قبل أيام كشفت بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ارتفاع أسعار الغذاء العالمية لأعلى مستوى في 10 سنوات خلال 2021، فقد زادت الأسعار بشكل لافت وفاحش، بسبب جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي وأدت إلى تعطيل الإنتاج في الكثير من الأنشطة والقطاعات الحيوية.
كما تفاقمت الأزمة وسط زيادة في الطلب على السلع والأغذية خاصة من قبل الدول الصناعية والعربية، وارتفاع أسعار الشحن، وغلاء الأسمدة، وسوء الأحوال الجوية، وتوقعت مؤسسات دولية استمرار زيادة أسعار الأغذية في العام الجاري مع سوء الأحوال الجوية والتغيرات المناخية وأزمة الوقود وسلاسل التوريد، وأن ذلك سيستمر حتى في حال تراجع التضخم في بعض أنشطة الاقتصاد الأخرى.
ووفق المنظمة الأممية فإن المناطق النامية باتت تواجه زيادات حادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الحبوب والدهون الحيوانية والزيوت النباتية والبذور الزيتية، وأن عددا متزايدا من الدول، 53 بلدًا حاليًا، تنفق فيها الأسر أكثر من 60% من دخلها على الضروريات الأساسية مثل الأغذية والوقود والمياه والسكن.
وحذّرت الفاو من أن ارتفاع أسعار الأغذية والوقود قد يكون له تأثير سلبي للغاية على المستهلكين الفقراء، وحثّت الحكومات على "اليقظة" بشكل خاص في هذا الصدد.
تحذيرات الفاو تدق مرة أخرى ناقوس الخطر بشأن الحاجة الملحة لتحقيق الأمن الغذائي العربي في ظل قفزات أسعار الأغذية والتي يعد العرب أبرز مستورديها، وزيادة عدد الجوعى في المنطقة ما لم تنشط الحكومات في برامج الحماية الاجتماعية.
وحسب الأرقام فإن قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية بلغت نحو 100 مليار دولار سنوياً، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في مايو/ أيار 2020، بزيادة 10 مليارات دولار عن أرقام 2016.
كما تقول الأرقام إن مصر تستورد أغذية تتجاوز قيمتها 16 مليار دولار سنويا، وأنها باتت أكبر مستورد للقمح والزيوت في العالم، وهي التي كانت ذات يوم سلة خبز الإمبراطورية الرومانية، ومصر تستورد 60% من المنتجات الغذائية طبقًا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي، وبذلك تعد أكبر سوق استهلاكي للقمح والأغذية في منطقة الشرق الأوسط.
يتكرر هذا الأمر مع دول عربية أخرى منها السعودية والإمارات والمغرب وتونس والجزائر والعراق والتي تصنف ضمن أكبر الدول استيرادا للغذاء في العالم. بل إن هناك 9 دول عربية استوردت نحو 40.2 مليون طن من القمح خلال العام 2019-2020، وهو ما يمثل 21.9% من واردات القمح العالمية.
والأخطر أن هناك عددا من الدول العربية باتت غير قادرة على تدبير النقد الأجنبي اللازم لتمويل واردات القمح والدقيق والسكر، وهو ما يجعلها عرضة لمخاطر الجوع كما يحدث في اليمن.
فاتورة الواردات الغذائية في العالم مرشحة للارتفاع إلى مستوى قياسي في عام 2022، وارتفاع أسعار الأغذية المتواصل لا يسعد المواطن العربي، لأنه في نهاية المطاف هو وحده من يتحمل نتائج إهمال الحكومات العربية لملف الأمن القومي الغذائي والتركيز على قطاعات وأنشطة لا تمثل أولوية للمواطن والاقتصاد مثل المنتجعات السياحية والمباني الفاخرة والمولات التجارية والعقارات والوحدات السكنية والقطارات الفارهة وغيرها.
لا أمل من الكتابة عن ملف الغذاء والطعام باعتباره واحداً من أهم الملفات التي تحظى باهتمام كل حكومات العالم، ولا أمل من سرد الأرقام التي تكشف عن تعرض دول المنطقة لكارثة اسمها "فقدان الأمن الغذائي واحتمال التعرض لخطر الجوع"، أو من التذكير بأن العرب يمتلكون بالفعل الإمكانات التي تؤهلهم لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأغذية.
فالأراضي موجودة في السودان ومصر والجزائر والعراق وسورية والأردن وغيرها، والتمويل ومليارات الدولارات والأموال الضخمة موجودة لدى دول الخليج التي تستثمر صناديقها السيادية أكثر من ألفي مليار دولار في البنوك الغربية بسعر فائدة متدنٍ قد لا يتجاوز 1% سنويا، والأيدي العاملة الرخيصة موجودة في مصر والجزائر والسودان واليمن، وتكنولوجيا الزراعة والري الحديثة يمكن جلبها بسهولة من الخارج.
يبقى فقط توافر الإرادة السياسة التي تصر على أن تكون تابعة للغرب الذي تلقي دوله لها من آن لأخر بمساعدات عبارة عن أغذية فاسدة وقمح منتهي الصلاحية وذرة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وإن صلحت تكون بمقابل سياسي، فهل آن الأوان للحكومات العربية أن تهتم بقطاع الزراعة والأغذية، وأن تضمن الأمن الغذائي لمواطنيها وتسد الفجوة بين إنتاج الغذاء واستهلاكه، وأن تتخلى، ولو مؤقتاً، عن مشروعات العقارات و"اللقطة" التي تسعى من خلالها إلى الدعاية والترويج لنفسها حتى لو جاء ذلك على حساب الأمن القومي الاقتصادي وصحة المواطن والاستقلال السياسي والاقتصادي للدولة.
الأغذية والأدوية والسلاح هم أهم ثلاثة أسلحة تمتلكها الدول، وبالتالي فإن من يملك تلك الأسلحة يقود العالم ويفرض رأيه عليه، وأكبر دليل الولايات المتحدة وروسيا أكبر منتجين للغذاء في العالم، أما المستهلكون فسيظلون تابعين وجوعى وفقراء ومتسولين.