استمع إلى الملخص
- التحديات العسكرية والاقتصادية: تواجه إسرائيل نقصاً في الصواريخ الاعتراضية والمواد الخام، واستنزافاً للجنود، مما يزيد من عجز الموازنة ويهدد الأمن الاجتماعي.
- السيناريوهات المستقبلية: تتوقع وزارة المالية الإسرائيلية ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الحرب، تتراوح بين تعافٍ اقتصادي بطيء أو سريع، أو استمرار الحرب حتى منتصف 2025 مع نمو ضعيف.
متى قد تنتهي الحرب على لبنان؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال. غيّرت إسرائيل في حرب غزة إحدى أبرز الاستراتيجيات التي كانت تعتمدها، أي الحروب القصيرة. طالت حرب غزة أكثر من عام، لتصبح الأطول في تاريخ الاحتلال، وها هي تدخل في حرب جديدة ضد لبنان، إلا أن الأخيرة مختلفة في الأسباب وطبيعة المعركة وأهدافها، والأهم، أنها تأتي بعدما استُنزف الجيش، وبعدما تم هدم غزة على رؤوس أبنائها، وبعدما دخل الاقتصاد الإسرائيلي في مرحلة استثنائية بحدتها.
أتاحت الحروب القصيرة التي عادةً لا تتعدى الشهر، عودة الاقتصاد الإسرائيلي بسرعة إلى مسار النمو في السابق، ودعم مستوى المعيشة والأمن المالي، وعدم إخافة الاستثمارات والسياح، وعدم دفع الإسرائيليين للهجرة المعاكسة. لكن الحرب الأخيرة تتعارض مع مفهوم الاحتلال الذي يربط ما بين مدة الحرب والأمن الاقتصادي والمعيشي والسياسي والعسكري الداخلي.
لم تستنزف الحرب الطويلة قطاعات إسرائيل الاقتصادية الأساسية فقط، وإنما امتدت إلى مؤشرات الاستقرار المستقبلية. فقد ارتفعت النفقات الحربية بشدة خلال العام الماضي مع إعلان عن زيادة ستكون ثابتة في السنوات المقبلة. وقدّر بنك إسرائيل أن تكاليف الحرب سوف تبلغ 250 مليار شيكل (66 مليار دولار) بحلول نهاية العام المقبل، وسط خفض كبير في التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل شركات التصنيف. وكلما طال وقت الحرب، كان التأثير سلبياً في الإنتاج وفي نمو الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد أفرغت الحرب المؤسسات، خاصة التكنولوجية منها التي تعتمد عليها عجلة الاقتصاد، من الموظفين الذين تم استدعاؤهم إلى الاحتياط، ما يعرض أهم قطاع اقتصادي لخطر قلة الثقة وهجرة الاستثمارات التي قد تمتد لسنوات. ولا يمتلك الاحتلال جيشاً كبيراً وسط استنزاف جنوده في حرب طويلة في غزة، وهؤلاء بدأوا يتذمرون بشدة من طول فترة خدمتهم، فيما تشير البيانات إلى أن التكلفة التي يتحملها الاقتصاد نتيجة تمديد الخدمة الاحتياطية تصل إلى أكثر من مليار شيكل (270 مليون دولار) شهرياً، وهي ضعف كلفة التمديد للجنود العاديين. فيما سترتفع ميزانية الحرب بما هي نسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 4.6 إلى حوالي 6%، وفي سيناريو متفائل نسبياً ستعود إسرائيل عقداً من الزمن إلى الوراء، بحسب تحليل الخبراء هناك.
وليس لإسرائيل حيثية ديموغرافية مرتبطة بدول الجوار قد تساعدها على الاستمرار في حرب أطول، كما أن تقريراً نشر الأسبوع الماضي في صحيفة "فايننشال تايمز" أكد أن أحد الأسباب الرئيسية للنشر الوشيك لبطارية الدفاع الجوي الأميركية ثاد في إسرائيل هو "النقص الحاد في الصواريخ الاعتراضية"، حيث تواجه إسرائيل وفق التقرير مشكلة توفر مختلف أنواع الأسلحة بعد طول أمد الحرب.
ولا تكشف إسرائيل عن مخزونها من الصواريخ الاعتراضية، لكن الرئيس التنفيذي لشركة آيروسبايس قال للصحيفة البريطانية إن الوقت اللازم لإنتاج الصواريخ الاعتراضية "ليس مسألة أيام"، وأضاف أنه "ليس سراً أننا بحاجة إلى تجديد المخزونات". لا بل أن إنتاج أسلحة جديدة لتوفير استمرارية الحرب يواجه تحديات غير مسبوقة، وهي الصعوبة المتزايدة في توفير المواد الخام من دول الخارج، وفق الصحيفة ذاتها. إذ تتزايد المواقف السلبية العالمية من الإبادة المرتكبة في غزة، وسط ارتفاع حدة المقاطعة للشركات المتورطة في الحرب، ما أدى إلى تقنين مد إسرائيل بالمواد الأولية وصولاً إلى وقف توريد الأسلحة نهائياً.
