مخاوف التصعيد العسكري في المنطقة: بريطانيا تخشى صدمة نفطية تعمّق أزمتها الاقتصادية

09 أكتوبر 2024
ارتفاع أسعار الطاقة سيؤجل قرار خفض أسعار الفائدة/ لندن في 27 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد التوترات في الشرق الأوسط يهدد استقرار إمدادات الطاقة العالمية، مما يثير مخاوف في بريطانيا من ارتفاع أسعار النفط وعودة التضخم، مع احتمالية خفض أسعار الفائدة.
- ارتفاع أسعار النفط إلى 77.63 دولارًا يثير القلق من تأثير النزاع بين إيران وإسرائيل على إمدادات الطاقة، مع تحذيرات من ارتفاع الأسعار إلى 130 دولارًا للبرميل وتأثيره على الاقتصاد العالمي.
- تعتمد بريطانيا بشكل كبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط، مما يجعلها حساسة لأي "صدمة نفطية" محتملة، مع تأثيرات متباينة على الدول المستوردة والمصدرة للطاقة.

تفاقمت المخاوف في بريطانيا من تداعيات التصعيد العسكري في الشرق الأوسط على اقتصادها، خاصة في ظل توقعات ارتفاع أسعار النفط وعودة وحش التضخم مرة أخرى، وهو ما أعاد إلى الأذهان المخاوف التي أثارتها وسائل الإعلام في فبراير/شباط الماضي، من احتمالات تراجع إمدادات الشاي بسبب أزمة الملاحة في البحر الأحمر.

لحسن حظ البريطانيين لم تتفاقم أزمة الشاي، لكن الذي تفاقم هو الأوضاع في المنطقة التي تعد مصدرا رئيسيا للطاقة في العالم، فلم يعد الأمر يقتصر على حرب إسرائيلية على قطاع غزة، بل تصاعد الصراع بحرب إسرائيلية على لبنان منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أعقبته هجمات صاروخية إيرانية على إسرائيل.

وقالت طهران إنه جاء رداً على اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والقائد في الحرس الثوري عباس نيلفروشان. وتوعدت إسرائيل بالرد وقالت إنها تدرس خياراتها وتعتبر المنشآت النفطية الإيرانية هدفاً محتملاً. 

مخاوف عودة التضخم

انعكست تلك المخاوف في تصريحات أخيرة لمحافظ البنك المركزي أندرو بيلي، ِالتي قال فيها إنه يتابع أزمة الشرق الأوسط "عن كثب" وسط مخاوف من تطور الصراع بما ينعكس على الاقتصاد البريطاني وبقية دول العالم. ولمّح بيلي إلى أن بنك إنكلترا -البنك المركزي- ربما يستأنف خفض أسعار الفائدة، التي تقف الآن عند مستوى 5%، بعد خفض أولي تمثل في ربع نقطة، وأشار إلى أن ذلك سيظل مرتهنا بتطورات الوضع في الشرق الأوسط.

وخفض الفائدة مرتبط بالتضخم الذي نجحت سياسات البنك المركزي في كبح جماحه ليصل إلى 2.2% في الوقت الراهن، أما تفاقم الصراع فسيؤثر بلا شك على أسعار الطاقة العالمية، وارتفاعها في شهور الشتاء كفيل بعودة "وحش التضخم" إلى ما كان عليه، نظرا لحساسية بريطانيا وأوروبا تجاه أسعار النفط والغاز. ورغم تأكيد بيلي أن اتصالاته مع نظرائه في الشرق الأوسط وأوروبا تشير إلى أن الأمور لم تصل إلى حد الأزمة بعد، فإنه أشار إلى أن التطورات المقبلة هي التي ستقيّم خطورة الوضع. 

وتمثل مصادر الطاقة، خاصة النفط والغاز، عصبا حساسا بالنسبة لبريطانيا وأوروبا بشكل عام. فقد اعتادت الدول الأوروبية على النفط والغاز الروسيين اللذين كانا في متناول اليد بأسعار رخيصة، لكن الحرب في أوكرانيا وما تلاها من عقوبات غربية على إمدادات الطاقة الروسية، إضافة إلى وقف موسكو مبيعاتها للدول المناصرة لأوكرانيا، جعلت بريطانيا وأوروبا تزيد اعتمادها على مصادر الشرق الأوسط.

