استمع إلى الملخص
- **تأثير الحرب على الشركات الناشئة**: اندلاع الحرب على غزة أدى إلى انضمام 28 ألف عامل في التكنولوجيا الفائقة للجيش، مما أثر على إدارة الشركات الناشئة ودفعها لتسريح موظفين وتوظيف أجانب.
- **تراجع التمويلات والأعمال**: جمع رأس المال تراجع إلى 938 مليون دولار في الربع الثالث من 2024، وتأجيل مشاريع دولية، وتواجه شركة إنتل أزمة كبيرة.
القلق يتصاعد في محرك النمو داخل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ إن الاستثمارات في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية تنحسر، والشركات الدولية تعيد النظر بقراراتها في الدخول إلى سوق دائمة الاضطراب، وفي توظيف أشخاص يتركونها بغفلة للمشاركة في الحرب. فيما تتناقص التمويلات التي تجمعها الصناديق الاستثمارية لصالح إسرائيل، بل إن الإسرائيليين أنفسهم يختارون أسواقاً أخرى لحماية استثماراتهم.
وتشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن أكثر من 20% من جنود الاحتياط الذين يشاركون في الحرب على غزة هم موظفون في مجال التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية، وقد أدى غيابهم لعدة أشهر إلى تعقيد إدارة العديد من الشركات الناشئة بشكل كبير. ولتجنب الاضطرار إلى إلغاء العمليات أو تقويض تطورها، قامت المزيد من الشركات بتسريح موظفيها الإسرائيليين لتوظيف أجانب.
تأتي المؤشرات السلبية الكبيرة في قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية في الوقت الذي يمثل القطاع أهمية بالغة للاقتصاد هناك، حيث استحوذ القطاع في عام 2023 على نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل و53% من الصادرات بما قيمته 73.5 مليار دولار، وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن تقرير هيئة الابتكار.
وأشار تقرير هيئة الابتكار في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن هناك ما يقرب من 9200 شركة للتكنولوجيا الفائقة تعمل في إسرائيل، ومع اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترك نحو 28 ألف عامل في مجال التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية وظائفهم للانضمام إلى الجيش بصفة جنود احتياط، 60% منهم من عمال البحث والتطوير. وكما هو متوقع، كلما ارتفعت نسبة موظفي الشركة الذين يخدمون في الاحتياط، زاد الضرر الذي يلحق بها.
جنود في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية
هذا الواقع الذي يظهر مدى هشاشة المحرك الحاسم للاقتصاد الإسرائيلي، يدعمه تقرير موقع "كالكاليست" الإسرائيلي الذي يشير إلى أن الشركات الناشئة في إسرائيل تواجه واقعاً شبه مستحيل منذ بدء الحرب، بعدما تأثرت بشدة عندما جرى إرسال موظفيها، ومن بينهم كبار المسؤولين، إلى الاحتياط، ولا يزال بعضهم يجري تجنيدهم بشكل متقطع. وفي الوقت نفسه، بدأ العملاء من الخارج يعبّرون عن قلقهم بشأن استقرار إسرائيل، إلى حدّ الخوف من استمرار وجودها، مما أثر بالمعاملات وشروط الدفع.
ويطالب المستثمرون الآن بخطط مفصلة لاستمرارية الأعمال في حالة حدوث أي مشكلة. ويؤدي هذا المطلب بالعديد من الشركات إلى نقل أجزاء كبيرة من عملياتها خارج إسرائيل. وما كان في السابق خطوة اقتصادية بحتة أصبح الآن ضرورة وجودية للعديد من الشركات.
يقول بن باسترناك، الرئيس التنفيذي ومالك مجموعة أمان لـ"كالكاليست": "لقد شهدت الشركات الناشئة بشكل خاص التي لديها معالم وتواريخ تسليم، توظيف عدد كبير من العمال في الاحتياطيات، لأن جزءاً كبيراً من هؤلاء السكان مؤهلون للتجنيد وجرت تعبئتهم بحيث اشتدت الحاجة إلى العمل في الخارج بشكل أكبر. في كثير من الأحيان يكون الالتزام بالمواعيد النهائية شرطاً للحصول على مزيد من الأموال، ولهذا السبب تتجه الشركات الناشئة إلى الأنشطة خارج إسرائيل. في كثير من الأحيان، لسوء الحظ، اعتادوا على ذلك، ورأوا أن التكاليف أقل، لذلك في رأيي سيستمر هذا التوجه حتى بعد الحرب".
وبحسب قوله، فإن تكاليف رواتب توظيف العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية في الخارج أقل بكثير مما هي عليه في إسرائيل، بينما في صربيا أقل بنسبة 40% تقريباً؛ وفي بولندا والبرتغال أقل بنسبة 20% تقريباً". فيما يتعلق بنوع الموظفين والنشاط الذي ترغب الشركات الإسرائيلية في نقله إلى الخارج، لا توجد خاصية تكنولوجية معينة، ما تغير هو أن المزيد من الشركات تقوم بتعيين فرق كاملة بما في ذلك قادة الفرق وأفراد المنتجات والمهندسين المعماريين من الموظفين غير الإسرائيليين.
إذ "واجه العديد من العملاء حالة من غياب القيادة لأن المديرين وقادة الفريق جميعهم كانوا في الحرب، وجُندوا في الاحتياط، لذلك بدأوا في تعيين قائد فريق محلي خارج إسرائيل بحيث تكون الفرق في الخارج مستقلة ذاتياً"، بحسب ما يقول لـ"كالكاليست" رامي ناحوم، أحد مؤسسي شركة AppGreat، التي تزود شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية بخدمات الاستعانة بمصادر خارجية في أوروبا الشرقية، وخاصة في رومانيا وبلغاريا.
