أعلنت الرئاسة الجزائرية عن التعديل الثاني الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون، على حكومة عبد العزيز جراد، وذلك تحت ضغط الطبقة السياسية والشارع الجزائري على السواء، وأفضى إلى إقالة سبعة وزراء، وإلغاء ثلاث وزارات واستحداث وزارة جديدة للرقمنة والإحصائيات. وطاولت التغييرات وزراء في المجموعة الاقتصادية، وذلك عشية حلول الذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي أطاح بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تربع على كرسي الحكم لعشرين سنة كاملة.
وعصفت رياح التغيير بالقطاع الاقتصادي في الحكومة الجديدة، حيث تمت إقالة وزير الصناعة فرحات آيت علي، جراء فشله في تسيير القطاع، خاصة في إعادة تنظيم قطاع تجميع السيارات والمركبات والأجهزة الكهربائية المنزلية، بعد إطلاقه لوعود بطرح دفاتر الأعباء والشروط المنظمة لهذه الأنشطة خلال أشهرٍ فقط بعد تنصيبه مطلع يناير/كانون الثاني 2020.
كما زاد آيت علي الطين بلة، بمنحه رخص استيراد سيارات جديدة لرجال أعمال دون الكشف عنهم للرأي العام، وهو ما وضعه في صدام مع نواب البرلمان الذين اتهموه بخدمة "كارتل مالي" جديد يريد السيطرة على الحياة الاقتصادية.
وعُرف آيت علي بإطلاقه تصريحات استفزازية تجاه المواطنين، بعد تجميده لقرار استيراد السيارات المستعملة، بحجة كبح تهريب العملة الصعبة من استيراد "خردة أوروبية". وخلفه على رأس قطاع الصناعة محمد باشا، أمين عام نفس الوزارة لعدة سنوات وخريج مدرسة الإدارة الجزائرية.
كما عجلت سياسة دمج الوزارات ضمن سياسة التقشف، برحيل وزير الطاقة عبد المجيد عطار، الذي عوضه وزير المناجم محمد عرقاب بعد ضم الطاقة إلى المناجم.
وكشفت مصادر لـ "العربي الجديد" أن "نظرة عطار إلى ملف رفع الدعم عن الطاقة، تتعارض مع توجه الحكومة حاليا، حيث يتوجه عطار نحو الرفع الفوري للدعم على أسعار الوقود والغاز لكبح الاستهلاك المرتفع، وهو ما يعارضه تبون حاليا، كون أن قدرة المواطنين الشرائية، بالإضافة لغياب إحصاء دقيق لأصحاب الدخل الضعيف يعيقان هذا المسار".
وفي المقابل، كان تورط وزير الموارد المائية أرزقي براقي، في قضايا فساد تعود لنظام بوتفليقة، دافعاً بالنسبة للرئيس عبد المجيد تبون لإقالته تحسبا للتحقيق معه، بالإضافة لفضيحة قطع المياه الصالحة للشرب عن الجزائريين في عيد الأضحى 2020، كانت أيضا من بين الأسباب وراء الإطاحة بأرزقي براقي، الذي عوضه أمين عام وزارته ومدير المدرسة الجزائرية للري مصطفى كمال ميهوبي.
وفي نفس السياق، استحدث تبون وزارة جديدة تعنى بقطاع الرقمنة والإحصائيات، وعيّن لإدارتها مستشار الرئيس المكلف بمهمة حسين شرحبيل، فيا تخلى تبون عن وزارة التجارة الخارجية التي قادها أحد مقربيه في الحملة الانتخابية عيسى بكاي.
وفي لعبة تدوير الكراسي، قرر الرئيس الجزائري نقل وزير السكن، كمال ناصر، لتسيير وزارتي الأشغال العمومية والنقل، بعد دمجهما في هذا التغيير الحكومي.
ويعتبر ناصر من أشد حلفاء تبون، حيث شغل منصبا قياديا في حملته الانتخابية الرئاسية، رفقة خلفه على رأس وزارة السكن طارق بلعريبي، المدير العام للوكالة الجزائرية لتطوير وتحسين السكن، المُكلفة بإنجاز السكنات المدعمة للطبقة المتوسطة.
وأوضحت الرئاسة الجزائرية في بيانها بأن تبون قرر تقليص عدد الدوائر الوزارية بهدف "التركيز على الفعالية في الميدان بإقحام كفاءات جديدة".
وكان لجائحة كورونا ضحاياها في الحكومة الجزائرية، وفي مقدمتهم وزيرا الأشغال العمومية فاروق شيعلي، والسياحة محمد حميدو، بعد عجزهما عن إنعاش قطاعاتهما التي تأثرت كثيرا بإجراءات الحجر الصحي التي أقرتها الجزائر لكبح تفشي كورونا.
ويخلف حميدو، محمد علي بوغازي، مستشار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لأكثر من 15 سنة والمتحدر من حزب النهضة الإسلامي.
وعكس كل التوقعات، نجح وزير التجارة كمال رزيق، في الاحتفاظ بمقعده في حكومة جراد، رغم فشله في تسيير قطاعه الذي شهد عدة أزمات منها أزمة الحليب المتكررة وندرة مواد واسعة الاستهلاك عند بداية تفشي كورونا، بالإضافة لانفلات الأسعار في الأسواق الجزائرية، وهو نفس مصير وزير البريد إبراهيم بومزار، الذي استمر في منصبه رغم اهتزاز قطاعه بأزمة نقص السيولة النقدية منذ صيف 2020، يضاف إليها تردي خدمات الإنترنت.
كما نجا وزير المالية أيمن عبد الرحمان، من مقصلة تبون، رغم مرور قطاعه بعدة أزمات منها نقص السيولة لدى المصرف المركزي الجزائري وتهاوي الدينار لمستويات تاريخية في عهده أمام العملات الأجنبية.
كما قرر الرئيس الجزائري الاحتفاظ بعبد الحميد حمداني كوزير للفلاحة والتنمية الريفية، وبن باحمد كوزير للصناعة الصيدلانية.
وفي قراءة للحكومة الجديدة، يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن "الحدث فيها كان إقالة وزير الصناعة فرحات آيت علي الذي شغل الجزائريين بتصريحاته وسوء تسييره لملف السيارات، وهو ما كان منتظرا.
أما عن عبد المجيد عطار فالأكيد أنه دفع ثمن تمسكه بموقفه من رفع الدعم، بالإضافة لتحفظه على مشروع "ديزر تك" للطاقة الشمسية بالشراكة مع ألمانيا، التي قضى فيها الرئيس أكثر من 60 يوماً".
وأضاف الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" أن "الوافدين الجدد على الوزارات هم إداريين وتدرجوا في المناصب، ما يعني أننا أمام استمرار لحكومة "تكنوقراط"، لكن المؤسف هو عودة السلطة الحاكمة إلى سياسة دمج الوزارات وإلغاء أخرى بعد أقل من سنة من استحداثها، وهذا ما يعبر عن غياب رؤية وورقة طريق حقيقية، فكيف يمكن أن نفسر مراهنة الرئيس تبون وحكومة جراد على رفع الصادرات إلى 5 مليارات دولار خارج النفط، ونلغي وزارة التجارة الخارجية؟ الأكيد هناك خلل".
ولفت نورالدين إلى أن "الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، حتى إجراء انتخابات برلمانية شهر يونيو/ حزيران المقبل على أقصى تقدير، ستفرز حكومة سياسية من الأحزاب التي ستفوز بأغلبية المقاعد، وذلك تماشيا مع دستور 2020". ويعد هذا رابع تعديل وزاري على التوالي أجراه الرئيس تبون في ظرف سنة.