أدت إجراءات الحجر الصحي وإغلاق المجالات الجوية والبحرية والبرية، التي أقرتها الحكومة الجزائرية بهدف كبح انتشار فيروس كورونا، إلى تقلص عدد طلبات تجديد رخص العمال الأجانب في البلاد.
جاء ذلك أيضاً بالتزامن مع توقف المشاريع الكبرى بسبب سياسية التقشف التي انتهجتها الحكومة. وكشف مصدر من وزارة العمل والتشغيل الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن طلبات تجديد تصاريح العمل للعمال الأجانب بالمؤسسات الأجنبية الناشطة فوق التراب الجزائري، قد تراجعت بحوالي 55 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وأرجع المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، "عزوف بعض الشركات عن تجديد فترة بقائهم في الجزائر حسب الأصداء الصادرة من عند بعض أرباب العمل، إلى إغلاق الحدود الجزائرية منذ شهر مارس/آذار 2020، حيث فضل العمال خاصة من الصين وأوروبا عدم العودة بسبب غياب رحلات جوية إلى الجزائر، بعدما استطاعوا الخروج إلى بلدانهم ضمن رحلات الاجلاء التي أقرتها بلدانهم.
وحسب المصدر، فإن الحكومة رفضت منح تراخيص استثنائية للعمال الأجانب، خاصة القادمين من الصين خوفا من نقل الفيروس، في ظل الحديث عن سلالات جديدة منها ظهرت هناك.
ومنذ ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا مطلع مارس/آذار 2020، قررت الحكومة إغلاق جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية، وأجوائها أمام الرحلات الدولية، ما عدا رحلات الإجلاء من وإلى الجزائر، ما عطل وصول العديد من العمال الأجانب خاصة الصينيين العاملين في قطاع البناء، وعمال شركات النفط في الجنوب الجزائري.
وكانت الجزائر في العقدين الأخيرين قبلة مفضلة للعمالة الأجنبية، بعد إطلاقها لمشاريع ضخمة في السكن والأشغال العمومية والطاقة، حيث تشير آخر الأرقام لوزارة العمل سنة 2018 إلى أن في البلاد أكثر من 150 ألف عامل أجنبي، من 123 جنسية متحصلين على سند عمل ما يعادل 0.75 بالمائة من العدد الإجمالي للعمال في البلاد، من بينهم 50 ألف يشتغلون في مجال البناء والأشغال العمومية والري و9000 عامل في صناعة و3000 عامل في قطاع الخدمات.
إلا أن هذه الأرقام عرفت تقلصا لعاملين اثنين حسب مراقبين: الأول يتعلق بإغلاق الحدود، والعامل الثاني الذي زاد من ولوج العمالة الأجنبية الجزائر صعوبة، هو تشديد بنك الجزائر المركزي الرقابة على عمليات تحويل العملة الصعبة إلى الخارج بسبب الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، وتسقيف قيمة العملة الصعبة المسموح للمسافرين نحو الخارج حيازتها والتي تساوي أو تقل عن 3 آلاف يورو، أو ما يعادلها من الدولار، بالإضافة إلى إقرار زيادة في الرسوم المفروضة على عمليات تجديد رخص العمل للعمالة الأجنبية بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2015.
وفي السياق يقول أحد العمال الصينيين في الجزائر ويعمل في شركة صينية كبيرة مختصة في البناء لـ"العربي الجديد" إن "ثلث عمال الورشة التي يشتغل بها غادروا الجزائر مع بداية الأزمة الصحية، ولم يستطيعوا العودة، في ظل عجز الشركة والسفارة الصينية في الجزائر عن استصدار رخص دخول استثنائية". وأضاف العامل الصيني، الذي رفض ذكر اسمه، أن "تراجع عدد العمال الصينيين أثر على نسبة تقدم الأشغال في ورشات البناء الكبرى، التي توقفت بها الأعمال منذ بداية الجائحة.
وأضاف أن "الظروف الحالية لا تسمح بالبقاء ولا العودة للعمل في الجزائر، وفوق كل هذا هناك العراقيل البنكية، التي دفعتنا إلى ملاذ غير قانوني وهو إعطاء مبلغ من الأموال إلى صينيين مقيمين في الجزائر، على أن يقدمها أقاربهم إلى عائلتك في بلاده، أي أننا أنشأنا شبكة لتحويل الأموال موازية لكثرة الشروط البنكية على عمليات تحويل الأموال".
ومن المنتظر أن يلقي تعطل العمال الأجانب عن العودة للجزائر بظلاله على وتيرة سير الأشغال في الورشات الكبرى على غرار السكن والأشغال العمومية، ما سيترتب عنه تأخر في تسليم المشاريع، نتيجة نقص اليد العاملة المؤهلة محليا، الأمر الذي سيجبر الحكومة الجزائرية على إعادة النظر في حجم المشاريع الممنوحة للمؤسسات الأجنبية تماشيا مع الوضعية الصحية والمالية التي تمر بهما البلاد.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن "الحكومة كانت ملزمة على وضع استثناءات، سواء بمنح تراخيص خاصة لشركات الصينية لأنها المتضررة أكثر وحتى شركات النفط الأجنبية، ولو بإقرانها بشروط مثل ضرورة إرفاق العامل جواز سفره بتحليل كشف عن كورونا، على الأقل يجرى قبل 48 ساعة من دخول الجزائر، كما تُحتم الظروف الصحية والمالية التي تعيشها البلاد اتخاذ إجراءات لينة خاصة على المستوى المصرفي لاستمالة العمال الأجانب في الظروف الحالية".
وتابع الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "الجزائر تشهد عجزا في اليد العاملة في بعض القطاعات خاصة في قطاع البناء، وقد رأينا أن العمالة الأجنبية ساعدت كثيرا الجزائر في السنوات الأخيرة خاصة في البنى التحتية والصناعة وبالتالي لا يمكن أن نفتح باب الانتداب الخارجي للعمالة من جهة ونغلق كل المنافذ المالية من الجهة الأخرى، وإلا كيف ستغري الأجانب على القدوم إلى الجزائر مستقبلا؟".