يستعد الجزائريون لتوديع أمجاد "البحبوحة المالية". إذ سلّت الحكومة الجزائرية الجديدة سيف "التحصيل الضريبي" في وجه المستثمرين والتجار، لمعالجة تراجع عائدات الخزينة وارتفاع الإنفاق في موازنة 2021.
وتسعى الحكومة إلى ردم جزء من العجز الذي بلغ مستويات قياسية فاقت 22 مليار دولار لأول مرة في تاريخ الجزائر، وتنويع الاقتصاد.
علمت "العربي الجديد" من مصدر حكومي، أنه من المنتظر أن يحمل قانون الموازنة العامة لسنة 2022، تدابير جديدة لتحسين التحصيل الجبائي، من خلال وضع جدول زمني جديد لتسديد جباية المكلفين بالضريبة ومسح عقوبة التأخر في السداد.
وتأتي تحركات الحكومة الجزائرية بقيادة وزير المالية، وهو ذاته رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن، كخطوة أولى لإعادة الاعتبار لنسبة التحصيل الضريبي التي تتراوح ما بين 12 و13 في المائة سنوياً فقط، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مصالح الضرائب الجزائرية.
تسعى الحكومة إلى ردم جزء من العجز الذي بلغ مستويات قياسية فاقت 22 مليار دولار لأول مرة في تاريخ اللباد
وكانت الجزائر قد حققت سنة 2015 أعلى نسبة تحصيل ضريبي لها منذ الاستقلال (سنة 1962)، بنسبة 20 في المائة، بقيمة 3050 مليار دينار (27.72 مليار دولار)، ما جعل الجباية العادية تتغلب على الموارد النفطية التي ظلت لعقود طويلة تهيمن على إيرادات الميزانية العامة في البلاد.
ويرى مراقبون أن هذه الأرقام تعد بمثابة الشجرة التي يُراد بها إخفاء غابة "التهرب الضريبي" الذي عجزت وزارة المالية الجزائرية عن كبح تفشيه.
ففي سنة 2018 على سبيل المثال بلغت قيمة الضرائب غير المحصلة 9 آلاف مليار دينار، أي ما يعادل 80 مليار دولار بقيمة الصرف الرسمي الحالي، حسب تقرير رسمي صادر عن مجلس المحاسبة في الجزائر.
ويرجع المستشار في الشؤون الاقتصادية إبراهيم نواورية، عجز الحكومة الجزائرية عن رفع المعدل السنوي للتحصيل الضريبي، إلى عدة عوامل منها "ما يتعلق بالجانب البشري ونقص التأهيل والتكوين وغياب المعلومات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالمتعاملين الاقتصاديين".
ويضيف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "من النادر أن تجد بلدية في الجزائر قادرة على معرفة عدد المؤسسات الناشطة فوق ترابها، فسجلات الضرائب ليست مُحينة".
وعليه، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، يرى المستشار في الشؤون الاقتصادية أنه "حان الوقت لإحداث إصلاحات ضريبية جذرية في البلاد، إذ لا يعقل أن تُحصل 99 في المائة من العائدات الضريبية من 12 محافظة فقط من أصل 58 محافظة، وبالتالي نحن الآن أمام ظلم اجتماعي لأن التحصيل الضريبي لا يمس إلا رواتب العمال المُصرح بهم من خلال اقتطاع الضريبة عن الدخل العام، وبالتالي هناك إخلال بنظام تكافؤ الفرص أمام المتعاملين الاقتصاديين".
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي والقاضي السابق في مجلس المحاسبة الجزائري عبد الرحمن مبتول إن "الخزينة العمومية تخسر مليارات الدولارات سنويا من جراء التهرب الضريبي الذي أَضحى معضلة ترجع أسبابه إلى نقص الوضوح في التسيير وغياب آليات الرقابة، كون أغلب العاملين في الشركات خارج المحاسبة، وتوظيفهم تم عن طريق الواسطة".
ويؤكد مبتول لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة مجبرة وليست مخيرة لإصلاح الوضع الذي لا يتطلب خطابات جوفاء ولغة الخشب".
ويضيف عبد الرحمن مبتول أن قرار "إشهار سيف التحصيل الضريبي، لا يكون بقرار سياسي بقدر ما يكون بقرارات تقنية وإدارية وحتى عقابية ردعية".
إلا أن الحكومة الجزائرية، وفي سعيها لتوسيع الوعاء الضريبي وتشديد إجراءات التحصيل الضريبي من أجل إنعاش موارد الخزينة العمومية، تجد نفسها أمام المعادلة الصعبة، تضعها بين مطرقة تنويع مداخيل الخزينة العمومية من خلال جمع أموال الضرائب والجباية وسندان إحداث بعض الليونة تشجيعا للاستثمار.
ويرى مدير مكتب الدراسات المالية "ترايدينغ وورد" كمال صابي أن "الحكومة الجزائرية مجبرة اليوم على دمج الاقتصاد الموازي الذي يعادل حجم الاقتصاد الرسمي، بدلاً من التوجه نحو إرهاق المؤسسات، بتوسيع الوعاء الضريبي وتشديد التحصيل الذي سيؤدي إلى انكماش نسبة النمو في البلاد".
ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الجزائري تحتّم تشجيع الاستثمار، وذلك لا يتم من خلال التضييق المالي على بعض المؤسسات وترك مؤسسات أخرى بلا مسؤولية ضريبية".
ويدعو الخبير الاقتصادي لمين مزرب الحكومة الجزائرية إلى تبني "فكرة الجنات الضريبية، والعفو الجبائي وتبسيط المنظومة الجبائية، مع خلق منطقة للتبادل الحر داخل البلاد".
ويشدد مزرب، في تصريح لـ "العربي الجديد"، على أنه "لا يعقل أن نفرض ضريبة على الأرباح تقدر بـ 24 في المائة هي الأعلى بين الدول في المنطقة وتُنفر المستثمر من دفع الضرائب وتجبره على الالتواء على القانون، كما تُنفر الأجنبي من دخول الجزائر".