تسبب الجفاف والانخفاض الحاد لمستوى الأمطار عن المعدل السنوي، البالغ 440 مليمتراً في العام، بخسائر كبيرة للزراعة البعلية والمروية في منطقة الجزيرة السورية، ما أدى لانهيار في المحاصيل، لا سيما محاصيل القمح والشعير والكمون، في المنطقة التي تعتمد على الزراعة البعلية بنسبة تفوق 85 في المائة.
منذ عام 2011، خرجت معظم المشاريع الزراعية التي كانت تعتمد على المياه الجوفية عن الخدمة نتيجة لعوامل كثيرة، منها تبدل الجهات العسكرية المسيطرة، وعمليات النهب والتخريب التي طاولت كثيراً من البنى التحتية، وغياب جهة تعمل على تأمين مستلزمات الزراعة من أسمدة وبذور ووقود وأدوية، إضافة لغلاء أسعار المستلزمات التي تدخل في الإنتاج مقابل الأسعار الرخيصة للمنتجات الزراعية.
ومؤخراً، ظهرت المشاكل التي تتعلق بالأنهار، خصوصاً مشكلة انخفاض مياه نهر الفرات في دولة المنبع تركيا، الناجمة عن الجفاف، وأدى انخفاض المنسوب إلى خروج كثير من محطات المياه والقنوات والمشاريع الزراعية من الخدمة، رغم أنّ مشكلة نهر الفرات لا تقارن بعشرات الأودية والمجاري المائية، دائمة الجريان ومؤقتة الجريان، الحدودية، والتي توقف معظمها، ما أثر أيضاً سلباً في البيئة والإنتاج الزراعي من قمح وشعير وقطن في المناطق الحدودية.
المزارع من قرية بلة الواقعة في ناحية عامودا محمد فاتو قال لـ"العربي الجديد": "أمتلك مع عائلتي 420 دونماً من الأرض، كنا نزرعها عادة بالقمح والقطن ونسقيها بمياه البئر الإرتوازي، لكن، بعد انقطاع الكهرباء شبه الدائم وانقطاع المازوت المتكرر وسوء نوعيته وغلاء الأسعار، اضطررنا لأن نكف عن العمل في الزراعة المروية، وأصبحنا نعتمد الزراعة البعلية، ومع ذلك، خسرنا حوالي 8 ملايين ليرة سورية (2570 دولاراً) تكلفة زراعة مساحة الأرض من حراثة وأسمدة وبذور. لذلك، نطالب الادارة الذاتية ووحداتها الزراعية بدعمنا ودعم الزراعة والفلاحين عموماً".
بدوره، تحدث المزارع من قرية جولدار، بريف الحسكة، شيخموس، عن الخسائر التي تعرض لها هذا الموسم، وقال لـ"العربي الجديد": "نملك حوالي 300 دونم نزرعها بعلاً بالقمح والشعير والكمون أو المحاصيل العطرية، وذلك لإراحة الأرض.
هذا الموسم لم تسقط الأمطار، وبالتالي لم تنمُ المحاصيل البعلية، وكنا قد زرعنا الأرض هذا الموسم بالعدس، الذي لم يثمر وبقي فقط عشباً قصيراً، وتكبدنا خسائر تصل إلى قرابة 6 ملايين ليرة سورية (1940 دولاراً)".
وفي تفاصيل إضافية حول خسائر المزارعين في المنطقة هذا العام، أوضح الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد التابعة للإدارة الذاتية سلمان بارودو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ وضع الموسم الزراعي لهذا العام سيئ جداً، لأنّ معظم المساحات المزروعة بعلية وتأثرت بقلة هطول الأمطار، كما أثرت قلة الأمطار، وكذلك تخفيض تدفق مياه نهر الفرات من جانب تركيا، سلباً على الزراعات المروية في المنطقة.
وقال بارودو: "المساحات البعلية تقارب مليوناً و188 ألف هكتار، والمساحات المروية تتجاوز 300 ألف هكتار، وبالنسبة لتأخر المطر، فإنّ توقعات الزراعة البعلية تقترب من الصفر، والاعتماد هو على المروي، فيما الإنتاج المتوقع يقدر بنحو 500 ألف طن، وهي كمية كافية للمواسم المقبلة بالنسبة للبذور والطحين للأفران والمطاحن، ولدينا مخزون من السنة الماضية يتجاوز 250 ألف طن".
وأشار بارودو إلى أنّ الهيئة تتخذ إجراءات وقائية للمحافظة على الموسم وعدم نشوب حرائق، وكذلك حماية المحصول من الحشرات الضارة عبر رش المبيدات الضرورية بالمجان. مضيفاً: "نعمل مع مديريات ولجان الزراعة كافة لإحصاء المساحات المزروعة بشكلٍ دقيق، ودراسة تكاليف الإنتاج لتحديد سعرٍ مناسب للقمح والشعير، ما يحول دون تضرر المزارع".
وكانت هيئة الاقتصاد التابعة للإدارة الذاتية أصدرت قراراً ينص على منع الاحتكار والاتجار بالقمح، الذي شهد إنتاجه تراجعاً حاداً منذ مطلع عام 2011، إذ وصل إنتاج سورية من القمح إلى نحو 4 ملايين طن، لينخفض الإنتاج إلى نحو مليون ونصف مليون طن، وبلغ إنتاج القمح خلال عام 2019 في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية نحو 900 ألف طن، بينما بلغ الإنتاج عام 2020 نحو 850 ألف طن.
وحسب بيانات رسمية، تعاني سورية أزمة نقص المياه خلال السنوات الأخيرة، واضطر كثير من أهل الريف والمناطق الزراعية للهجرة إلى المدن قبل الثورة السورية عام 2011. وتعتبر مدن الجزيرة السورية "الرقة، دير الزور والحسكة" خزان سورية المائي والغذائي.