ربما يكون للدعم اللامحدود الذي تمنحه الحكومات الأوروبية لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ثمن باهظ خلال الانتخابات المقبلة، وسط السخط الشعبي من سياسات هذه الحكومات.
وهنالك مخاطر أن تزيد الحرب من أزمات المعيشة والهجرة والتضخم وارتفاع الديون السيادية داخل دول القارة.
وحتى الآن، يخرج الاقتصاد الأوروبي من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويرى خبراء أن الحرب على غزة سيكون لها تأثير كبير على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، ما لم يتم احتواء ضغوط أسعار الطاقة، وفقاً لمصرف "غولدمان ساكس".
ووفق محللين، فإن أزمة أوروبا ومأزقها الحالي يتلخصان في أنها صدقت الرواية الإسرائيلية التي روج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي توهم أن القضية الفلسطينية يمكن تجاوزها وإزالة غزة والمقاومة الفلسطينية من المعادلة الإقليمية.
الحرب على غزة سيكون لها تأثير كبير على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، ما لم يتم احتواء ضغوط أسعار الطاقة، وفقاً لـ"غولدمان ساكس"
وكان هذا يعني ضمناً لأوروبا أن الاستقرار في الشرق الأوسط أمر ممكن تحقيقه من دون حل القضية الفلسطينية.
ووفق هذا المنظور الذي يتجاوز القضية الفلسطينية، رأى ساسة غربيون أن هنالك غنيمة في المنطقة العربية يمكن تقاسمها مع إسرائيل، من بينها الموارد الضخمة المتوفرة في المنطقة وعلى رأسها الطاقة والمياه والممرات المائية التي تحكم التجارة العالمية، وبالتالي حل أزماتها المالية عبر موارد المنطقة العربية.
وكانت أولى خسائر أوروبا من هذه الحرب هي تبخر حلم الممر التجاري الهندي الذي يربط دول المنطقة العربية بأوروبا عبر دول الخليج، ووأد مشروع إنشاء قناة بن غوريون التي ستحول حركة النقل البحري من قناة السويس إلى ميناء عسقلان.
وحسب تقرير في البرلمان الأوروبي، فإن الحرب على غزة سترفع من أعباء الإنفاق الدفاعي الأوروبي، بسبب انشغال أميركا بمستقبل المشروع الإسرائيلي في المنطقة العربية وأطماع روسيا بالتوسع في دول أوروبا الشرقية.
ويقول التقرير إنه اعتبارًا من 4 إبريل/نيسان 2022، شمل طلب الميزانية الدفاعية تمويلات دفاعية بقيمة 773 مليار دولار، منها 177.5 مليار دولار للجيش، و194 مليار دولار للقوات الجوية والقوات الفضائية، و230.8 مليار دولار لسلاح البحرية ومشاة البحرية، وذلك بزيادة 4.1% عن السنة المالية الماضية 2021/ 2022.
كما أن أوروبا سترفع ميزانية الدفاع إلى أعلى من مستوياتها الحالية، خاصة ألمانيا التي عادت للتسلح بقوة.
من جانبها، قررت بريطانيا في نهاية الشهر الماضي زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% ليبلغ 51.7 مليار دولار في الميزانية الجديدة.
أوروبا سترفع ميزانية الدفاع إلى أعلى من مستوياتها الحالية، خاصة ألمانيا التي عادت للتسلح بقوة
في هذا الصدد، يرى اقتصاديون أن زيادة الإنفاق الدفاعي ستكون لها تداعيات على زيادة العجز بالميزانيات الأوروبية، كما سترفع كذلك من حجم الديون.
وبالتالي سيقود تلقائياً إلى تراجع سعر صرف اليورو، وإلى مزيد من هروب المستثمرين من السندات الأوروبية التي تعتمد عليها الحكومات الأوروبية في الإنفاق العام.
على مستوى أزمة اليورو، فإنه منذ العام 2012 تعاني أوروبا من أزمة الديون التي بلغت حتى نهاية العام الماضي نحو 13.4 تريليون دولار، أي نحو 90% من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة، حسب موقع "تريدينغ إيكونومكس"، الذي يرصد المؤشرات الاقتصادية للدول.
