لم يمنع توفر عرض كافٍ من الأسماك في الجزائر، من ارتفاع أسعارها، ويعزى هذا إلى حرص الوسطاء وتجار التجزئة على توسيع هامش أرباحهم، مستغلين زيادة الطلب، خاصة على الأنواع متوسطة السعر كـ "السردين" و"الميرلان".
في سوق "باشا جراح" الشعبي في العاصمة الجزائرية لا يجد البائع عمار صحراوي، تفسيراً للمستوى الذي بلغته أسعار الأسماك في الأسابيع الأخيرة، محاولاً إخفاء حرجه اتجاه الزبائن الذين يقصدونه منذ سنوات، مكتفيا بالقول في حديث مع "العربي الجديد" إنه "يحاول أن يضع هامش ربح صغيراً يسمح لزبائنه باقتناء ما يناسبهم ويضمن عودتهم". وأكد صحراوي أن "الأسعار ارتفعت في الحلقة الأولى من سلسلة البيع أي في الموانئ".
وجرت العادة على أن ترتفع أسعار الأسماك في الأيام والأسابيع التي تشهد تقلبات جوية، غير أنه ظهر أن تلك الأسعار تأبى التراجع بالرغم من الاستقرار غير المسبوق في الأحوال الجوية، وغياب الأمطار، حيث قفزت أسعار الجمبري من 2800 دينار (20 دولارا) للكيلوغرام إلى 3500 دينار (25 دولارا)، وسمك موسى من 1100 دينار (7 دولارات) للكيلوغرام إلى 1600 دينار (11 دولارا)، وهي زيادات تتجاوز ثُلث مستويات ما كانت عليه الأسعار قبل أشهر. وباتت معظم الأسماك خارج استطاعة جيوب المواطنين المنهكة بالغلاء وتدهور القدرة الشرائية.
ويؤكد البائع مصطفى بن حليمة لـ"العربي الجديد" أن الزيادات في الأسعار تراوحت، حسب الأسواق ونوع السمك ما بين 700 و1500 دينار (5 و10 دولارات) للكيلوغرام، ويتهم البائع الصيادين والوسطاء وتجار الجملة بممارسة المضاربة لإبقاء الأسعار مرتفعة.
وتحولت أسعار السمك في الجزائر إلى قضية شغلت الشارع وانتقلت إلى منصات التواصل الاجتماعي، ثم إلى طاولة الحكومة، التي أمرها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سابقا، برفع تقرير مفصل له، يرصد أسباب القفزات في الأسعار، مع وضع حلول عاجلة لرفع العرض وكبح المضاربة.
ويرى ممثلو الصيادين أنهم أبرياء من الزيادات التي مست أسعار السمك الطازج، حيث أكد رئيس الفيدرالية للصيادين (نقابة الصيادين) حسين بلوط أن "موسم الصيد يشهد اضطرابا في النشاط، كما أن بعض الصيادين يستعملون المتفجرات وشباك ممنوعة دوليا، أثرت على الثروة السمكية للجزائر".
وطالب بلوط الصيادين في تصريح لـ "العربي الجديد" " بتخفيض ثمن الأسماك عند بيعها لتجار الجملة والتجزئة، لتمكين المواطن من شرائها، بالنظر إلى الإقبال الكبير للعائلات عليها على اعتبار أنها تعد من الأطباق الأساسية، نظرا للفوائد الكبيرة التي تتوفر عليها الأسماك وأهميتها لجسم الإنسان، مع اعتماد سعر موحد لكل صنف من الأسماك."
ولا تكف جمعيات حماية المستهلك، عن تنبيه المستهلكين إلى عدم الإقبال على الشراء في الفترات التي ترتفع فيها الأسعار، محذرة من غش المستهلك بسبب ارتفاع الطلب من قبل القطاع غير الرسمي، خاصة على المنتجات مثل الأسماك، غير أن الجمعيات ترى أن المستهلك يتحمل قسطاً من المسؤولية في ارتفاع أسعار المنتجات واسعة الاستهلاك.
تحولت أسعار السمك في الجزائر إلى قضية شغلت الشارع وانتقلت إلى منصات التواصل الاجتماعي، ثم إلى طاولة الحكومة
وإلى ذلك قال رئيس الجمعية الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك مصطفى زبدي إن "الكل يتحمل المسؤولية في ارتفاع أسعار السمك وكل المنتجات، والمسؤولية الأكبر تقع على المستهلك لأنه آخر حلقة، فلو قاطع الجزائريون شراء السمك لتضررت تجارة الصيادين والوسطاء".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "الصيادين يلجؤون إلى رمي الأسماك في البحر عوض إدخالها إلى الأسواق وذلك لإبقاء العرض أقل من الطلب وبالتالي الحفاظ على الأسعار مرتفعة، وكل هذا وسط غياب للرقابة من الجهات الرسمية بالإضافة لغياب ثقافة الاستهلاك لدى الجزائريين، الذين لم يتبنوا بعد المقاطعة لمعاقبة التجار ومن يقف خلفهم."
ويبلغ إنتاج الجزائر أقل من 250 ألف طن سنويا، بالرغم من امتداد الشريط الساحلي الجزائري على طول 1200 كيلومتر، ما جعل الجزائر تستنجد باستيراد الأسماك المجمدة من فيتنام والصين، غير أنه منذ بداية السنة لم يدخل الجزائر أي أسماك مجمدة بعدما جاءت في قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، ما ساهم في ارتفاع الأسعار.