تراجع حجم الأعمال
ونشرت شركة IVC الإسرائيلية المتخصصة في مجال مصادر البيانات والمعلومات التجارية، التقديرات الأولى للربع الثالث من عام 2024 التي بموجبها جمعت شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية 938 مليون دولار فقط في 61 صفقة. وهذا هو أقل رأس مال جُمع منذ سبع سنوات، منذ الربع الثالث من عام 2017، وأقل عدد من المعاملات في العقد الماضي.
وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 70% مقارنة بالربع السابق وأكثر من 51% مقارنة بالربع الأول من عام 2024. أما بالنسبة لعدد الصفقات فالصورة أكثر إثارة للقلق، وفقاً لـ"كالكاليست"، فقد جرى تسجيل انخفاض بنسبة 58% مقارنة بالربع السابق، وبنسبة الثلث مقارنة بالربع الأخير من عام 2023. وهذا يعني أن الاتجاه الهبوطي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات يزداد سوءاً.
في نهاية الأسبوع الماضي، أُعلن في الهند أن شركة تاور الإسرائيلية لصناعة الرقائق ستبني مصنعاً جديداً للرقائق في الدولة البعيدة باستثمار قدره 10 مليارات دولار، بالتعاون مع مجموعة أداني، وذلك بدلاً من إنشاء المصنع في إسرائيل. كذا انخفضت أسهم Mobileye بنسبة 8% في تعاملات وول ستريت يوم الجمعة، بعد تقارير في الولايات المتحدة تفيد بأن شركة Intel تخطط لبيع 88% من أسهمها في الشركة المصنعة لأنظمة المركبات ذاتية القيادة ومقرها القدس المحتلة.
كما جمد بنك جنرالي الإيطالي العملاق مشروعه المشترك مع شركة "ون زيرو" الإسرائيلية، لإنشاء بنك رقمي في إيطاليا، وقُدِّر الاستثمار الأولي بنحو 40 إلى 50 مليون دولار، فيما كان من المقرر أن يبدأ المشروع في منتصف عام 2024. وفي رسالة إلى الموظفين، أكدت "ون زيرو" أن هذا مجرد تأخير مؤقت حتى يستقر الوضع الأمني. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك فرصة ضئيلة لأن يجري إطلاق المشروع في النهاية.
ويعمل بنك "وان زيرو " بخسارة، وسيخضع البنك لتخفيضات في الوظائف، حيث يصل إجمالي عدد الموظفين الذين سيجري تسريحهم في عام 2024 إلى 14% من قوته العاملة.
ويكشف تقرير جديد عن صورة قاتمة لصناديق رأس المال الاستثماري الإسرائيلية، التي تعد أساسية في رفد التمويلات في شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية. إذ وفقاً لتقرير شركة IVC-Gornicki-KPMG، الذي نشر أمس الثلاثاء، فإن الاتجاه التنازلي في جمع رأس المال لصناديق رأس المال الاستثماري الإسرائيلية الذي بدأ في عام 2023 لا يزال مستمراً في النصف الأول من عام 2024، حيث قامت عشرة صناديق إسرائيلية فقط بجمع 554 مليون دولار لصناديق جديدة، ويمثل هذا المبلغ انخفاضا حادا مقارنة بعام 2023 الذي جمع فيه 27 صندوقا مبلغا إجماليا قدره 1.6 مليار دولار. وإذا استمرت الوتيرة حتى في نهاية العام، ستكون هذه واحدة من أسوأ الأعوام في الصناعة التكنولوجية.
وصُنفت سبعة صناديق إسرائيلية لرأس المال الاستثماري على أنها الصناديق الأكثر نشاطاً في النصف الأول من عام 2024، لكن معظمها صناديق صغيرة تستثمر مئات الآلاف من الدولارات الفردية في كل شركة. ويظهر التقرير أيضاً أنه في النصف الأول من عام 2024، شارك المستثمرون المؤسسون الإسرائيليون في 13 جولة لجمع رأس المال بمبلغ إجمالي قدره 40 مليون دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 2020، وانخفاض كبير مقارنة بـ 158 مليون دولار و40 جولة في عام 2023.
أزمة "إنتل" إسرائيل
وفي السياق، يستمر القلق في شركة إنتل في إسرائيل. هذه الشركة التي تعتبر الأب الروحي للنمو التكنولوجي في إسرائيل، فقد كانت أول شركة تدخل هذه السوق باستثمارات واسعة في عام 1974، وتستعد الشركة للمرحلة التالية وهي تسريح العمال. وبحسب التقديرات، فإن الشركة ستضطر إلى تسريح عدد كبير سيتراوح بين عدة مئات من الموظفين، وقد يصل إلى أكثر من 1000 موظف. وتعد عمليات تسريح العمال جزءاً من عملية تقليص واسعة النطاق تقوم بها شركة Intel في جميع أنحاء العالم، بهدف توفير حوالي 10 مليارات دولار من المدخرات التي ستشمل أيضاً تسريح العمال وتقاعد ما يقرب من 15000 موظف.
وقد قررت شركة إنتل في يونيو/ حزيران الماضي بتجميد بناء مصنعها الجديد في مستعمرة كريات غات التي تبتعد 45 كيلومتراً عن غزة، بعدما جرى الإعلان عن المشروع رسمياً في ديسمبر الماضي، باستثمار قدره 25 مليار دولار، وفي جزء من الاتفاق مع إسرائيل بشأن توسيع المصنع في إسرائيل، كان من المفترض أن تحصل الشركة على حوافز بقيمة 3.2 مليارات شيكل، وفي المقابل تلتزم بشراء منتجات وخدمات تصل قيمتها إلى 60 مليار شيكل من الموردين الإسرائيليين خلال العقد القادم.