وصلت النزاعات القانونية في قطاع الشحن العالمي إلى أعلى مستوى لها منذ سبع سنوات على الأقل، إذ أدى انخفاض الأرباح واضطراب التجارة الناجم عن الحرب الروسية في أوكرانيا إلى صراعات بين أصحاب السفن وعملائهم.
شاركت شركات الشحن العام الماضي في نحو 2000 قضية تحكيم في لندن وسنغافورة، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة "إتش إف دبليو" للمحاماة، ونقلتها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أمس الأحد.
ويمثل العدد الإجمالي في قضايا التحكيم زيادة بنسبة 12% عن عام 2021، وهو الأعلى المسجل في المدينتين، الوجهتين الرئيسيتين لمثل هذه النزاعات التجارية حول العالم، منذ أن بدأت شركة المحاماة في جمع الأرقام في عام 2016.
كما أن هذا العدد يتجاوز عدد الحالات في عام 2020، عندما كانت النزاعات في قطاع الشحن على أشدها بسبب الازدحام في الموانئ بعد ظهور جائحة فيروس كورونا، التي أدت الإغلاقات بسببها إلى خلافات عديدة حول تأخيرات الشحن.
ويؤكد محامون متخصصون في قضايا قطاع الشحن أن العقوبات المفروضة على تجارة بعض السلع مع روسيا والخطر المتزايد على السفن في منطقة البحر الأسود، فضلاً عن الضغوط للتخفيف من انخفاض الأرباح وسط التباطؤ الاقتصادي واسع النطاق، كانت وراء التوترات أخيراً.
يقول مايك ريتر، محامي الشحن في شركة "إتش إف دبليو": "ربما يكون هناك احتكاك أكثر من ذي قبل"، موضحاً أنّ حرب أوكرانيا كان لها "تأثير بالغ الأهمية" وأثارت خلافات أكثر، حيث يسعى أصحاب السفن إلى معارضة الطلبات التي يحتمل أن تكون خطيرة للإبحار بالقرب من أوكرانيا. ويضيف: "بالتأكيد لا أرى أنه سيكون هناك انخفاض" في القضايا القانونية هذا العام.
ضربات للتجارة العالمية
يعد تزايد المشاحنات التجارية أحدث علامة على مدى سرعة الضربات الأخيرة التي تعرضت لها التجارة العالمية. منذ غزو موسكو لأوكرانيا نهاية فبراير/شباط من العام الماضي، أدت العقوبات المفروضة على تجارة المنتجات الروسية إلى قلب صناعة توفر ما يصل إلى 90% من السلع العالمية، وتعتمد على العلاقات التجارية السلسة بين الدول.
كما أثر انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، على مستوى العالم أيضاً، على التوقعات بالنسبة لشركات شحن الحاويات، التي سجلت مؤخراً أرباحاً قياسية خلال الإغلاقات التي تسبب فيها كورونا وسط طفرة التسوق عبر الإنترنت والاختناقات في الموانئ التي أدت إلى ارتفاع تكلفة الشحن.
تقول كيرستي ماكاردي، محامية الشحن في شركة ستيفنسون هاروود، ومقرها لندن، إن الصناعة كانت تجني الكثير من الأموال في عام 2021، لدرجة أن الشركات كانت مترددة في مقاطعة الأعمال والطعن في التحديات القانونية من العملاء، مثل النزاعات حول سرعة السفينة وأدائها، ولكن مع انخفاض الأرباح الآن، أصبحوا أكثر حماساً للدخول في نزاعات.
تشير ماكاردي إلى أن ستيفنسون هاروود تلقت استفسارات من مجموعات شحن تسعى إلى رفض طلبات الإبحار إلى روسيا. لكنها لفتت إلى أن العملاء لم يتمكنوا في كثير من الأحيان من تمزيق العقود الحالية، ولم يصل سوى جزء صغير من هذه الحالات إلى جلسات التحكيم، حيث لا يوجد حظر شامل على التجارة مع روسيا.
وتفضل شركات الشحن عموماً تسوية النزاعات من خلال جلسات التحكيم لأنها تظل خاصة. ووفق شركة "إتش إف دبليو" فإنها حصلت على بياناتها حول عدد قضايا التحكيم الخاصة بصناعة الشحن من خمسة مراكز تحكيم رائدة ومنظمات تمثل المحكمين، وهم المحكمون المحترفون المعينون لتسوية النزاعات.
البحر الأسود شريان حيوي لنقل الحبوب
تقول شركة المحاماة إن تحليلها أعطى "صورة واسعة النطاق" للاتجاه في قضايا التحكيم البحري. وبحسب باتريك مورفي، محامي الشحن في مكتب المحاماة الدولي كلايد آند كو، فإن العقوبات من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من النزاعات "الاحتكاكية" حول العقود.
لكنه أضاف أن المستوى الحالي للحالات لا يمكن مقارنته بالفترة التي أعقبت الانهيار المالي في عام 2008، عندما "دخلت صناعة الشحن في حالة من السقوط الحر". في ذلك العام، قدرت جمعية المحكمين البحريين في لندن أنه جرى إحالة 2058 قضية إليها، مقارنة بـ1807 في عام 2022.
وتعتبر موانئ البحر الأسود شرياناً حيوياً لمبيعات الحبوب إلى الخارج، والتي تشكل الجزء الأكبر من شحنات التصدير تاريخياً. ولا يعتقد بول ماركيدس، مدير مراقبة الجودة البحرية في شركة "إنتركارغو" (الجمعية التجارية العالمية لمالكي سفن الشحن الجاف)، أن "مالكي السفن سيتوجهون إلى الموانئ الأوكرانية إلى أن يُعاد فتح الممرات الآمنة مجدداً، لأن فعل ذلك لا يعد عملاً آمناً"، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وتحاصر روسيا الموانئ الأوكرانية منذ غزوها جارتها في فبراير/ شباط 2022، وهددت بمعاملة جميع السفن على أنها أهداف عسكرية محتملة بعد الانسحاب في يوليو /تموز من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة.
وأعلنت أوكرانيا رداً على ذلك تشغيل ممر مؤقت على الساحل الغربي للبحر الأسود قرب رومانيا وبلغاريا. ويمتد الممر على طول الشواطئ الغربية للبحر الأسود متجنبا المياه الدولية، ويستخدم بدلاً من ذلك المياه التي تسيطر عليها رومانيا وبلغاريا العضوان في حلف شمال الأطلسي. وتشير التقديرات الرسمية لمنظمة التجارة العالمية إلى أن روسيا وأوكرانيا تشكلان وحدهما ما يصل إلى ثلث صادرات القمح والشعير في العالم، بالإضافة إلى نحو خُمس تجارة الذرة.