يرى العراقيون أنفسهم اليوم يسيرون في طريق مجهول، بانين تصوراتهم تلك على ما يمرون به من أوضاع أمنية متردية، تبدأ بطموح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في توسيع نفوذه إلى مناطق أخرى، بعد أن ضمن سيطرته على ثلث مساحة وطنهم منذ صيف العام الماضي، والانعكاسات السلبية لهذا التوسع على الواقع العراقي، ولا تنتهي عند العنف الذي تتبناه المليشيات المسلحة ضد من تراه لا يدين لها بالولاء، ما يدفع المواطنين إلى تقشف إجباري انتظارا لما ستؤول إليه أوضاع البلاد.
وبات العراقيون يجدون حيناً أن مشاكل الحياة اليومية برغم كبر حجمها، ثانوية أمام الخطر المحدق بهم، من قبل "داعش" و"المليشيات"، وحيناً آخر ينتفضون ضد المشاكل هذه بمظاهرات لا تلقى لها آذاناً صاغية، فيعودون أدراجهم للوقوف بصمت، عاجزين عن إيجاد حلول.
وأمام كل هذه العقبات اختار العراقيون التقشف في حياتهم اليومية، وتقليل النفقات والاعتماد على شراء ما يرونه ضرورة ملحة.
وأمام كل هذه العقبات اختار العراقيون التقشف في حياتهم اليومية، وتقليل النفقات والاعتماد على شراء ما يرونه ضرورة ملحة.
وعلى أكداس من الملابس المستوردة، في مخزن للملابس بسوق "الشورجة" التجاري وسط العاصمة العراقية، يغفو مجموعة من "العتالين"؛ فكساد البضائع بسبب قلة الشراء يجتاح السوق الأشهر في العراق.
وبحسب عدنان الكرخي، أحد تجار السوق، فالناس ما عادوا يقبلون على شراء الملابس كما كان الحال منذ عام في أقل تقدير، موضحاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الأوضاع الأمنية أثرت بشكل سلبي على جميع المهن، ومنها تجارة الملابس، الناس يعتقدون أن الآتي أسوأ وعليهم توفير المال لأزمات المقبلة".
بدوره، يرمي خالد مريوش، الذي شارك في مظاهرة بشارع المتنبي في بغداد قبل أسبوع، للمطالبة بتوفير ما سماها "أبسط الخدمات"، ثقل اتهاماته على الحكومة العراقية؛ مبينا في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "بينما الشعب يُقتل أبناؤه بالمعارك مع داعش تتركنا الحكومة عرضة للهلاك؛ بسبب قطع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، وغلاء المعيشة، والمياه الملوثة والبطالة وانعدام الخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحكم المليشيات المسلحة بمصائر الناس".
وأضاف: "ما عدنا نعرف كيف نتصرف، لا مناشداتنا تنفع ولا التظاهرات! وهم (المسؤولون في الحكومة) همهم مناصبهم والمكاسب التي تنهال عليهم منها، وكل ذلك على حسابنا"، مستطرداً بالقول: "صرنا نتجنب الجلوس في مقهى؛ حرصاً منا على توفير ثمن فنجان قهوة، قد نحتاج إليه لاحقاً".
ومن شعار "كلا كلا للباطل" إلى شعار " أين المليارات التي أُنفقت على الكهرباء" ومن شعار "أين وعود الانتخابات؟" إلى شعار "نريد حقوقنا"، وجد هيثم عبد الرحيم، المعلّم المتقاعد، نفسه في دوامة من العبارات، يحملها في كل يوم جمعة مع رفاقه المؤمنين بحرية التعبير، في وقفات احتجاجية يقيمونها بشارع المتنبي وسط العاصمة العراقية.
عبد الرحيم، ومنذ ما يزيد على خمسة أشهر اكتشف أن لا صدى لصوته الذي بَحّ من ترديد شعارات تطالب بالحقوق، سوى بين رفاقه الهاتفين معه، فقرر التقاعد من التظاهر، مثلما تقاعد من الوظيفة منذ خمسة أعوام، ورأى أن كسب مبلغ 10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات) يومياً أجدى نفعاً من التظاهر.
وقال لـ "العربي الجديد": إنه وجد عملاً في فرن للخبز "فراتب 35 عاماً في التعليم لا يسد معيشة أسرتي، والآتي لا ينبئ بخير".
عدد من الأعمال أصابها الكساد، بحسب ما أكده أصحاب رؤوس أموال في أحاديث لـ "العربي الجديد". فتجارة العقارات التي كانت من أهم المشاريع التي يستثمر فيها أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والمتوسطة حتى العام الماضي توقفت، والأمر ينطبق كذلك على تجارة السيارات والأجهزة الكهربائية.
