يتوقع الخبراء أن يكون تأثير العدوان الإسرائيلي على اقتصاد غزة "مأساويًا وهائلًا". فمع استمرار جيش الاحتلال، وحكومة بنيامين نتنياهو اليمينة المتطرفة، في قصف القطاع ومحاصرته، تنامت التوقعات الاقتصادية القاتمة، والتي لم تكن جيدة بأي حال من قبل اندلاع الحرب، حيث ارتفعت مستويات البطالة والفقر في المنطقة الضيقة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 2.4 مليون نسمة.
وقال ناصر مفرج، أستاذ المالية والاقتصاد في الجامعة العربية الأميركية في رام الله، لصحيفة "ذا ناشيونال"، إن التأثير سيكون مأساويًا وهائلًا، نظرًا لحقيقة أن الاقتصاد بأكمله معطل الآن، ولا يوجد أي عمل. وأضاف أن "إجمالي الناتج المحلي للقطاع يقدر بحوالي 4 إلى 5 مليارات دولار، ونحن نتحدث عن خسارة الناتج المحلي الإجمالي يوميًا حوالي 14 إلى 20 مليون دولار".
وبحسب الخبير ذاته، فإن القصف الذي ينفذه جيش الاحتلال يترك سكان غزة "بلا دخل، وبدون عمل تقريباً، وبدون طعام، ولا كهرباء ولا طاقة"، فضلاً عن استنزاف مدخراتهم، حيث يتعرضون لحصار شديد من قبل الاحتلال، على مدى الستة عشر عاماً الماضية.
وفرضت إسرائيل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطاع غزة منذ عام 2007، ما أعاق حركة الأشخاص والبضائع، وألحق ضرراً شديداً باقتصاد القطاع.
وبحسب مفرج، فقد كانت المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية قبل الحرب "فظيعة للغاية ومثيرة للقلق"، فعلى سبيل المثال "ارتفعت معدلات البطالة بين السكان، لتكون في المتوسط 45%، ولكنها قاربت 60% بين خريجي الجامعات"، مشيراً إلى أن معدل الفقر مرتفع أيضًا، حيث وصل إلى حوالي 70%، كما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات إلى حوالي 80%.
وكان من المتوقع أن يستمر الاقتصاد الفلسطيني في العمل بأقل بكثير من إمكاناته، وأن يحوم النمو عند حوالي 3%، وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي نشر الشهر الماضي، قبل بدء الحرب.
وقال البنك الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، في ذلك الوقت، إنه نظراً لاتجاهات النمو السكاني، فمن المتوقع أن يشهد دخل الفرد ركوداً، ما سيؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعة من القيود المالية والقيود التي فرضها الاحتلال على الأراضي الفلسطينية تعيق الوصول إلى الرعاية الصحية، ما يؤثر سلباً على السكان، وخاصة في غزة.
وتوقع صندوق النقد الدولي في السابق نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.9% لغزة في عام 2023، و2.2% في عام 2024، و1.9% في عام 2025.
ومع ذلك، قال مفرج إنه، وبسبب الحرب الحالية، فمن المتوقع أن تلحق الأضرار بالأعمال التجارية والأراضي الزراعية، و"التي قد لا تكون صالحة للزراعة بعد الآن بسبب الأسلحة المستخدمة". وأضاف: "ستتضاعف الخسائر الاقتصادية، مرتين وربما ثلاث مرات، وسنخسر ما تبقى، سواء من الأصول أو الدخل، وسيكون ذلك مشهداً ضخماً ورهيباً".
وطالبت إسرائيل السكان الأسبوع الماضي بضرورة إخلاء الجزء الشمالي من غزة، والتحرك نحو الجنوب، بينما تستعد لغزو بري للقطاع الضيق.
وقالت وزارة الصحة في حكومة القطاع، اليوم الاثنين، إن حوالي خمسة آلاف فلسطيني استشهدوا حتى الآن في غزة خلال القصف الإسرائيلي، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ردًا على الانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى في القدس على يد متطرفين تحت حماية جنود الاحتلال.
وفي يوم الأحد وحده، قُتل أكثر من 400 شخص في هجمات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، يوم الاثنين، إن العديد من الشهداء والجرحى كانوا من النساء والأطفال.
وبحسب ما أدلى به نسيب غبريل، الاقتصادي المقيم في بيروت، لصحيفة "ذا إنترناشينوال"، فإنه يتوقع انكماشا حادا في النشاط الاقتصادي في عامي 2023 و2024، نظرا للحرب الشاملة والدمار الهائل للبنية التحتية والمنشآت والمباني، والخسائر الضخمة المتوقعة في الإنتاج.
