يثير الاختفاء المتزايد لخلايا النحل في العراق، قلق المختصين في تربية النحل وإنتاج العسل الطبيعي، وسط تخوف من استمرار الأزمة التي اعتبرها مربو النحل ظاهرة خطيرة غير مسبوقة.
ويقول المهندس الزراعي المختص بتربية النحل غانم العزاوي إن "صناعة العسل في العراق تُعد مصدر رزق للآلاف من العائلات العراقية، لكنها اليوم باتت مهددة بالتراجع، بسبب الجفاف والتصحر وقلة الغطاء النباتي والأمراض وقلة الدعم".
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "تربية النحل من المشاريع الاقتصادية الناجحة، وأصحابها نجحوا في توفير كفاية السوق العراقي بالعسل الطبيعي، طوال الفترة السابقة، إلا أنها تراجعت في العامين الماضيين وازدادت سوءاً خلال هذا العام نتيجة للإهمال الحكومي وتراجع الزراعة وزيادة التصحر وتلوث البيئة ما دفع الكثير من المربين إلى العزوف عن هذه المهنة".
ويشير العزاوي إلى أن "خلية النحل الواحدة كانت في السنوات السابقة وخصوصا خلال وفرة المياه والأمطار تنتج في الموسم الواحد ما يقارب 40 كيلوغراماً من العسل، أما الآن فإن إنتاج العسل للخلية الواحدة لا يتجاوز 10 كيلوغرامات إلا ما ندر في بعض مناطق شمال العراق".
ويحذر العزاوي من فقدان آلاف الأسر العراقية مصادر دخلها نتيجة ضرب صناعة العسل، مطالبا حكومة بلاده بوضع خطة للحفاظ على ما تبقى منها. من جهته يشرح عضو رابطة نحالي العراق نوري الحديثي، كيفية اتساع تربية النحل في العراق بالعقدين الماضيين، حتى أصبحت مهنة لالاف العراقيين، لكنه يؤكد أنها باتت مهددة اليوم بسبب التغيير المناخي، من عواصف ترابية وتصحر وانحسار الغطاء النباتي وشحة المياه.
ويضيف أن "تربية النحل تحولت في السنوات السابقة إلى مشاريع استثماريه تنافس الكثير من المشاريع في القطاعات الأخرى، لكنها باتت مهددة بالاختفاء نتيجة جفاف الأنهر وقلة الأمطار".
ويشير إلى أن أسراب النحل في بعض مناطق العراق اختفت بشكل تدريجي وأخرى فقدت قدرتها على إنتاج النحل بنسبة تزيد على 80 في المائة نتيجة لانعدام النباتات الزهرية جراء الجفاف، منوهاً بأن العراق فقد أكثر من 50 في المائة من ثروة النحل".
وبحسب الحديثي فإن "أعداد الخلايا المسجلة بشكل رسمي أكثر من 500 ألف خلية نحل، وتنتج سنويا أكثر من 2000 طن من العسل الطبيعي، فيما وصل عدد النحالين إلى أكثر من 2000 نحال، بالإضافة إلى نحالين آخرين ونحالين هواة غير مسجلين بشكل رسمي موزعين في عموم العراق وخصوصاً مناطق الوسط والشمال". وكانت وزارة الزراعة العراقية قد أعلنت في وقت سابق عن ارتفاع نسب التصحر في البلاد، فيما أكدت أن 55 في المائة من المساحة الكلية للعراق مهددة بالتصحر.
كما يشهد العراق بين الفينة والأخرى عواصف ترابية في محافظات ومدن عدة، فيما يرجع متخصصون تكرار هبوب العواصف الترابية هذا الموسم إلى شح الأمطار في غرب البلاد، ما جعل التربة السطحية جرداء وخالية من الغطاء النباتي.
من جانبه، يقول النحال علي صفاء في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التصحر الذي ضرب العراق مؤخرا، أدى إلى غياب النباتات الزهرية التي تعتبر الغذاء الرئيس للنحل، ما أدى إلى انخفاض مناعة النحل وانتشار الأمراض بسهولة داخل خلاياه الرطبة وحدوث هلاكات كثيرة جداً".
ويضيف أن "الأمور لا تبدو جيدة لمربي النحل، بعد تكبدهم خسائر كبيرة تجاوزت الـ 50 في المائة من مناحل النحل المنتج للعسل الطبيعي، متوقعاً احتمال فقدان مربي النحل معظم خلاياهم خلال العامين المقبلين إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من حيث ارتفاع حدة الجفاف والتصحر".
وفي صدد ذلك قال حسين العزاوي أحد أبرز نحالي العراق إن "معظم النحالين في مناطق غرب ووسط وجنوب العراق نقلوا مناحلهم إلى مناطق شمال العراق وخصوصاً كركوك ونينوى وبعض مناطق إقليم كردستان بحثاً عن الأزهار الرحيقية التي تعيش عليها خلايا النحل"، منوهاً إلى إن "العسل المصنوع من الأزهار الرحيقية يُعد من أبرز وأفضل أنواع العسل في العراق".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ارتحال النحالين إلى مناطق شمال العراق هو لحماية ما تبقى من خلايا النحل من الجوع والتلوث البيئي الذي أودى بحياة آلاف الخلايا واختفاء ضعفها"، مبيناً بأن "أعداداً كبيرة جداً من خلايا النحل انتقلت من مكان إلى آخر بشكل مستمر نتيجة التصحر بحثاً عن المناطق الزراعية التي تحتوي على الأزهار ومنابع المياه".