وتتواتر تصريحات المستثمرين العراقيين في الداخل، عبر وسائل الإعلام المحلية، بشأن التأكيد على أن خيار تجميد الأموال والاستثمارات هو الأفضل حاليا، لأنهم باتوا يشعرون بقلق من المستقبل الذي يبدو مجهولاً، وقد يحتاجون فيه إلى أي مبلغ من المال لتيسير معيشتهم.
ويقول الخبير بالشؤون الاقتصادية في العراق، خالد الحمداني، لـ "العربي الجديد": إن العراقيين ومنذ نحو عام اتجهوا نحو التقشف والاقتصاد، فيما اتجه آخرون لبيع المقتنيات الثمينة كالذهب والمجوهرات والسيارات، والاكتفاء بالشيء الذي يمكّنهم من مواصلة حياة عادية أو أقل من ذلك.
ويضيف الحمداني، أن المواطنين يدّخرون الأموال، "ونحن كذلك، فلا يوجد أي عراقي حاليا لا يفكر بجمع المال لأنه سيكون تذكرة نجاته هو وأهله من أي جحيم متوقع"، مبينا أن عدم الثقة في المصارف جعلهم يعتمدون على أنفسهم في الحفاظ على أموالهم كاستحداث بدائل خاصة، مثل الخزنات السرية المصنوعة من الحديد أو الأخشاب، والتي غالبا ما تكون مصممة بأشكال يصعب التعرف عليها ولا تلفت الانتباه إلى ما تحويه من مدخرات، أو العودة إلى الحُفر الأرضية كمكان آمن للحفاظ على المدخرات.
ولا يدخر المواطنون أموالهم بالدينار العراقي، فتلك عملة مهددة بالتضخم، إذ يفضل البعض تحويل مدخراتهم إلى الدولار أو شراء مقتنيات ذهبية، وفق الحمداني.
ويتابع، أن الأمر لا يتعلق بالمواطن العادي، فحتى التاجر العراقي بات لا يستورد كميات كبيرة من البضائع، بل يعتمد على العرض والطلب والبيع السريع خوفا من احتراق مخازنه أو السطو عليها في وقت تتطور الأحداث بين عشية وضحاها.
وقالت عضو اللجنة البرلمانية الاقتصادية نورة البجاري، إن الهاجس الأمني والاقتصادي دفع الكثير من العراقيين إلى الادخار والتقشف تخوفاً مما ستؤول إليه الأوضاع، فجميع المواطنين في وجهة نظر البجاري، مستعدون للسفر إلى خارج العراق في أي وقت.
وأضافت البجاري في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق بالتزامن مع التردي الأمني، جعلت المواطن لا يقتني أشياء كمالية أو فارهة ادخاراً للمال من أجل الآتي المجهول، مؤكدة أن ذلك انعكس على السوق العراقية وأدى إلى كساد البضائع غير الضرورية كالأثاث والمجوهرات والسيارات الفارهة والملابس الغالية وغيرها.
اقرأ أيضا: الغاز والكهرباء العراقية تحت رحمة إيران
وبحسب عدنان الكرخي، أحد تجار السوق، فالناس ما عادوا يقبلون على شراء الملابس كما كان الحال منذ عام في أقل تقدير، موضحاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الأوضاع الأمنية أثرت بشكل سلبي على جميع المهن، ومنها تجارة الملابس، الناس يعتقدون أن الآتي أسوأ وعليهم توفير المال لأزمات المقبلة".
بدوره، يرمي خالد مريوش، الذي شارك في مظاهرة بشارع المتنبي في بغداد قبل أسبوع، للمطالبة بتوفير ما سماها "أبسط الخدمات"، ثقل اتهاماته على الحكومة العراقية؛ مبينا في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "بينما الشعب يُقتل أبناؤه بالمعارك مع داعش تتركنا الحكومة عرضة للهلاك؛ بسبب قطع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، وغلاء المعيشة، والمياه الملوثة والبطالة وانعدام الخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحكم المليشيات المسلحة بمصائر الناس".
وأضاف: "ما عدنا نعرف كيف نتصرف، لا مناشداتنا تنفع ولا التظاهرات! وهم (المسؤولون في الحكومة) همهم مناصبهم والمكاسب التي تنهال عليهم منها، وكل ذلك على حسابنا"، مستطرداً بالقول: "صرنا نتجنب الجلوس في مقهى؛ حرصاً منا على توفير ثمن فنجان قهوة، قد نحتاج إليه لاحقاً".