وبالإضافة إلى ذلك، يستبعد نسيب تحقيق توصية صندوق النقد الدولي بضرورة تنسيق الجهود بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال والمجتمع الدولي على المدى القصير إلى المتوسط، في ظل السياق السياسي والعسكري.
وفي أغسطس/ آب، رسم الصندوق صورة قاتمة للاقتصاد الفلسطيني بعد زيارة موظفي صندوق النقد الدولي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين، وقال إن الاقتصاد لا يزال "قاتماً وسط ظروف سياسية وأمنية متقلبة، مع استمرار مخاطر الجانب السلبي".
وأكد الصندوق أن "البيئة متزايدة الصعوبة" تؤثر على جانبي العرض والطلب في الاقتصاد.
وتشير توقعات الصندوق إلى انخفاض تدريجي في دخل الفرد على المدى المتوسط، وسط استمرار اتساع الفجوة الكبيرة بالفعل في مستويات المعيشة بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
نظرة قاتمة
وقال غبريل إنه من المرجح أن تصبح التوقعات الاقتصادية السلبية قبل الحرب توقعات اقتصادية قاتمة للغاية لقطاع غزة.
وقال معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني ومقره رام الله، في تقرير له الأسبوع الماضي، إن الحرب أصابت النشاط الاقتصادي بالشلل في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمات، ما زاد من تفاقم مشكلة البطالة، خاصة في ظل تدمير عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية.
وسلط التقرير الضوء على الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات والمباني والمصانع في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي. وأضاف أن ما لا يقل عن 145 وحدة صناعية تضررت في الأسبوع الأول من الحرب على غزة.
وقال التقرير إن القصف الإسرائيلي سيمنع المواطنين من العودة إلى عملهم بعد انتهاء الحرب، مشيراً إلى أن القوى العاملة الفلسطينية بأكملها أصبحت عاطلة عن العمل دون حل واضح.
وحتى 16 أكتوبر، دمر العدوان الإسرائيلي بشكل كامل أكثر من 2185 مبنى، و8840 وحدة سكنية، إضافة إلى تدمير جزئي لأكثر من 89 ألف وحدة سكنية، بحسب التقرير. وأدى ذلك إلى النزوح القسري لمئات الآلاف داخل قطاع غزة. كما توقفت محطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء عن العمل في القطاع وسط القصف المستمر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال أنس إقطيط، المحاضر في الاقتصاد والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن الحرب أدت إلى تدمير شبه كامل لأي قدرة إنتاجية لاقتصاد غزة، وذكر أن القاعدة الإنتاجية الصغيرة جداً التي كان يمتلكها اقتصاد غزة في بداية هذه الحرب في 7 أكتوبر تم تدميرها بالكامل بسبب القصف الإسرائيلي، و"يعني هذا أنه بعد انتهاء الحرب، لن يكون لدى اقتصاد غزة قدرة إنتاجية كاقتصاد، وسيتعين عليه الاعتماد على المساعدات الدولية، التنموية والإنسانية والخدمية، وهو ما لا يمكن أن يوظف كامل القوى العاملة".
وتوقع أقطيط أن يتم تدمير البنية التحتية المدنية والعامة بالكامل مع نهاية الحرب، مضيفاً: "نتحدث عن مئات الآلاف من الوحدات السكنية التي دمرت بالكامل بسبب القصف الإسرائيلي، أو تضررت جزئياً ولم تعد قادرة على السكن فعلياً".
وقد تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى مليارات الدولارات، بحسب خلدون هلال، الرئيس التنفيذي لشركة كاما كابيتال ومقرها دبي، الذي أشار إلى أن النزاع أدى إلى نزوح عدد كبير من الأشخاص، وأدى إلى خسائر مادية كبيرة، مما يؤثر بشكل كبير على قدرة الاقتصاد المحلي على التعافي بعد انتهاء الأعمال العدائية.
ويعتمد اقتصاد غزة أيضًا بشكل كبير على العمل في الأراضي المحتلة، التي يعمل بها نحو 18 ألفاً من سكان غزة، لكن الصراع الحالي يعطل هذا المصدر الحيوي للدخل، وفقاً لفيغاي فاليتشا، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "سينشري فاينانشال".
وقال فاليشا إنه لمواجهة هذه التحديات، يحتاج اقتصاد غزة إلى حل سياسي لإنهاء الصراع ورفع الحصار وضمان حرية حركة البضائع والأشخاص.
وبحسب فاليشا، فإنه بالإضافة إلى ذلك، فإن تنويع التجارة وتحسين البنية التحتية واستعادة الوصول إلى الأسواق العالمية، من خلال مبادرات، مثل إعادة فتح مطار غزة الدولي والميناء البحري، تعد كلها أموراً بالغة الأهمية للاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة.