شكا مواطنون أتراك من زيادات كبيرة في أسعار الوقود خلال الفترة الأخيرة، وذلك على خلفية قفزات أسعار النفط عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، وأقر الاقتصادي التركي مسلم أويصال بتلك الزيادات، بل زاد على ذلك بقوله: "ستكون آثار ارتفاع أسعار النفط خطرة على تركيا" لأنّ بلاده تستورد أكثر من 95% من استهلاكها من النفط والغاز من الخارج، كما لروسيا، بشكل خاص، وزن وأثر كبيران على مستوردات بلاده، فهي تأتي بمقدمة المصدرين لتركيا، وبطول زمن الحرب واستمرار ارتفاع الأسعار، ستزداد الآثار السلبية على الاقتصاد التركي.
ويستشهد الاقتصادي التركي بمواكبة بلاده رفع أسعار الغاز والمشتقات النفطية بالتوازي مع استمرار الحرب وارتفاع الأسعار العالمية، إذ ارتفع سعر البنزين قبل أيام بنحو 1.6 ليرة ليصل الليتر إلى 18.77 ليرة، في حين لم يزد في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عن 8.30 ليرات، قبل أن يرتفع إلى نحو 14 ليرة عبر رفعات متتالية، ويستمر تأثير السعر العالمي والحرب حتى وصلنا إلى أعلى سعر اليوم. كما طاولت ارتفاعات الأسعار الديزل الذي قفز الأسبوع الماضي بنحو 1.50 ليرة لليتر، وتبعه رفع أخير، قبل أيام، بنحو 84 قرشاً، ليصل السعر إلى 19.85 ليرة.
ولم يسلم الغاز المنزلي، بحسب الاقتصادي التركي، من رفع الأسعار، رغم أن الزيادة الأخيرة، الأسبوع الماضي، استثنت الغاز المنزلي والصناعي واقتصرت على غاز السيارات ومنشآت توليد الكهرباء، الأمر الذي انعكس على أسعار الكهرباء التي تضاعفت أيضاً.
ويرى الاقتصادي التركي، لـ"العربي الجديد"، أن رفع أسعار المحروقات والكهرباء ينعكس مباشرة على أسعار السلع والمنتجات، وهو الخطر الأكبر بالنسبة لتركيا التي تعاني من ارتفاع تضخم الأسعار بنسبة هي الأعلى منذ 20 عاماً، ليأتي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية عالمياً عاملاً إضافياً في زيادة نسبة التضخم في البلاد، ما يعيق التطلعات والمشروعات الحكومية التي كانت تأمل بتخفيض التضخم إلى خانة الآحاد عام 2023.
وبلغ التضخم في تركيا في فبراير/شباط أعلى معدل منذ عقدين على أساس سنوي، بحسب بيانات هيئة الإحصاء الرسمية، بعد ارتفاع أسعار الاستهلاك بنسبة 4.8 بالمائة خلال الشهر لتسجل 54.4% على مدى عام، مع استمرار ارتفاع الأسعار مدفوعة بالأسباب العالمية من رفع أسعار الطاقة والغذاء.
ويأتي تخفيض أسعار الفائدة عاملاً إضافياً لزيادة نسبة التضخم بتركيا، فبعد تخفيض أسعار الفائدة أربع مرات متتالية العام الماضي، من 19 إلى 14%، خسرت الليرة، التي دخلت عام 2020 بسعر 7.4 ليرات مقابل الدولار، نحو 50% من قيمتها، حين أغلقت العام الماضي على نحو 13.5 ليرة للدولار، ولم تزل تتراوح حول هذا السعر حتى بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، لتتراجع إلى ما دون 14 ليرة اليوم. ويأتي تضخم الأسعار في تركيا مخالفاً لتوقعات وآمال المسؤولين، إذ توقع وزير المالية نور الدين نباتي أن يبلغ المعدل ذروته عند نحو 40% خلال الأشهر المقبلة، وألا يتجاوز 50% في 2022.
وحول أثر ارتفاع التضخم على معيشة الأتراك، يعقّب الاقتصادي مسلم أويصال بأن نسبة التضخم اليوم فاقت نسبة رفع الحد الأدنى للأجور، البالغة 50%، مطلع العام الجاري، ليصل الحد الأدنى للأجور إلى 4250 ليرة، لكن الأجور لم تعد تتناسب مع المصاريف، فبعض الأسعار ارتفعت بأكثر من 150% خلال عام، منها الزيوت النباتية والمنظفات وحتى اللحوم، كما لا تقل نسبة ارتفاع أسعار الخبز والخضراوات والفواكه عن 70 إلى 100%، وهذا يزيد نسبة الفقر ويملي على الحكومة مزيداً من التدخل، وعبر قنوات متعددة، إذ لا يكفي تخفيض ضريبة القيمة المضافة على الغذاء من 8% إلى 1% كما رأينا خلال فبراير/ شباط الماضي.
وتزداد بعض مخاوف الأتراك من توقف إمدادات النفط والغاز أو تراجع المخزون الاحتياطي ببلد يحتل المرتبة الأعلى من حيث الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون والتنمية، وذلك بواقع استمرار الحرب بأوكرانيا والتوقعات أن تتسع رقعتها، الأمر الذي نفاه المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، قائلا لـ"العربي الجديد" إن بلاده تحوطت لهذا الأمر، فمددت العقود الآجلة وأبرمت عقوداً جديدة، كما أنها فتحت أقنية جديدة مع مصدرين تحسباً لأسوأ السيناريوهات.
ولكن، لا ينكر كاتب أوغلو من أثر ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً على أسعار حوامل الطاقة ببلاده، وأن يتضاعف سعر الغاز ست مرات خلال عام، وأن يتعدى سعر برميل النفط 120 دولاراً، فلهذا آثار كبيرة على تركيا التي تزيد فاتورة استيرادها الطاقة سنوياً عن 45 مليار دولار جراء استيراد نحو 53.5 مليار متر مكعب غازاً ونحو 360 مليون برميل نفطاً،
من جانبه، طمأن المدير العام لشركة "بوتاش" للغاز الطبيعي، برهان أوزكان، الشعب التركي بقوله" تركيا لا تعاني من مشاكل في تأمين الغاز الطبيعي بتاتا"، لكن "من الممكن أن تعاني من ارتفاع سعر الغاز".
ولن تترك الحكومة التركية المستهلكين "وحيدين" بمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، بحسب كاتب أوغلو، الذي أكد لـ"العربي الجديد" استمرار الحكومة بتطبيق خطة تخفيض عبء التضخم وغلاء الأسعار عن المواطنين، عبر زيادة فاتورة الدعم لأسعار المشتقات النفطية وتخفيض ضريبة القيمة المضافة على الغذاء من 8 إلى 1% والكهرباء من 18 إلى 8% ، ملمحاً إلى قرارات جديدة ستدعم المواطن، بشكل مباشر وغير مباشر، عبر زيادة تكفل الحكومة بفارق أسعار الطاقة.