بات معظم اللبنانيين على مشارف كارثة صحية، بسبب عجزهم عن دفع كلفة الاستشفاء والطبابة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي في بلادهم.
هذا الواقع سببه عجز الجهات الحكومية الضامنة عن تأمين كلفة الاستشفاء التي أصبحت باهظة، لا سيما في المستشفيات الخاصة، وسط تخوف من أن تصبح الرعاية الصحية في البلاد متاحة للأغنياء فقط.
أكبر تلك الجهات الحكومية الضامنة هو "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، الذي يغطي وحده كلفة الاستشفاء لنحو 35% من الشعب اللبناني البالغ نحو 4.2 ملايين نسمة.
كما تغطي وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وطبابة الجيش وقوى الأمن كلها مجتمعة حوالي 45% من اللبنانيين، إلا أنها تعاني أيضاً من الأزمة نفسها، فيما 15%من المواطنين لديهم تأمين صحي لدى شركات خاصة.
يتحمّل صندوق الضمان 90% من كلفة الفاتورة الصحية، ولا يترتب على المواطن سوى دفع 10% من المبلغ؛ وكانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن هبطت العملة المحلية إلى مستويات متدنية مقابل الدولار.
وتراجعت الليرة مقابل الدولار على أثر أزمة اقتصادية حادة تضرب البلاد منذ نحو عامين، فوفق سعر الصرف الرسمي ما زال الدولار عند 1510، إلا أنه يبلغ في السوق الموازية نحو 18 ألف ليرة.
وهكذا أصبح فارق الـ 10% الذي يدفعه المواطن باهظا، حيث إنّ المستشفيات تُسعّر كلفة الاستشفاء وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية، بينما تعرفة الضمان الاجتماعي ما زالت وفق سعر الصرف الرسمي.
هذا الفارق وإن كان فقط 10%، أصبح يصل أحياناً إلى عشرات ملايين الليرات، بينما الحد الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة (37.5 دولاراً وفي سعر السوق الموازية)، ما يجعل تأمين تلك المبالغ حلما لكثيرين.
بعض المواطنين يضطر إلى بيع منزله لقاء سداد كلفة عملية جراحية، وبعضهم الآخر مجبر على سحب تعويض عمله طوال عشرات السنين، أما من لا يملك المال بتاتاً، فقد يجد نفسه محروما من حق الاستشفاء والطبابة.
هذه القصص يرويها مدير عام "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" محمد كركي، لـ"الأناضول"، حيث تخوف من أن يصبح الاستشفاء والطبابة في لبنان حكراً على الأغنياء فقط.
ويرزح 74% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقاً لدراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" في سبتمبر/ أيلول الماضي.
يقول كركي، إنّ انهيار قيمة العملة أثر بشكل كبير، لأنّ تعريفات "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" مبنية على أساس سعر صرف الدولار الرسمي البالغ 1510 ليرات، في حين أن الدولار الواحد يبلغ حالياً نحو 18 ألف ليرة.
ويضيف أنّ المستشفيات تحسب تكلفة الأدوات والمستلزمات الطبية والاستشفائية، وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وهذا ما يجعل الفارق يتخطى 10 أضعاف تعرفة الضمان.
ويلفت كركي، إلى أنه يتلقى عشرات المراجعات يومياً من مواطنين يشكون المبالغ الكبيرة التي تطلبها منهم المستشفيات، حيث تراوح أحياناً بين 50 مليونا و150 مليون ليرة (2778 ـ 8335 دولاراً).
ويتبع "صندوق الضمان" لوزارة العمل، لكنه يتمتع بإدارة مستقلة، ويستفيد من خدماته جميع موظفي القطاع الخاص والعمال المتعاقدون مع مؤسسات الدولة، إضافة إلى شرائح أخرى في المجتمع كالأطباء وأساتذة التعليم وسائقي سيارات الأجرة والحافلات وغيرهم.
ويروي كركي أن أحد المواطنين دخل المستشفى لإجراء عملية جراحية في القلب، فترتب عليه مبلغ قدره 160 مليون ليرة (8888 دولارا)، مع العلم أن هذا المريض ليس بحوزته مليون واحد.
"هذا الرجل كان أمام خيارين، إما بيع منزله لسداد هذا المبلغ، أو أن يسحب تعويض عمله عن عشرات السنين لدفع جزء من المبلغ"، وفق المتحدث.
ويقول كركي: "حياة المواطنين أصبحت بخطر، لأن بعض المستشفيات لا تستقبلهم قبل تأمينهم الأموال اللازمة، ما يعني حرمان الفقراء من تلقي الرعاية الصحية".
ويحذر من أن الوضع ينذر بكارثة صحية كبيرة، لأنه في حال لم تُتخذ الإجراءات اللازمة بسرعة، ستصبح الطبابة والاستشفاء حكراً على الأغنياء فقط في لبنان.
كذلك، ارتفعت أسعار معظم الأدوية بنحو 8 أضعاف فضلاً عن فقدان قسم آخر منها، ما حرم قسماً كبيراً من اللبنانيين تناول أدويتهم، فيما بعضهم يلجأ إلى دول أخرى قريبة لتأمينها.
يشير كركي إلى أنه قدم اقتراحاً إلى المسؤولين المعنيين بهذا الملف، ينص على زيادة تعريفات الضمان من خلال فرض زيادة على الاشتراكات التي يدفعها صاحب العمل والحكومة والموظف للصندوق.
ويستند الضمان في تأمين أموال الاستشفاء والطبابة، وتعويض نهاية الخدمة، إلى الاشتراكات الشهرية التي يدفعها صاحب العمل والأجير إضافة إلى مساهمات الحكومة التي تقدر بـ 25% من إجمالي النفقات الصحية.
ويلفت الى أن هذه الزيادة يمكن أن تغطي تكاليف الأطباء بزيادة تقدر نسبتها بين 70 و100%، "لكن إلى الآن لم تتخذ القرارات اللازمة من الجهات المعنية حتى الآن".
ومن بين المقترحات توسيع وتفعيل المستشفيات الحكومية البالغ عددها 29، لأنّ تعرفتها وأسعارها تعد منخفضة ومقبولة مقارنة بنظيرتها الخاصة البالغ عددها 136.
أما المقترح الثالث، بحسب كركي، فهو فرض ضرائب ورسوم متخصصة على الكحول والتبغ والمازوت وأي مواد أخرى تضر بصحة المواطن، ومن خلال هذه الضريبة يتم تأمين الأموال وتقديمها إلى الجهات الحكومية الضامنة.
(الأناضول)