من جانبه، يقول معهد بروغيل للدراسات في بروكسل: "زاد إصدار الديون من قبل المفوضية الأوروبية نيابة عن الاتحاد الأوروبي بشكل كبير".
ومن بين ما يقرب من 400 مليار يورو من ديون الاتحاد الأوروبي المستحقة حتى مايو/أيار الماضي، فإن نسبة 85% من الاقتراض حدثت في العام 2020.
ومن المتوقع أن يستمر الاقتراض في الزيادة على نطاق واسع حتى العام 2026، لتمويل القروض الميسرة لدعم أوكرانيا.
ومأزق الاتحاد الأوروبي يكمن في أن المستثمرين بالسندات السيادية يدركون أن هذه الديون الحكومية مدعومة من قبل البنك المركزي الأوروبي.
وبالتالي، لا تستطيع هذه الدول التخلف عن السداد بسبب عضويتها في الاتحاد النقدي وفق محللين ماليين.
وتبعاً لذلك، يقول تحليل بدورية "إنتر إيكونومكس" الأوروبية، دُفعت حكومات أسواق السندات عالية المخاطر إلى توازن سيئ، فالحاجة إلى إيجاد السيولة أرغمت هذه الحكومات على زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
كما أدت برامج التقشف القسرية التي فرضتها الحكومات على الشعوب إلى تفاقم الركود وتفاقم مشكلة الديون.
كل هذا أدى إلى أزمة سياسية في منطقة اليورو، كانت نتيجتها ضعف شعبية الأحزاب التقليدية وتهديد الاستقرار السياسي في أوروبا.
أدت برامج التقشف القسرية التي فرضتها الحكومات على الشعوب إلى تفاقم الركود وتفاقم مشكلة الديون
وبالنسبة لصعود اليمين والأحزاب الشعبوية، فقد أدت سياسات توسع الإنفاق على الدفاع ورفع سعر الفائدة وارتفاع التضخم إلى مزيد من الضغط على المستوى المعيشي للناخب الأوروبي الذي يعاني من ارتفاع كلف الطاقة والغذاء، إلى موجة سخط ضد الأحزاب التقليدية الحاكمة في أوروبا ونمو الحركات الشعبوية التي عبّرت عن نفسها في المظاهرات الهادرة التي خرجت في العواصم الأوروبية الداعمة لقطاع غزة ضد إسرائيل.
في ألمانيا، صعد حزب "البديل من أجل ألمانيا"، ليصبح ثاني أكثر الأحزاب شعبية في البلاد. والحزب في طريقه للفوز بالانتخابات البلدية.
وفي العام المقبل، يمكن لليمين المتشدد أن يكتسب المزيد من النفوذ في انتخابات البرلمان الأوروبي، المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران.
كما يقوي موقف مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، في الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2027.
وإذا فعلت ذلك وفازت، فسوف تصبح فرنسا ثاني دولة كبيرة يديرها اليمين المتشدد، بعد إيطاليا، حيث تولت جورجيا ميلوني حكم إيطاليا، في ائتلاف مع حزب الرابطة القومية.
وفي سوق الطاقة وأزمة الغاز، فإن هنالك قلقاً حول مستقبل إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة واحتمال توسعها على إمدادات الغاز بالقارة العجوز.
وحتى الآن، تأثرت أوروبا بشكل ضئيل بتوقف صادرات الغاز المصري. وحسب معهد بروغيل للدراسات في بروكسل، بلغ إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال حوالي 7 ملايين طن في العام 2022.
هنالك قلق حول مستقبل إمدادات الغاز في أوروبا بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة واحتمال توسعها على إمدادات الغاز بالقارة العجوز
ذهبت منها 5 ملايين طن إلى الاتحاد الأوروبي، مقارنة بإجمالي واردات الاتحاد الأوروبي البالغة 96 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، التي تزيد عن 400 مليون طن.
ولكن في ظل سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية المحدودة للغاية، فإن احتمال خسارة الإمدادات المصرية الصغيرة نسبيًا في بداية الشتاء قد تخلق ضغوطًا تصاعدية على أسعار الغاز في جميع أنحاء أوروبا وآسيا.