تترقب الأسواق الليبية تحديد سعر للدولار في إجراء عمليات الاستيراد من أجل ضبط أسعار مختلف السلع التي تشهد انفلاتاً وشحاً في المعروض، منذ تطبيق البنك المركزي في مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري، سعراً جديداً للصرف انخفض بمقتضاه الدينار الليبي بأكثر من 200% أمام العملة الأميركية.
وتحدد سعر العملة الليبية بـ 4.48 دنانير للدولار الواحد، مقابل 1.4 دينار للدولار سابقاً، ليقترب السعر الرسمي حالياً من القيمة التي يجري التعامل بها في السوق السوداء، إلا أن الخفض الكبير في قيمة العملة الليبية أعقبه ارتباك شديد في عمليات الاستيراد، ليُقدم تجار على تخزين العديد من المنتجات، لتشهد أسعارها ارتفاعاً لافتاً، ويتقلص مخزون سلع رئيسية، منها الدقيق، ما سبّب توقف أغلب المخابز في الدولة خلال الأيام الماضية.
وأفصحت وزارة المالية في حكومة الوفاق الوطني عن اعتزامها العمل بنظام "الدولار الجمركي" وتحديد سعره شهرياً، وذلك لضبط مستوى الأسعار والمحافظة على القوة الشرائية للدينار، في ظل العمل بسعر الصرف الجديد.
وأشارت الوزارة في رسالة إلى رئيس الحكومة فائز السراج، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إلى أن "الدولار الجمركي سيسهم في انخفاض الأسعار وحماية الإنتاج المحلي".
وتستورد ليبيا نحو 85% من احتياجاتها من الخارج، وفق مدير الإدارة التجارية في وزارة الاقتصاد بحكومة الوفاق مصطفى القدار، الذي أكد في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أن مؤشر التضخم ارتفع 25% خلال يناير/ كانون الثاني، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار شمل المنتجات الأساسية، منها الزيت وطحين المخابز والسكر وغيرها.
وقال الخبير المالي عطية الفيتوري، في تصريحات خاصة: "بعد ارتفاع سعر الصرف، أصبح من الضروري العمل بنظام الدولار الجمركي وتحديد سقف الرسوم التي تفرض على البضائع المستوردة للحفاظ على استقرار أسعار السلع".
وأضاف الفيتوري أن الهدف من نظام الدولار الجمركي تثبيت سعر صرف العملة الأميركية مقابل الدينار الليبي عند احتساب الرسوم الجمركية المستحقة على السلع المستوردة لفترة زمنية محددة، وذلك بهدف ضبط أسعار السلع والحد من آثار التضخم.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة طبرق، علي الصلح، إن هناك العديد من الدول لجأت إلى آلية الدولار الجمركي، وخاصة بعد تحديد قيمة جديدة لعملتها أو تعويمها، مشيراً إلى أن هذه الآلية يمكن أن تساهم في استقرار الأسعار بالأسواق.
لكن المحلل المالي سالم احميدة، رأى أن الأسعار ستواصل الارتفاع بعد رفع قيمة الدولار أمام الدينار، مشيراً إلى أن ضعف الرقابة على الأسواق سيسمح للتاجر بزيادة الأسعار، ما يؤدي إلى مزيد من التضخم.
بدوره، أعرب الخبير الاقتصادي أبو بكر الهادي، عن تحديد سعر للدولار الجمركي، مشيراً إلى ضرورة أن يأتي في إطار حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تستهدف مواجهة الغلاء، مشيراً إلى أنه لا بد أيضاً من معالجة مشكلات صغار التجار، ما يسهم في استقرار الأسعار على المدى القريب.
وتعيش ليبيا أزمة مالية، من جراء تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد وعدم الاستقرار السياسي والأمني مع تراجع أسعار النفط عالمياً. وتمثل عائدات النفط أكثر من 90% من إيرادات الموازنة، وتراجعت كثيراً بسبب الإغلاق المتكرر للحقول والموانئ.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الخسائر الناجمة عن الإقفالات غير القانونية للحقول والموانئ النفطية، خلال الفترة من 2013 إلى 2020، تقدَّر بحوالى 180 مليار دولار.
وانكمش الاقتصاد الحقيقي بنسبة 55% مع نهاية العام الماضي 2020. وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 66.6%، فيما ارتفع الدَّين العام بنسبة 150% من الناتج المحلي وفقاً لبيانات صادرة حديثاً عن وزارة المالية.