ربما تكون الهند من بين الدول القليلة التي حوّلت كابوس الغزو الروسي لأوكرانيا إلى غنيمة، إذ رفعت الحرب من دخل صادرات القمح الذي ارتفع سعره بنسبة 40% خلال العام الجاري ليصل إلى أعلى مستوى له خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
كذلك تمكّنت الهند من الحصول على النفط الروسي ومشتقاته بأسعار رخيصة عبر موقفها الرافض لتبني العقوبات الغربية على موسكو، وبالتالي تتجه الهند لتحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادي خلال العام الجاري 2022، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وتشير تلك البيانات إلى أن الاقتصاد الهندي بلغ حجمه 2.9946 تريليون دولار في العام الماضي 2021، كما تمكن من النمو بنسبة 8.9%، وظل التضخم في البلاد غير مرتفع مقارنة بمعدلاته في أوروبا والولايات المتحدة حيث لم يتجاوز 7.8% في شهر إبريل/ نيسان الماضي.
وتعد الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بعد الصين التي تنتج نحو 134.2 مليون طن متري سنوياً، ولكنها ليست مصدراً للقمح مثل روسيا وأوكرانيا بسبب الكثافة السكانية والاستهلاك المحلي.
وتزايدت أهمية الهند في تصدير القمح بعد تعطيل الحرب للشحن البحري عبر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، وهو ما منع صادرات القمح الأوكرانية من الوصول إلى دول العالم، وبالتالي يزيد الاعتماد على الإمدادات الهندية.
وكانت الهند قد فرضت قبل يومين قيوداً على صادرات القمح، إلا أنها عادت أمس الأحد لتقول إنها ستسمح بصادرات القمح لبعض الدول بعد تعرضها لانتقادات غربية، وفقاً لصحيفة "إنديا تايمز" الصادرة بالإنكليزية.
ويعود قرار تقييد صادرات القمح الهندية لدول العالم إلى ارتفاع أسعاره في السوق المحلية بسبب تخزين التجار الطامعين في الحصول على أرباح ضخمة.
ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من عقوبات غربية وتوقف التصدير للقمح الأوكراني، تحولت الهند إلى دولة رئيسية في تأمين الخبز العالمي، وبالتالي واحداً من الأعمدة الأساسية في خفض التضخم الذي بات يفترس الاقتصادات العالمية ويهدد بقاء بعض الحكومات في العالم النامي.
والهند ثاني أكبر منتج للقمح العالمي وتنتج أكثر من 100 مليون طن من القمح سنوياً. وكان يفترض وفقاً للبيانات الحكومية الهندية التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" أن تتمكن من إنتاج 110 ملايين طن متري من القمح في موسم الحصاد الحالي الذي ينتهي في يونيو/ حزيران، إلا أن البلاد تعرضت لموجة من الحرارة المرتفعة في شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان، ما أدى إلى تأثير معدل الإنتاجية الزراعية، وبالتالي خفضت الحكومة توقعات الإنتاج خلال الموسم الجاري بنسبة 5.7% إلى 105 ملايين طن متري عن إنتاج العام الماضي البالغ 111 مليون طن متري.
وعلى الرغم من الكثافة السكانية في الهند، فإن جيرانها يعتمدون عليها في توريد القمح. ومن الدول الآسيوية التي تعتمد على القمح الهندي أفغانستان التي تعاني من مجاعة وبنغلاديش التي تعاني من تدني دخول الأفراد، ونيبال وسيرلانكا، كذلك تصدر القمح إلى العديد من الدول العربية.
لكن رغم تقديرات تراجع الإنتاج فإن لدى الهند مخزونات من القمح تفوق كثيراً ما تحتاجه للاستهلاك المحلي، إذ لديها مخزونات تقدر بنحو 30 مليون طن متري وتحتاج إلى 25 مليون طن متري للاستهلاك المحلي.
وكان لدى الهند مخزون ضخم من القمح قبل تفشي جائحة كورونا ولكنها اضطرت لتوزيعه على الفقراء ومحدودي الدخل في البلاد، إذ وزّعت قمحاً بأسعار رمزية على 800 مليون مواطن بالهند. وجاء التوزيع ضمن برنامج للدعم الغذائي انتهى في سبتمبر/ أيلول الماضي.