كما أن ارتفاع أسعار النفط والغاز لن يقتصر على جيوب المواطنين فقط، لكنه قد يسبب ركودا اقتصاديا يدفع إلى إعادة النظر في أسعار الفائدة، وهو ما يؤثر بدوره على حجم الإقراض في مجالات الاستثمار. ولا شك أن سيناريو كهذا ربما يكون آخر ما تريده الحكومة العمالية التي جاءت إلى السلطة قبل شهرين بوعود أهمها حفز معدلات النمو بمشروعات جديدة على أمل أن يحسن ذلك وضعية الاقتصاد البريطاني بعد كبواته إثر جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية. 

مخاوف امتداد الصراع ترفع أسعار النفط 

وارتفعت أسعار النفط إلى 77.63 دولارا اليوم الأربعاء، كما ارتفعت في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي في أعقاب تصريحات مقتضبة للرئيس الأميركي جو بايدن ـ تراجع عنها لاحقا - قال فيها إن بلاده تناقش مع إسرائيل إمكانية أن يطاول ردها الانتقامي على إيران مصالح النفط الإيرانية. ورغم أن إيران لا تنتج أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا، أي 4% من الإنتاج العالمي حسب أرقام أوبك، معظمها يخضع للعقوبات الغربية، فإن الأسواق تخشى من أن يؤدي توسع النزاع العسكري بين إيران وإسرائيل إلى عرقلة إمدادات الطاقة عبر مضيق هرمز أو تضرر منابع النفط في دول الخليج العربية باعتبار ذلك خسائر جانبية للصراع. 

ويحذر تقرير صادر عن مجموعة "Oxford Economics" من أن حربا مفتوحة بين إسرائيل وإيران قد تدفع بأسعار النفط الخام إلى مستوى 130 دولارا للبرميل، وتؤدي لانخفاض الناتج الإجمالي العالمي بنسبة تقارب نصفا بالمئة. 

يقارن المسؤولون البريطانيون هذا الاحتمال مع ما حدث في الأزمة النفطية خلال السبعينيات، حين استخدمت الدول العربية ومعها منظمة أوبك للمرة الأولى "سلاح النفط" للضغط على القوى الصناعية الغربية بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 بين دول المواجهة وإسرائيل. وقد أثرت "الصدمة النفطية الأولى" وقتها على معدلات النمو ومزاج الناخبين، وهو أمر يستذكره محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي بالقول "لقد مررنا بهذه التجربة في الماضي، وفي سنوات السبعينيات كانت أسعار النفط جانبا رئيسيا في القصة". 

احتياجات بريطانيا من الطاقة

وتستورد بريطانيا من قطر 30% من استهلاكها من الغاز الطبيعي وهي ثاني مصدّر لها بعد الولايات المتحدة، أما وارداتها من النفط الخام والتي اقتربت من 14 مليون طن متري في العام الماضي، فتتنوع مصادرها، لكن من بينها السعودية والإمارات والجزائر وليبيا.

وحسب الخبراء، فإن تكرار "الصدمة النفطية" في وقت يشهد فيه العالم اضطرابا اقتصاديا لم يشف منه منذ جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، سيكون مغايرا لما حدث في سنوات السبعينيات. فبينما كانت الدول الصناعية الغربية في السبعينيات تتنافس في ما بينها على مصادر الطاقة العالمية، يشهد العالم الآن منافسين صناعيين جددا تتعاظم شهوتهم لمصادر الطاقة، خاصة الهند والصين، حيث تستورد الأخيرة 75% من احتياجاتها النفطية وتعتبر المشتري الأول للنفط الإيراني. وهو ما يعني أن كل القوى الصناعية سوف تتنافس على ما يتبقى من أسواق مفتوحة للإنتاج إذا تأثرت إمدادات الشرق الأوسط بصراع إيراني - إسرائيلي أوسع. 

لكن "صدمة نفطية" إذا حدثت لن تقتصر آثارها الخطيرة على كبار المنتجين والمستهلكين، بل ستشمل الدول الفقيرة المستوردة للطاقة والتي ستتأثر ميزانياتها وبرامجها التنموية لا محالة. أما كبار الرابحين - في حالة كهذه – فهم الولايات المتحدة التي تحقق فائضا نفطيا بعدما كثفت إنتاجها من النفط الصخري، وروسيا التي قد تُضطر أوروبا لطرق أبوابها مجددا أملا في استئناف الإمدادات من نفطها الوفير. 

المساهمون