كانت من أخطر المناطق العراقية وأكثرها سخونة حتى سنوات قريبة، وها هي الأنبار اليوم تجذب المستثمرين والعمال، وتحاول ترميم اقتصادها المأزوم. تقف عوامل عديدة وراء هذا التحول. الاستقرار الأمني كان المساهم الأكثر فاعلية في انتقال هذه المحافظة الواقعة غربي العراق إلى منطقة جاذبة للعمل والمشاريع.
تعد الأنبار من ضمن المنطقة التي وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" في العراق بين صيف 2014 وحتى نهاية 2017. شهدت نتيجة لذلك تراجعاً في الخدمات وخراباً كبيراً طاول جميع مرافقها وبناها التحتية وأغلب أحيائها السكنية والقرى. وبعد أكثر من ثلاث سنوات على تحريرها، تحولت الأنبار إلى نقطة جذب مهمة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والباحثين عن العمل من العراقيين، فضلا عن إقبال كبير من قبل شركات عربية وأجنبية للحصول على حصة من مشاريع إعادة الإعمار.
إذ "ينشط مندوبو شركات محلية وأجنبية في الأنبار سعيا لنيل فرصة استثمارية، وهو دليل على مستقبل واعد بالنسبة لهذه المدينة"، وفق ما يقول علي محيي الدين زاده، وهو مندوب لشركة تركية تعمل في مجال الإعمار.
زاده، الذي تسعى شركته لاتفاق حول إنشاء مشروع سكني حديث في الأنبار، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن شركتين تركيتين سبقتا شركته إلى الأنبار في مجال الإعمار وقطاع الإسكان، مبيناً أن "المحافظة فيها فرص استثمار كبيرة، ويمكن القول إن أهلها يرغبون ببدء إعمارها والدخول في حقبة جديدة تختلف عن المرحلة السابقة الغارقة بتفاصيل الحرب والهشاشة الأمنية، وهو ما يفتح المجال لعدد كبير من الشركات لاستهداف هذه المحافظة بمشاريع مختلفة".
إذ في فبراير/ شباط الماضي، أعلنت إدارة المحافظة عن مشروع مطار الأنبار الدولي، مؤكدة أن شركة أميركية انتهت من التصاميم الخاصة بالمطار الذي سيبنى على مساحة تصل إلى 300 دونم، ويخصص جزء منه للشحن الجوي، بحيث يستقبل مليون طن سنوياً في المرحلة الأولى، وما زالت إدارة المحافظة تبحث مع مستثمرين بشأن الاتفاق على إنشاء المطار ومدة الاستثمار التي ستمنحها للجهات المنفذة. لكن المحافظ علي فرحان الدليمي قال، في وقت سابق، إن المباحثات حول المطار وصلت إلى مرحلة متقدمة.
ويتوقع أن يكون للمطار بعد تجاري مهم بسبب إمكانية خدمته محافظتي صلاح الدين ونينوى فضلا عن قربه من الأردن والسعودية.
وكذلك يتم إنشاء مدينة إدارية وأخرى سكنية ومنتجع سياحي فازت به شركة كورية جاءت إلى العراق أخيراً، فيما يستعد مسؤولون في وزارة النفط لفتح باب الاستثمار في حقل عكاز الغازي، غرب المحافظة، أمام الشركات الأجنبية، بعد فشل المفاوضات لاستئناف شركة كوكاز عملها في الحقل، بعدما انسحبت من المشروع عام 2014 عقب اجتياح تنظيم داعش للأنبار.
وقال الخبير الاقتصادي طه المعيني إن المحافظة لا تمتلك أي مقومات مالية، فالموازنة الاتحادية لا تخصص لها ما يكفي لإنشاء مشروع واحد، لكن إدارة المحافظة تعتمد على جذب الاستثمار ومنح تسهيلات للمستثمرين، ومفتاح كل ذلك الأمن، لذلك هناك نجاح يساعد فيه توفر اليد العاملة ورخص المواد وسرعة الإنجاز في الكثير من المشاريع.
وأضاف المعيني، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن واردات المنافذ الحدودية البرية بإمكانها توفير مبالغ مهمة للمحافظة، خاصة بعد إعادة افتتاح منفذ النخيب مع السعودية من جهة الأنبار.
وأشار إلى أن "عمل المنافذ الحدودية البرية بشكل مستمر سبب مباشر لإنعاش اقتصاد المحافظة، حيث وفرت فرص عمل كبيرة وأنعشت المناطق الواقعة على الطرق الدولية المؤدية إلى المنافد الحدودية والمنشآت العاملة عليها، من مطاعم وأسواق ومصالح عديدة، منها المرتبطة بصيانة السيارات وغيرها. كما تمتلك المحافظة وفرة في عدد كبير من المعادن الثمينة التي ترغب كبرى الشركات العالمية المتخصصة في مجالات التعدين والصناعات بالاستثمار فيها".
بدوره، أكد حسن الدليمي، وهو صاحب مكتب لتجارة العقارات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك حركة اقتصادية داخل الأنبار تتعلق بـ"مشاريع سكنية وصناعية وبنى تحتية، وأخذت المشاريع تنفذ في مناطق صحراوية بعيدة عن مركز المدينة"، مبينا أن هذه المشاريع "رفعت أسعار العقارات في مناطق صحراوية لم تكن ذات قيمة".
وأضاف: "وراء هذا النمو يقف ارتفاع نسبة الأمان وحاجة المحافظة لهذه المشاريع"، لافتاً إلى أن المحافظة تشهد مشاريع عملاقة، منها مشروع المطار ومشروع المدينة الرياضية.
وأوضح أن أسعار الأراضي السكنية التي كانت تراوح بين عشرة ملايين وخمسة عشر مليون دينار (بين 6800 و10 آلاف دولار)، ارتفعت خلال عام واحد أكثر من الضعف، "كذا نشهد ارتفاعا في الطلب على قطع الأراضي الزراعية وقطع الأراضي السكنية ذات المساحات الكبيرة التي تصل إلى أكثر من ألف متر مربع".
وتسببت الحركة العمرانية في محافظة الأنبار بتوفير فرص عمل، ما جعلها قبلة للعاطلين والباحثين عن عمل من محافظات أخرى، وفق ما قال صالح هلال، الذي فضل القدوم إلى الأنبار على البقاء في العاصمة بغداد، مفيدا في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "بغداد مزدحمة بالباحثين عن العمل من محافظات مختلفة، خاصة مع تفشي البطالة كثيرا خلال الأعوام الأخيرة".
وبحسب التقارير الرسمية، تبلغ نسبة البطالة في البلاد أكثر من 20 في المائة، لكنها ارتفعت إلى أكثر من 40 في المائة بسبب تداعيات فيروس كورونا. هلال، وهو من سكان البصرة، أبعد مدينة في جنوبي العراق، لفت إلى أنه يمارس مهنته التي يتقنها في التمديدات الصحية، مشيراً إلى أنه يسكن في مقر العمل رفقة مجموعة من العمال الذين قدموا من عدة محافظات. أما زميله ناظم جمعة، الذي يعمل في مجال الحدادة بأحد المشاريع، فهو من سكان محافظة بابل، وقال لـ"العربي الجديد"، إنه يفكر في اصطحاب أسرته للاستقرار في الأنبار، وأضاف "أجد هنا استقرارا في العمل، وعدد المشاريع في ازدياد والأجور جيدة، وهو ما أفتقده في محافظتي".