رفض مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، اليوم الثلاثاء، مشروع الموازنة التي تسلمها مطلع ديسمبر/كانون الثاني الماضي، وأعاده للحكومة لإجراء تعديلات عليه بعد أكثر من شهرين من نقاشات وانتقادات متبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وبعد كلمات لـ5 مشرعين لصالح مشروع الموازنة و5 آخرين ضده، خلال جلسة التصويت التي تابعها "العربي الجديد"، طُرح المشروع للتصويت لكنه لقي رفضا بعد معارضة 148 مشرعا وموافقة 99 وامتناع 12 آخرين عن التصويت من 161 نائبا حضروا الجلسة، وذلك من أصل 290 مشرعا، عدد نواب البرلمان الإيراني.
ورفض الرئيس الإيراني حسن روحاني المشاركة في جلسة التصويت للدفاع عن مشروع حكومته وناب عنه رئيس منظمة التخطيط والموازنات محمد باقر نوبخت، وهو ما ادى لانتقادات برلمانية.
وقال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إنه "كان ينبغي أن يحضر رئيس الجمهورية ليدافع عن مشروع الموازنة حسب النظام الداخلي للمجلس"، مشيرا إلى أنه وجّه الدعوة له قبل عشرة أيام لكنه لم يتجاوب.
وفي كلمة له ضد الموازنة قبل التصويت، عدّد البرلماني الإيراني علي بابايي كارنامي ما اعتبرها مواطن الضعف في المشروع، مشيرا إلى زيادة الاعتماد على النفط بشكل أكبر من قبل "بينما يؤكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على تقليل الاعتماد على الصادرات النفطية".
وأشار كارنامي إلى "عدم الانضباط المالي في الموازنة للشركات الحكومية التي تعتبر مصدرا للفساد في البلاد"، مضيفا أن المشروع "لا يحقق العدالة في المجتمع ولا يدعم معيشة المواطنين".
غير أن النائب أبو الفضل أبوترابي اعتبر في كلمة له في تأييد مشروع الموازنة أن "رفضه خطأ فادح"، داعيا إلى "إجراء إصلاحات بنيوية في النظام الإداري وثم التحرك لإجراء تعديلات على نظام ترسيم الموازنة"
وأشار أبوترابي إلى الشهور الستة المتبقية لولاية الحكومة، قائلا إنه في هذه الفترة "اذا رفضنا الموازنة فستعاد إلى الحكومة وهي من جهتها لن تقوم بإجراء خاص وسنكون حينئذ مضطرين للموافقة على سلفة لها من دون محاسبة".
وخلال اجتماع للفريق الاقتصادي الحكومي، اليوم الثلاثاء، أكد روحاني أن لائحة الموازنة للعام المالي الجديد "أعدت لإدارة اقتصاد البلاد في ظروف الحرب الاقتصادية وللمضي قدما بمسار التنمية"، معتبرا أن الحكومة أولت "اهتماما جادا بمكافحة الفساد وتقليل التضخم وتعزيز العملة الوطنية ودعم معيشة المواطنين وتوفير السلع الأساسية في الموازنة".
وتعليقا على رفض البرلمان مشروع الموازنة، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إن الحكومة "مستعدة لإجراء إصلاحات على لائحة الموازنة بالتعاون مع المجلس من دون تغيير هيكليتها".
ويبلغ حجم الموازنة المقترحة 24350 تريليون ريال (سعر الصرف المعتمد 115 ألف ريال لكل دولار)، وللموازنة ثلاثة موارد: الإيرادات العامة 38%، والثاني 35%، من خلال بيع الممتلكات المالية والسندات وأسهم الشركات الحكومية والاستعانة بصندوق التنمية الوطني، والثالث 27% من خلال صادرات النفط وبيع أوراق النفط.
ووفق برلمانيين وخبراء اقتصاد، فإن مشروع الموازنة لا يناسب المرحلة التي تعيشها إيران على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تواجهها على خلفية العقوبات الأميركية القاسية.
وكان مركز بحوث البرلمان الإيراني قد دعا خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي المشرّعين إلى رفضه بالكامل وإعادته إلى الحكومة لصياغته من جديد.
وأشار المركز إلى وجود "إشكالات أساسية" فيه، مشيراً إلى عجز متوقع بنسبة 50% من حجم الموازنة، وزيادة ربط الموازنة بالصادرات النفطية نحو 30%، وتراجع استثمارات الحكومة على حساب التمويل للمشاريع العمرانية من 15% في الموازنة السابقة إلى 11% في الموازنة الجديدة، فضلاً عن ارتفاع هائل في مصاريف الدولة بنحو 60%.
ومن أهم المآخذ على الموازنة الجديدة أن الحكومة حددت أحد أهم الموارد بناء على بيع 2.3 مليون برميل من النفط خلال العام المقبل، بسعر 40 دولاراً لكل برميل، وبطريقتين، الأولى من خلال التصدير، والثانية من خلال بيع النفط سلفاً في بورصة الطاقة في الداخل، في عقود آجلة مع آجال استحقاقها.
لكن يقول الخبراء إن بيع الكمية غير ممكنة في ضوء الحظر الأميركي التام على الصادرات النفطية، مشيرين إلى أنه بعد فوز جو بايدن ليس واضحاً بعد السياسة التي ستتخذها إدارته في التعامل مع إيران.
وعليه، يرى مراقبون إيرانيون أن الحكومة بنت الموازنة على أوهام وفرضيات وليس على حقائق على الأرض، كما أن الاقتصاد والموازنات لاي تم التعامل معهما انطلاقاً من الفرضيات.
ويرى البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون أن المشروع المقترح للموازنة الجديدة لا يتفق مع مبادئ "الاقتصاد المقاوم" الذي تطرحه السلطات في مواجهة العقوبات الأميركية.
وذكرت صحيفة "دنياي اقتصاد" (عالم الاقتصاد) الإيرانية، اليوم الثلاثاء نقلا عن "أوساط سياسية" أن روحاني بصدد سحب مشروع الموازنة من البرلمان لما يعتبره تعاطيا سياسيا مع المشروع.
وأضافت أنه في حال سحبت الحكومة مشروع الموازنة سيتم إقرار موازنة العام المالي المقبل الذي سيبدأ مع 21 مارس/ آذار المقبل، "على شكل واحد على 12 (أي شهر من 12 شهرا) أو ثلاثة على 12".
وفي هذه الحالة، وفق الخبراء، فإن الحكومة الحالية لا تتضرر لكنها تتسبب بمشاكل للحكومة المقبلة التي ستتشكل بعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال يونيو/ حزيران المقبل.