بينما تتزايد مخاطر غزو أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، وتتجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تشديد العقوبات على روسيا، يثار السؤال حول مستقبل التحالف النفطي بين موسكو ومنظمة البلدان المصدرة للنفط تحت مسمى "أوبك+"، وعما إذا كان تحالف المنظمة البترولية مع موسكو يستطيع الصمود وعبور هذه المرحلة الخطرة التي تعد أكبر اختبار للمنظمة في تاريخها الذي تجاوز 60 عاماً؟
وحتى الآن، لم تتخذ دول "أوبك" التي تقودها كل من الرياض وأبوظبي موقفاً واضحاً تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا. كما أنها لم تواجه ضغوطاً من التحالف الغربي بقيادة واشنطن لاتخاذ موقف داعم لأوكرانيا، ولكن هذه المرونة الغربية ربما تتغير مع الوقت، وسط الارتفاع الكبير في أسعار برنت فوق 114 دولاراً للبرميل، وتواصل شراسة الحملة العسكرية في أوكرانيا.
ويرى خبير الطاقة العالمي الدكتور سايرول ويدر شوفن، في تحليل بنشرة "أويل برايس" الأميركية، أن التعاون القائم بين روسيا ومنظمة "أوبك" ربما سيتفكك إذا لم تتمكن القوى الكبرى من إيجاد حل دبلوماسي لوقف الحرب وتسوية الحملة العسكرية الشرسة التي يقودها الجيش الروسي في أوكرانيا.
وقال الخبير ويدر شوفن في تحليله، إن العلاقات التي تنامت خلال الأعوام الأخيرة بين روسيا وكل من الرياض وأبوظبي اللتين تقودان منظمة "أوبك" حالياً ستواجه مخاطر التفكك، وسط ضغط العقوبات المالية والاقتصادية الغربية المشددة ضد روسيا وشركاتها ونفطها.
ورغم أن الولايات المتحدة والدول الغربية لم تحظر صادرات النفط والغاز الروسية، إلا أن الشركات الروسية تجد صعوبات بالغة في توصيل شحنات الخامات النفطية للأسواق العالمية، وسط إغلاق معظم الموانئ العالمية أمام حركة السفن التي تحمل علم روسيا. وحسب صحيفة "ذا غارديان" اللندنية، مُنعت سفينة تحمل شحنة نفط روسية من الرسوّ في الموانئ البريطانية.
ولم تمنع حاجة الدول الغربية الماسة لزيادة خامات "أوبك+" التي بلغت 114 دولاراً لخام برنت في تعاملات الأربعاء، من مواصلة تشديد الحظر على روسيا. وحتى معظم تجار النفط في الأسواق العالمية الرئيسية يرفضون شراء الخامات الروسية.
وقال إدوارد ماير، محلل الطاقة في شركة "كابيتال ماركتس"، لرويترز، أمس الخميس، إن "التجار قلقون من شراء شحنات النفط الروسية، دعك عن تخزينه".
ويقول محللون غربيون، إن موقف "أوبك+" غير الداعم للحملة الاقتصادية ضد روسيا يغضب واشنطن وحلفاءها، وربما تكون له ردة فعل في المستقبل على المنظومة البترولية التي تواجه دعاوى قضائية لا تزال معلقة في الولايات المتحدة. ورغم أن واشنطن وحلفاءها الكبار في أوروبا لم يطلبوا رسمياً من الدول العربية دعم حملة العقوبات الغربية ضد روسيا، ولكنهم سراً غير راضين عن موقف تحالف أوبك، وربما ينعكس ذلك على مستقبل تماسك المنظمة وعلاقاتها مع الدول الغربية.
ويقول الدكتور ويدر شوفن "تبدو الرياض وأبوظبي في مفترق الطرق، ويواجهان صعوبة الموازنة بين علاقاتهما مع تحالف موسكو - بكين ومع التحالف الغربي الذي تقوده واشنطن".
ويرى محللون غربيون أن موسكو باتت تقود سياسات "أوبك" منذ تشكيل التحالف النفطي في عام 2016. ويدعم وجهة النظر هذه رفض "تحالف أوبك+" لدعوات الإدارة الأميركية المتكررة إلى رفع إنتاج النفط في نهاية العام الماضي.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد واجهت أزمة ارتفاع أسعار البنزين التي رفعت معدل التضخم، وأثرت بشكل مباشر على شعبية بايدن، وهو ما اضطر الإدارة الأميركية إلى إطلاق كميات من نفط المخزون الاستراتيجي. وتتجه الإدارة الأميركية مع حلفائها في الدول الغربية الكبرى حالياً لإطلاق نحو 60 مليون برميل من النفط، في محاولة لخفض أسعار النفط الحالية.
ومنذ استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، تراجعت حصة صادرات النفط العربي إلى الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها، وباتت أميركا شبه مكتفية من الخامات النفطية، وتدريجياً خرج النفط العربي من مكونات الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة، في الوقت الذي باتت فيه الصين المستورد الرئيسي للخامات النفطية السعودية والإماراتية.
من جانبها، ترى نشرة "أويل برايس انتيليجنس" الأميركية أن "حرب أوكرانيا" ستشكل اختباراً صعباً لتحالف روسيا مع أوبك". وبحسب النشرة "فإن المسؤولين في منظمة أوبك يرون أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تغير أسس السوق النفطية".
وتشير النشرة إلى أن مسؤولي منظمة "أوبك" يتجاهلون حقيقة مهمة، وهي أن الحرب المندلعة حالياً في أوكرانيا ستكون لها تداعيات على مسار النفوذ السياسي العالمي، وأن ردة الفعل القوية من قبل إدارة بايدن ضد روسيا ودعمها القوي لأوكرانيا ربما ستقوي مركز الرئيس جو بايدن وشعبيته، وبالتالي ترفع من فرص فوزه بدورة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة.
كما يرى محللون غربيون أن بكين التي يراهن عليها بعض أعضاء "أوبك" تراقب حتى الآن مسار الحرب الروسية في أوكرانيا، ولم تتدخل في النزاع العسكري، أو حتى لم تقدم دعماً مالياً ملموساً لروسيا.
ولدى الصين مصالح تجارية واقتصادية واسعة مع كتلة الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ويرى محللون أنها ستعمل على الموازنة بين مصالحها الغربية في أي دعم تقدمه لموسكو.
وفي هذا الشأن، لاحظ محللون غربيون أن بكين لم تعترف في السابق بضم روسيا لجزيرة القرم في عام 2014، وبالتالي فإنها ربما تتبع نفس المبادئ في حال ضم روسيا لأوكرانيا أو ضم أجزاء منها.