أثار مشروع قانون جديد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بدأ مجلس النواب الأردني بمناقشته، الثلاثاء الماضي، حالة من القلق والجدل في الشارع، بعدما أعلن عدد من النواب رفضهم لهذا التشريع، لكونه - من وجهة نظرهم - يعطّل الاستثمارات، وينال من السيادة الأردنية، ويمكن بموجبه اعتبار المقاومة، وخاصة الفلسطينية، منظمات إرهابية، استناداً إلى ارتباط القانون بمواثيق واتفاقيات دولية.
ورغم محاولات الحكومة المتكررة للدفاع عن القانون، فإنّ حالة من الاستياء سادت بين عدد كبير من أعضاء مجلس النواب، ممن يضغطون بقوة لإلغاء بعض النصوص الواردة في مشروع القانون، وخصوصاً ما يتعلق بتمويل الإرهاب والتوسع بالفئات المشمولة بغسل الأموال لغايات التدقيق والمتابعة.
وأوردت الحكومة في سياق تقديمها لمشروع القانون أنّه جاء تلبية لمتطلبات الالتزام الفني بالمعايير الدولية الصادرة عن مجموعة العمل المالي في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح والمنهجية الخاصة بها وفقاً لنتائج عملية التقييم المتبادل للأردن ولتجنب الآثار السلبية لعدم تحقيقه تقدماً ملموساً خلال عملية المتابعة المعززة التي ستنعكس على النظام الاقتصادي والمالي لها.
وكما جاء في المشروع، بحسب الأسباب الموجبة التي أقرتها الحكومة، ستجري توسعة نطاق الفئات المشمولة بأحكام القانون، وتحديد الجهات الرقابية والإشراقية والجهات المختصة فيه، وتوسيع صلاحيات اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحديد مهام وحدة المعلومات المالية وصلاحياتها.
وكان النائب، ونقيب المحامين الأسبق، صالح العرموطي، من أكثر النواب انتقاداً وهجوماً على القانون، واصفاً تطبيقه في الأردن بالمصيبة، وأنّ إقراره سيكون يوماً قاتماً. وقال العرموطي إنّ مشروع القانون ينطوي على كثير من المخاطر التي تمسّ السيادة الوطنية، مشيراً إلى أنّ قرارات مجلس الأمن ملزمة للأردن بتحديد أيّ شخص كإرهابي استناداً إلى التزامات الأردن الدولية وما جاء في مشروع القانون. وأضاف أنّ "القانون" من شأنه إلحاق الأذى بالأردنيين، وببيئة الاستثمار بشكل عام، إذ سيخلق حالة من الرعب لدى المستثمرين من خلال الآليات التي ستطبق للتحقق من عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وانتقد العرموطي، الذي يرأس كتلة الإصلاح المحسوبة على التيار الإسلامي في مجلس النواب، توقيت مناقشة القانون، وذلك بعد فترة قريبة من إقرار معاهدة الدفاع المشترك التي وقّعت بين الأردن والولايات المتحدة والتي تعطي الجيش الأميركي حرية الحركة في الأراضي الأردنية. وذهب العرموطي إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله إنّ القانون "فضفاض، وقد تشمل بنوده تجريم حركات المقاومة الفلسطينية واعتبارها إرهابية بما فيها السلطة الفلسطينية"، ذلك أنّ القانون يخضع لأيّ قرارات يتخذها مجلس الأمن الدولي وينصاع لها. ودعا زملاءه في مجلس النواب إلى عدم إقرار مشروع القانون ورده إلى الحكومة.
ويمنح مشروع القانون المدعي العام المختص صلاحية حجز الوسائط والأدوات المستخدمة أو المنويّ استخدامها في جرائم غسل الأموال أو الجرائم الأصلية المرتبطة بها أو جرائم تمويل الإرهاب، وإلزام جميع الجهات المختصة بتزويد المدعي العام بما يطلبه من سجلات ومعلومات وبيانات خلال المدة التي يحددها لذلك، إضافة إلى إنشاء مكتب لإدارة الأموال المحجوزة والأصول المصادرة يتبع النائب العام مباشرة، وفق نظام يصدر لهذه الغاية، إذ تشمل مهامه إدارة الأصول المحجوزة أو المصادرة بما يضمن الحفاظ على قيمة هذه الأصول.
وفي المقابل، قال وزير الدولة للشؤون القانونية، محمود الخرابشة، في تصريحات صحافية، أخيراً، إنّ الحديث عن المتطلبات الدولية في مشروع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2020، لا يعني الخضوع لمتطلبات دولية.
من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الأردني، ماهر الشيخ، إنّ مشروع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليس جديداً، بل هو قائم منذ عام 2007، وما حصل هو مشروع قانون يتضمن ما تضمنه القانون عام 2007 مع النواقص، فالقانون جزء من منظومة يلتزمها الأردن بموجب اتفاقيات دولية. وأضاف أنّ الأردن خلال عامي 2018 و2019 كان محل تقييم دولي لمدى التزامه المعايير الدولية المتعلقة في هذا المجال.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، إنّ التوسع في تطبيق الإجراءات التي تستهدف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من دون مبرر، من شأنها التضييق على حركة الأموال التي تجري أصلاً بطريقة مشروعة ومعروفة المصادر، ما يؤثر في المزاج العام للمستثمرين، ويضعف اهتماماتهم بالبيئة الاستثمارية في الأردن. وأضاف لـ"العربي الجديد" أنّ بعض التعديلات الواردة في القانون تخلق حالة من القلق وتعطي مؤشرات سلبية على أنّ الأردن بلد تكثر فيه حالات غسل الأموال، وهذا غير صحيح، إذ وضعت الحكومة ضوابط منذ سنوات طويلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال إنّ من المخاطر الأساسية أيضاً أنّ الأردن كبقية البلدان ملزم بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، وبالتالي يمكن مجلس الأمن اعتبار أيّ من فصائل المقاومة في فلسطين منظمات إرهابية، وتُطبَّق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتُدرَج في هذا السياق.
وفرضت الصراعات ومناطق النزاع واتساع نطاق تجارة المخدرات في المنطقة تحديات كبيرة على الأردن الذي يبذل جهوداً استثنائية لمكافحة جرائم مالية أبرزها غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستويين المحلي والخارجي. وما زاد حجم التحديات، بحسب مراقبين وتقارير رسمية، وجود بيئة خصبة لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من أهمها التشابك العائلي مع بلدان مجاورة، ما يتيح إمكانية تحويل الأموال بطرق متعدّدة.
وأظهرت نتائج التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال في الأردن أنّ مستوى المخاطر الكلي لغسل الأموال في البلاد مرتفع، ومستوى تهديد تمويل الإرهاب متوسط.
ووفقاً للنتائج التي خلصت إليها اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأردنية، ووفق تقرير نشرته "العربي الجديد" أخيراً، يقع الأردن في مركز سوق إقليمي للاتجار بالمخدرات تبلغ قيمته نحو 1128 مليار دولار تقريباً. وبحسب تقرير للجنة، تقدّر قيمة المتحصلات المالية الناتجة من الجرائم المرتكبة في الأردن بنحو 1.33 مليار دولار سنوياً، أو ما نسبته 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً للتقرير، تقدّر قيمة المتحصلات الناتجة من جرائم التهرب الضريبي والسطو والسرقة والاتجار بالمخدرات والفساد والرشوة بما نسبته 93% من المتحصلات المحلية للجرائم الأصلية، فيما النسبة الباقية، وهي نحو 7%، مرتبطة بالجرائم الأخرى، بما فيها الاحتيال والتهريب.