ومن شعار "كلا كلا للباطل" إلى شعار " أين المليارات التي أُنفقت على الكهرباء" ومن شعار "أين وعود الانتخابات؟" إلى شعار "نريد حقوقنا"، وجد هيثم عبد الرحيم، المعلّم المتقاعد، نفسه في دوامة من العبارات، يحملها في كل يوم جمعة مع رفاقه المؤمنين بحرية التعبير، في وقفات احتجاجية يقيمونها بشارع المتنبي وسط العاصمة العراقية.
عبد الرحيم، ومنذ ما يزيد على خمسة أشهر اكتشف أن لا صدى لصوته الذي بَحّ من ترديد شعارات تطالب بالحقوق، سوى بين رفاقه الهاتفين معه، فقرر التقاعد من التظاهر، مثلما تقاعد من الوظيفة منذ خمسة أعوام، ورأى أن كسب مبلغ 10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات) يومياً أجدى نفعاً من التظاهر.
وقال لـ "العربي الجديد": إنه وجد عملاً في فرن للخبز "فراتب 35 عاماً في التعليم لا يسد معيشة أسرتي، والآتي لا ينبئ بخير".
عدد من الأعمال أصابها الكساد، بحسب ما أكده أصحاب رؤوس أموال في أحاديث لـ "العربي الجديد". فتجارة العقارات التي كانت من أهم المشاريع التي يستثمر فيها أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والمتوسطة حتى العام الماضي توقفت، والأمر ينطبق كذلك على تجارة السيارات والأجهزة الكهربائية.
وتتواتر تصريحات المستثمرين العراقيين في الداخل، عبر وسائل الإعلام المحلية، بشأن التأكيد على أن خيار تجميد الأموال والاستثمارات هو الأفضل حاليا، لأنهم باتوا يشعرون بقلق من المستقبل الذي يبدو مجهولاً، وقد يحتاجون فيه إلى أي مبلغ من المال لتيسير معيشتهم.
ويقول الخبير بالشؤون الاقتصادية في العراق، خالد الحمداني، لـ "العربي الجديد": إن العراقيين ومنذ نحو عام اتجهوا نحو التقشف والاقتصاد، فيما اتجه آخرون لبيع المقتنيات الثمينة كالذهب والمجوهرات والسيارات، والاكتفاء بالشيء الذي يمكّنهم من مواصلة حياة عادية أو أقل من ذلك.
ويضيف الحمداني، أن المواطنين يدّخرون الأموال، "ونحن كذلك، فلا يوجد أي عراقي حاليا لا يفكر بجمع المال لأنه سيكون تذكرة نجاته هو وأهله من أي جحيم متوقع"، مبينا أن عدم الثقة في المصارف جعلهم يعتمدون على أنفسهم في الحفاظ على أموالهم كاستحداث بدائل خاصة، مثل الخزنات السرية المصنوعة من الحديد أو الأخشاب، والتي غالبا ما تكون مصممة بأشكال يصعب التعرف عليها ولا تلفت الانتباه إلى ما تحويه من مدخرات، أو العودة إلى الحُفر الأرضية كمكان آمن للحفاظ على المدخرات.
ولا يدخر المواطنون أموالهم بالدينار العراقي، فتلك عملة مهددة بالتضخم، إذ يفضل البعض تحويل مدخراتهم إلى الدولار أو شراء مقتنيات ذهبية، وفق الحمداني.
ويتابع، أن الأمر لا يتعلق بالمواطن العادي، فحتى التاجر العراقي بات لا يستورد كميات كبيرة من البضائع، بل يعتمد على العرض والطلب والبيع السريع خوفا من احتراق مخازنه أو السطو عليها في وقت تتطور الأحداث بين عشية وضحاها.
وقالت عضو اللجنة البرلمانية الاقتصادية نورة البجاري، إن الهاجس الأمني والاقتصادي دفع الكثير من العراقيين إلى الادخار والتقشف تخوفاً مما ستؤول إليه الأوضاع، فجميع المواطنين في وجهة نظر البجاري، مستعدون للسفر إلى خارج العراق في أي وقت.
وأضافت البجاري في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق بالتزامن مع التردي الأمني، جعلت المواطن لا يقتني أشياء كمالية أو فارهة ادخاراً للمال من أجل الآتي المجهول، مؤكدة أن ذلك انعكس على السوق العراقية وأدى إلى كساد البضائع غير الضرورية كالأثاث والمجوهرات والسيارات الفارهة والملابس الغالية وغيرها.
اقرأ أيضا: الغاز والكهرباء العراقية تحت رحمة إيران