لا تزال الأدوية ضحية كماشة "التقشف" الذي تبنته الحكومة الجزائرية خلال سنوات الأزمة المالية جراء تهاوي عائدات النفط، حيث دفعتها سياسية "شد الحزام" إلى توسيع دائرة الأدوية غير القابلة للتعويض (خارج التأمين الصحي).
ويطالب الجزائريون وحتى الصيادلة ومنتجو الأدوية بمراجعة قائمة الأدوية غير المُعوضة، دعما للقدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أصحاب الدخل الضعيف، المصابين بأمراض مزمنة.
وفي السياق، يقول المواطن عمر تيكور، الذي التقته "العربي الجديد" في إحدى صيدليات العاصمة الجزائرية، إنه بات يجد صعوبة في شراء دواء لمرضه الجلدي "الصدفية"، وذلك بعدما أصبح الغسول المُضاد للفطريات خارج قائمة الأدوية القابلة للتعويض، نظرا لثمنه المرتفع".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أنه وضع طلبا لدى مصالح الضمان الاجتماعي (الرعاية الصحية) لتسجيله كحاملٍ لمرضٍ مزمن، إلا أن الهيئة رفضت، واضطر كل شهر لشراء الأدوية والعلاج أحيانا بما يصل إلى ثلث راتبه للأسف، وعلى الحكومة مراجعة سياسة التعويض، وتحديث القائمة الوطنية للأدوية غير القابلة للتعويض، لأن قدرة المواطنين الشرائية لا تحتمل ضغطاً آخر يضاف إلى غلاء المعيشة".
وكانت الحكومة قد وضعت سنة 2017 مادة في الموازنة العامة تقر بأنّ "الأدوية باهظة الثمن لن تعوض من طرف صندوق الضمان الاجتماعي (الحماية الاجتماعية)، بل ستخضع لعقود نجاعة تتعهد من خلالها المخابر بتعويض ثمن الأدوية".
وتبقى المادة في صياغتها مبهمة و"مطاطية" حسب الناشطين في قطاع صناعة وتسويق الأدوية في الجزائر.
إلى ذلك، يقول رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة عبد الواحد كرار،: "للأسف، المادة جاءت واسعة وفضفاضة جداً، فهي لم تضع سلّماً يحدد ماهية الأدوية باهظة الثمن" هل هي ما فوق 1000 ألف دينار أم 10 آلاف دينار".
ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "استهلاك الأدوية سيرتفع في السنوات القادمة بسبب ارتفاع عدد السكان، وسننتقل من 80 دولاراً للمواطن الواحد كدواء مستهلك في السنة، إلى 120 دولاراً في القريب العاجل، وبالتالي توجه الحكومة إلى نظام التعويض كان استباقياً لكنه جاء من دون دراسة محددة".
وكانت المادة 93 من قانون الموازنة العامة لسنة 2017 محل صراعٍ سياسي بين حزبي الموالاة "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" من جهة، وحزب العمال (اليسار المعارض) الذي طالب بإلغائها تماما، بحجة مساسها بالفئات الهشة مباشرة وتعديها على الطابع "الاجتماعي للدولة" الجزائرية.
وترجع النائبة السابقة في البرلمان الجزائري بين 2012 و2017 نادية شريتم طلب إلغاء المادة 93 إلى كون "المادة تمس حقا دستوريا وهو الحق في العلاج، الذي جعله الدستور على عاتق الدولة مهما كانت الظروف".
تضيف لـ"العربي الجديد" أن ما فهمته من خلال حديثٍ لها مع وزير المالية الجزائري آنذاك حاجي بابا عمي أن المادة تشمل الأدوية بصفة عامة وحتى الأدوية المستعملة في علاج الأمراض الخطيرة كـ"العلاج الكيميائي" لـ"داء السرطان" وغيره من الأمراض الخطيرة والمزمنة.
ورصدت الحكومة 122 مليار دينار لتغطية فاتورة تعويض الأدوية والعلاج لسنة 2023، أي حوالى 900 مليون دولار، تُدفع من ميزانية الدعم.
ومن منظور اقتصادي، يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "سن مادة وبالطريقة التي جاءت بها عامة وغامضة يكشف عن نية الحكومة في شد حزام قطاع الصحة، الذي يكبد خزينة الجزائر حوالى 12 مليار دولار سنوياً من خلال ضمان مجانية العلاج".
وكانت الجزائر قد استوردت، حسب إحصائيات حكومية، أدوية بقيمة مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من السنة الحالية.