات إعلامية وإعلانية في وسائل الإعلام الأردنية للتعريف بأنها منشآت برأس مال محلي وأنها لا تدعم الاحتلال وتدين الحرب على قطاع غزة.
ومن تلك الشركات من أعلنت عن تقديمها تبرعات لصالح قطاع غزة وإرسال مساعدات إنسانية من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية، التي تعمل على إيصال المعونات إلى غزة عن طريق معبر رفح بالتنسيق مع الجانب المصري.
وفي إطار تداعيات المقاطعة، فقد أعلنت شركات أردنية استعدادها لتشغيل الأشخاص الذين يُستغنى عنهم من قبل الشركات التي تتعرض للمقاطعة وهي تعمل في نفس المجال مثل المنشآت الغذائية.
وشملت المقاطعة أيضا منشآت تعمل في قطاعات المحروقات والمواد الغذائية والكهربائيات وغيرها، إضافة إلى السلع المستودرة من الخارج والماركات العالمية. وقال رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير لـ"العربي الجديد" إن السوق الأردنية تزخر بالمنتجات والسلع المحلية بمواصفات جودة عالية، تماثل السلع المثيلة المستورة وتفوقها أحيانا في المواصفات وبأسعار أقل.
وأضاف الجغبير أنه قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت هناك جهود تبذل لزيادة حصة المنتجات المحلية في سوقها، وذلك من باب المصلحة الاقتصادية التي يفترض أن يعمل الجميع على أساسها دعما للاقتصاد الوطني بشكل عام.
وأكد أن دعم الصناعة الوطنية والمنتجات المحلية يعني تعزيز الوضع الاقتصادي من حيث زيادة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل بما يحد من الفقر والبطالة، وكذلك المحافظة على المخزون من العملات الأجنبية وتنشيط بيئة الأعمال، إضافة إلى زيادة الجاذبية الاستثمارية للأردن.
وأشار إلى أنه جرى إطلاق العديد من الحملات سابقا، والعمل مستمر بها لزيادة حصة الصناعة الأردنية في السوق المحلية ومن ذلك حملة صنع في الأردن، مشددا على أن مصلحة الاقتصاد الوطني تتطلب الإقبال على شراء السلع المحلية المختلفة في مختلف الأوقات، ما دامت تلك المنتجات متوفرة.
ولفت إلى أن جائحة كورونا وتداعياتها أظهرت الحاجة إلى دعم المنتج الأردني لضمان توفره في السوق أيا كانت الظروف الطارئة والمستجدة. ووفقا للبيانات الإحصائية، فإن الأردن لديه اكتفاء ذاتي في العديد من السلع وخاصة الغذائية، مثل الألبان والأجبان، اللحوم، الدواجن وبيض المائدة، تعبئة وتنقية المياه، المواد الغذائية والبقولية المعلبة، الورق الصحي ومواد التعبئة المستخدمة ضمن المستهلكات المنزلية، الأدوية البشرية، الأدوية البيطرية، المعقمات والمطهرات، المنظفات والأسمدة والمبيدات. كما أن هناك اكتفاء ذاتياً لعدة أشهر من الخضار والفواكه والزيت والزيتون.
وتقدر حصة الإنتاج الأردني من الاستهلاك المحلي الكلي بنحو 42% بواقع 11.9 مليار دينار (16.66 مليار دولار) من إجمالي استهلاك السوق المحلية البالغ سنوياً نحو 28.2 مليار دينار (39.48 مليار دولار).
ويستهدف برنامج "صنع في الأردن" زيادة حصة المنتجات الوطنية في الأسواق المحلية وزيادة الصادرات الوطنية بنسبة 15% سنويا في بعض القطاعات ذات الميزة التنافسية. ويقدر عدد المنشآت الصناعية في المملكة بحوالي 17 ألف منشأة صناعية، بحجم استثمار يقدر بـ 15 مليار دينار (22 مليار دولار) توفر قرابة 254 ألف فرصة عمل.
وتبلغ مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي 25%، وينتج القطاع الصناعي 1500 سلعة، بينما تصل حصة الصناعة إلى 46% في السوق المحلية و17 مليار دينار إجمالي الإنتاج القائم.
في المقابل، يقول مسؤولون في القطاع التجاري إن المنشآت التجارية والخدمية التي تتعرض للمقاطعة في الأردن هي شركات محلية برأس يعود لأردنيين وتساهم في توفير عدد كبير من فرص العمل ودعم الاقتصاد الوطني، مشيرين في تصريحات متوالية إلى أن هذه المنشآت تشغل عشرات آلاف الأردنيين في العديد من القطاعات وترفد خزينة الدولة بالايرادات، وأن تضررها سيعود بنتائج سلبية على الوضع الاقتصادي.
وقال الخبير الاقتصادي هاشم عقل لـ"العربي الجديد" إن المقاطعة، وإن كانت تعبيراً شعبياً عن إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والدعم الذي تقدمه للاحتلال الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، إلا أنها تنطوي على مخاطر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي من حيث تعريض المنشآت التجارية المحلية للخسائر وربما الإغلاق، وكذلك تسريح العاملين لديها.
وأضاف عقل أن المنشآت التجارية التي تعمل بأسماء أجنبية هي برأس مالي محلي وتشغل أعداداً كبيرة من الأردنيين في مختلف المجالات، فيما هنالك سلعة مستوردة لها مثيل في السوق المحلية التي يمكن أن تستفيد من خلال ارتفاع حصتها في السوق الأردنية.