لكن رغم هذه المعطيات، إلا أن مؤشرات النمو تعكس رؤية أكثر تعقيداً لديناميكية الحرب ومدتها.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وضع شموئيل أبرامسون، كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية، ثلاثة سيناريوهات تربط ما بين مدة الحرب والأثر الاقتصادي.
بحسب السيناريو الأساسي، فإن المرحلة الأكثر كثافة من الحرب ستنتهي في نهاية الربع الأول من عام 2024. ومن هناك، سيتم تقليص نطاق تعبئة الاحتياطي تدريجياً وستتضاءل الحرب حتى نهاية عام 2024، عندما تنتهي أخيراً. في هذا السيناريو، يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لأضرار بالغة في المراحل الأولى ولكنه يتعافى بشكل جيد لاحقاً، ومن المتوقع بشكل عام أن يصل معدل النمو السنوي في عام 2024 إلى حوالي 1.5%. وهو أقل من نصف معدل النمو السنوي المحتمل، ولكنه لا يعتبر رهيباً.
وفي السيناريو المتفائل، تنتهي الحرب بشكل واضح وكامل بحلول عيد الفصح 2024. وقدّر أبرامسون أن ما سيحدث هو ما حدث بعد حرب لبنان الثانية، وكانت أيضاً حرباً صعبة جداً، استمرت نحو شهر، ولكن بعد نهايتها انتعش الاقتصاد الإسرائيلي بسرعة كبيرة، ووفق هذا السيناريو ينمو الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام بمعدل يزيد عن 2%. إلا أن عيد الفصح اليهودي انتهى والحرب لم تنتهِ، وبالتالي تم استبعاد هذا المسار.
أما السيناريو المتشائم، والذي يبدو أنه يتحقق، فيقوم على أن ينتهي الجزء المكثف من الحرب في عيد الفصح السابق (كما حدث بالفعل)، ولكن من هناك ستستمر الحرب بدرجات متفاوتة من الشدة، ليس فقط حتى نهاية عام 2024، بل حتى منتصف عام 2025. وفي هذا السيناريو، سيكون النمو في عام 2024 بين صفر و0.2% فقط.
وتشير أحدث التوقعات الأخيرة لبنك إسرائيل بالفعل إلى أن معدل النمو في عام 2024 سيصل إلى 0.5% فقط، والعام لم ينتهِ بعد. ويعني النمو الاقتصادي قدرته على تمويل الأموال، الأموال ذاتها التي يتم استخدامها لتمويل الحرب، ودفع الرواتب للمجندين، والتعويضات للنازحين الداخليين، والكثير من المدفوعات المرتبطة.
وبحسب توقعات بنك إسرائيل، فمن المتوقع أن تقفز نسبة ديون الحكومة من الناتج المحلي إلى نحو 70% بالفعل نهاية العام الحالي (بعد أن كانت نحو 60% عشية الحرب). يوضح هذا الرقم المدة التي يتعين على الحكومة أن تستمر فيها في تمويل الحرب، إذ إن زيادة النفقات على الحرب يعني بالمقابل عجزاً في الموازنة يستلزم إيرادات جديدة، أساسها الضرائب، ما يعني ضرب مفهوم الأمن الاجتماعي الداخلي.
قد يكون الاقتصاد مؤشراً لتحديد قدرات إسرائيل على حرب طويلة من عدمها. لكن كل التوقعات مهما كانت منطقية، تختفي تماماً حين تدخل الطموحات السياسية في المعركة، فكيف إن كانت ترتبط برئيس حكومة متهم بالفساد ويواجه سخطاً شعبياً كبيراً في الداخل، ويتخوف من انتهاء الحرب وبدء مرحلة محاسبته؟
يقول المحلل الاقتصادي شاؤول أمستردام: "يجب أن يتم حسم الحروب، قبل أن يقررها الاقتصاد، أو الجمهور. ومن أجل اتخاذ القرار، لا تكفي الطائرات والجنود الشجعان. هناك أيضاً حاجة إلى الشجاعة السياسية، المفقودة حالياً. وعلى هذا المعدل، فإن السيناريو الاقتصادي المتشائم للدكتور أبرامسون قد يتبين أنه مفرط في التفاؤل".
وإن كان الواقع هكذا، فيمكن توقع حرباً تمتد إلى ما بعد منتصف 2025، بالتزامن مع تحول الاقتصاد الإسرائيلي إلى أزمة أكثر عمقاً، أو ربما ستكون هناك مفاجأة قد تطيح بنتنياهو ومغامراته الدموية البشعة قبل ذلك التاريخ.