بدأ المزارعون في شمال شرقي سورية الذي تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) جني محاصيلهم من الحبوب (القمح والشعير والعدس والحمص) والمحاصيل العطرية (الكمون والكزبرة)، في ظل معطيات تشير إلى أن موسم هذا العام سيكون وفيرا ومجديا، بعكس مواسم فائتة.
ومع بدء الحصاد في المناطق الأكثر حرارة والأكثر نضجا للمزروعات، بدأت تتوارد الأخبار عن نشوب حرائق في حقول المزارعين على امتداد مساحة "شرقي الفرات" في مناطق دير الزور والرقة والطبقة والحسكة وصولا إلى القامشلي والمالكية، التي تعد سلّة غذاء سورية الرئيسية وتنتج الكميات الأكبر من القمح، سواء كان بعلياً أو مروياً.
وتم رصد عشرات الحرائق خلال الأسبوع الفائت، حيث احترق أكتر من 100 هكتار في قرية بير بكي ودندك التابعة لعين العرب (كوباني) شمال شرقي حلب، واحترقت مساحة من محصول القمح نتيجة ماس كهربائي جنوب شرق تل حميس في محافظة الحسكة وتم إخمادها من قبل الأهالي.
كما احترق 18 دونما من محصول الشعير في قريتي السطيحية وأبو نجور التابعتين لناحيتي تل حميس وتل براك في ريف الحسكة بسبب ماس كهربائي. وأخمدت فرق الإطفاء وبمساعدة الأهالي حريقا في قرية كركي خجو (السويدية) بالقرب من منطقة رميلان النفطية في ريف الحسكة، بسبب تماس كهربائي أدى إلى احتراق أكثر من دونمين. وفي السياق، نشب حريق والتهم بيدر قمح وأجزاء من أرض زراعية شرقي دير الزور.
وأعلنت هيئة الإدارة المحلية والبيئة التابعة للإدارة الذاتية، عن استنفار فرق الإطفاء، حتى انتهاء موسم الحصاد؛ للحفاظ على المحاصيل ووقايتها من الحرائق. ونشرت الإدارة الذاتية للفرات أرقام تواصل ساخنة لفرق الإطفاء في عموم منطقة شرقي الفرات لتلبية ونجدة الفلاحين وحماية المحاصيل.
وأكد عبد الرحمن السعد، وهو من مزارعي ريف الرقة الغربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الخشية من الحرائق تسيطر علينا حتى ننتهي من الحصاد وتوريد المحصول إلى مراكز الاستلام"، مضيفا: "هذا الموسم كان الأقل لجهة عدد الحرائق والمساحات المحروقة قياسا بمواسم فائتة".
وأشار إلى أن "جنى موسم كامل يذهب أحياناً نتيجة الحرائق". وبيّن الخبير الزراعي المهندس إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للحرائق تأثيرا كبيرا على إنتاج القمح والشعير في شمال شرقي سورية، مشيرا إلى أن "الإدارة الذاتية في هذا الموسم شكلت لجانا محلية لحماية المحاصيل، وهذه مبادرة إيجابية".
وحول الإنتاج المتوقع في شرقي الفرات من القمح، أوضح أن متوسط الإنتاج للهكتار الواحد نحو 4 أطنان من القمح. ودخلت أصناف جديدة من بذور القمح إلى شمال شرقي سورية إنتاجيتها أكبر وتصل أحيانا إلى 7 أطنان في الهكتار الواحد.
وبيّن أن الإنتاج هذا الموسم سيرتفع بسبب هطول كميات كافية من الأمطار ما انعكس إيجابا على المساحات البعلية (غير المروية)، مشيراً إلى أنه "من المبكر الحديث عن إنتاج شرق الفرات من القمح والشعير"، مضيفا: "ليست لدينا أرقام حقيقية للمساحات المزروعة، ولكن في حال لم تحدث حرائق على نطاق واسع فالإنتاج بالتأكيد سيكون أكبر من الموسم الفائت". وتراجع إنتاج سورية من القمح من نحو 4 ملايين طن مطلع الألفية الجديدة إلى نحو مليون و200 ألف طن في الموسم الفائت، وهو أقل بكثير من حاجة البلاد، التي كانت قبل عام 2011 تصدّر بعض الفائض.
وحددت حكومة النظام سعر شراء القمح المحلي لموسم 2023 عند 2300 ليرة سورية (0.9163 دولار) للكيلوغرام. من جانبها، حددت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية سعر شراء كيلو القمح من الفلاحين هذا العام بـ43 سنتاً. ومع بدء الموسم كل عام، يتجدد التنافس بين النظام والإدارة الذاتية للحصول على الكميات الأكبر من محصول القمح، ما يدفع كل طرف إلى رفع سعر شراء القمح من الفلاحين والموردين.
ومنذ عام 2018، تنتج منطقة شرق الفرات ما بين 700 إلى 800 ألف طن من القمح، وهو ما يكفي حاجة المنطقة ويفيض، وفق مصادر في الإدارة الذاتية. بينما لا تسد المساحة المزروعة بالقمح في مناطق النظام حاجته، ما يضطره إلى الاستيراد، أو الاعتماد على التهريب من المناطق الخارجة عن سيطرته وخاصة شرقي نهر الفرات.